الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأعمال الفنية العالمية رموز الحرية وأهداف الإرهابيين

الأعمال الفنية العالمية رموز الحرية وأهداف الإرهابيين
27 أكتوبر 2007 01:53
في الأسبوع الماضي، وفي ما يسميه سكان مدينة باريس بـ''الليلة البيضاء''، حين يمرح الآلاف من الناس في الشوارع حتى الفجر، اخترقت مجموعة من المتطفلين ''متحف أورسيه'' في باريس وخلّفوا وراءهم ثقباً في واحدة من لوحات الفنان الشهير مونيه· ووردت أخبار من ''مدينة لوند'' في جنوب السويد تتحدث عن مخربين هاجموا بقضبان حديدية وفؤوس حادة معرضاً فنياً وحطموا فيه بضع صور إباحية صوّرها المصور أندريه سيرانو· وقد ألقي القبض على المخربين في باريس بفضل التعرُّف عليهم عبر كاميرات المراقبة، فيما تمّ عرض مخربي المعرض الفني في السويد في الموقع الشهير ''يو تيوب''· لذلك يجب التوقف سويا لتأمل لوحة بيكاسو ''الجورنيكا''· فتهديد الإرهاب ليس شيئاً جديداً في أسبانيا، حيث فجّر بعض الإرهابيين قطارات مدريد قبل بضع سنين، وقتلوا العديد من الناس، وحيث التهديدات بالقتل التي يطلقها متشددون من الباسك (كان هناك هجوم بالقنابل حديثاً في مدينة بيلباو، فقد انتهت معاهدة السلام المعقودة مع الحكومة في يونيو الماضي) صارت هذه التهديدات جزءاً من الحياة اليومية· ثمة عمود صغير، وجرس إنذار بسيط فقط، وهذا ما استكشفتُه بنفسي، يفصل الجمهور عن الجدارية الشهيرة لبيكاسو: ''الجورنيكا''، تلك الجدارية التي تصور الجريمة الإرهابية التي قام بها الألمان حين قصفوا المدينة الباسكية القديمة الجورنيكا في العام ·1936 وقبل ستة وعشرين عاماً، حين وصلت اللوحة إلى مدريد قادمة من نيويورك، جرى تنصيبها في قفص زجاجي ضد الرصاص في مكان في برادو، وأحيطت بالجنود لحماية ما صار رمزاً لمناهضة الفاشية· وقد أراد بيكاسو أن تذهب لوحته إلى أسبانيا عندما سقط نظام فرانسيسكو فرانكو الفاشي· وكل من يتذكر اللوحة في متحف الفن الحديث في برادو، يتذكر أن المشهد كان حزيناً وصادماً، والصورة خانقة· وكانت اللوحة قد تعرضت للأذى سلفاً في متحف الفن الحديث، وذلك حين قام فنان تافه وغير ذي شأن يُدعى توني شافرازي، في العام ،1974 بالكتابة عليها رشّاً بالصبغ الكلمات الآتية: ''اقتلوا الأكاذيب كلها''· وبالطريقة التي تُوَظّف بها الأموال والشخصيات الفنية في أميركا وعالم الفن، الطريقة المشفوعة بفقدان الذاكرة، أصبح شافرازي تاجر لوحات غنياً وذا نفوذ· نُقلت اللوحة قبل بضع سنوات من برادو إلى رايينا سوفيا، وأخيراً خرجت من سجنها· في الحقيقة، ثمة من لم يحبّ لوحة ''الجورنيكا'' أبداً· فطموحها الكبير يعفّي على مساوئ الانفعالات السريعة فيها، ويضخّم النزعة التكعيبية التي تنحو منحى الملصقات الإعلانية· غير أن الزمن أضفى عليها مسحة من المجد· إن إحاطة الأعمال الفنية بالزجاج وحمايتها بأجراس الإنذار لا يضمن حماية كافية لها· فثمة العديد من الهجمات على الأعمال الفنية في بلد مثل فرنسا، ففي يوليو الماضي قامت امرأة بأعمال تخريب في أفينون، وقالت فنانة تدعى ريندي -قامت بتلطيخ لوحة بيضاء بألوان أحمر الشفاه، اللوحة رسمها الفنان سي توومبلي: إنها ظنت أن قبلة أحمر الشفاه تزيد اللوحة جمالاً· وعلى أية خال، لندع للحظة انتهازية بعض الفنانين الذين يحبون إثارة ردات الفعل؛ ففنهم هذا رخيص، ولكن الأمر ليس ذريعة وحجة للإرهاب بحيث تكون منطلقاً وسبباً كافياً لإشعال حرائق الانتقام الإرهابي· ونحن نتذكَّر اضطرابات السنة الفائتة في أعقاب نشر صور كارتونية تسخر من النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جريدة دنماركية· وقد خصص تنظيم (القاعدة) حديثاً جائزة لمن يقتل ناشر جريدة في السويد نشر صور الكارتون وصورة الفنان الذي رسمها· وقد تقول إن ما يثير الإرهابيين هو بدقة الحرية التي يمثلها الفن· والعديد من المجرمين متدينون ومتزمتون جنسياً· ويرون أن قوة الفن تنتهك القيم التي يحرسونها· غير أن للقضية جانباً آخر يتجاوز القيمة الفنية إلى القيمة الاقتصادية· إن الأعمال الفنية غالية أيضاً، ولها أسعار خيالية أحياناً· ومن هذه الناحية، صارت الأعمال الفنية تتمتع بقيمة اقتصادية تقتضي حمايتها، وتأتي الحماية مرافقة لتنامي الوعي الشعبي بالأهمية الرمزية لها، ومن ثم الوعي بضرورة عدم إلحاق الأذى بها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©