الأكراد··· حياة حرة في جبهات جديدة

تحولت الهجمات القاتلة التي ينفذها المسلحون الأكراد المختبئون في شمال العراق داخل الأراضي التركية، إلى محور لجهود دبلوماسية مكثفة، بعدما هددت تركيا باجتياح شمال العراق ومطالبة الولايات المتحدة لها بضبط النفس، مبدية في الوقت نفسه تعاطفها مع الغضب التركي· لكن وبعيداً عن الأعين تجري معركة أخرى مشابهة على الحدود العراقية الإيرانية، حيث لا يكف مسلحون أكراد عن نصب كمائن للجنود الإيرانيين، ثم ينسحبوا داخل العراق مخلفين وراءهم العديد من القتلى في صفوف القوات الإيرانية· وخلافاً لتركيا لا تبدي الولايات المتحدة أدنى تعاطف مع إيران التي لا تتردد من جهتها في توجيه اتهامات إلى واشنطن بدعم الميلشيات الكردية، وهي التهم التي تصر الولايات المتحدة على نفيها· لكن سواء أكانت التهم صحيحة، أم خاطئة، فالصراع على الجبهة الإيرانية يهدد بالانفجار على الطريقة التركية· ''صالح شيفجر''، أحد المقاتلين الأكراد الإيرانيين حكى كيف تربص هو ورفاقه لدورية إيرانية قبل بضعة أيام وقتلوا ثلاثة جنود وأسروا آخر، وقال موضحاً ''لقد كانوا جالسين يتجاذبون أطراف الحديث فوق تلة، فاقتربنا منهم ثم أطلقنا النار عليهم من ناحيتين''، ويعتبر حزب ''حياة حرة في كردستان'' الذي يشن هجمات متكررة على الأهداف الإيرانية فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي تنشط عناصره في تركيا· وعلى غرار حزب العمال الكردستاني يسيطر الأكراد الإيرانيون على المناطق الحدودية المعروفة بتضاريسها الصخرية ووعورة مسالكها ما يجعلها مكاناً مثالياً لشن غارات على الدوريات الإيرانيــة· لكــن في الوقـــت الذي تعتبر فيـــه أميركــا حزب العمــال الكردستاني منظمــة إرهابية يشير عناصر حزب ''حياة حرة في كردستـــان'' أن قادتهم العسكريين ''أجروا نقاشات مباشرة وغير مباشرة'' مع المسؤولين الأميركيين· ورغم أنهم استنكفوا عن تحديد طبيعة تلك النقاشات، أو مستوى المسؤولين الأميركيين، يبقى مؤكداً زيارة زعيم الحزب ''رحمان حاج أحمدي'' إلى واشنطن في الصيف الماضي· وكان مسؤولون إيرانيون قد اتهموا الولايات المتحدة بتزويد المقاتلين الأكراد بالأسلحة واستخدامهم في حرب بالوكالة، وهي الاتهامات التي ينفيها بشدة الجيش الأميركي· ويؤكد ذلك الناطق باسم القوات الأميركية في بغداد ''سكوت راي'' الذي قال ''هناك إجماع بأن القوات الأميركية لا تعمل مع الأكراد الإيرانيين ولا تقدم لهم المشورة''· وبالنظر إلى تصنيف وزارة الخارجية الأميركية لحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية تسعى الولايات المتحدة إلى تفادي إي تلميح بوجود تعاون مع الأكراد الإيرانيين· من ناحيتهم يقول المقاتلون الأكراد إن سبب وصم الولايات المتحدة لحزب العمال الكردستاني بالإرهابي هو محاربته لتركيا، الحليفة الرئيسية لأميركا في المنطقة، بينما ظل حزب ''حياة حرة في كردستان'' بعيدا عن هذه التسمية لأنه يحارب إيران، والواقع أن الحزبين يتماهيان في الكثير من الجوانب، كما يقتسمان الأهداف نفسها والمتمثلة في شن حملة لنيل حكـــم ذاتي جديـــد في كل من تركيا وإيران وضمــــان حقـــوق إضافية للأكراد· وفي هذا الإطار يتقاسم الحزبان الكرديــان في إيران وتركيـــا القيـــادة نفسها كما الوسائل اللوجستيــة، فضلا عن ولائهما المشترك لـ''عبدالله أوجلان''، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيــــا· وبرغــم أن معظـــم الأكـــراد هـــم من المسلمين السنـــة، إلا أن المقاتلين يرفضون الأصولية الإسلامية ويرجعـــون جذورهم الفكريـــة إلى ماضيهم الماركسي، ومازالوا إلى غاية اليوم يؤيدون ما يطلقون عليه ''الاشتراكية العلمية''، كما يدافعون عن حقوق المرأة· وبعد تصاعد وتيرة المناوشات العسكرية بين المقاتلين الأكراد والقوات الإيرانية شرع الجيش الإيراني في قصف القرى الحدودية في شهر أغسطس الماضي، متسبباً في فرار العديد من الأهالي وقتل ماشيتهم، وأدى ذلك أيضا إلى توجيه انتقادات عراقية إلى إيران بسبب الاستخدام المفرط للقوة واستهداف القرى العراقية· ويجيد المقاتلون الأكراد حرب العصابات التي تعتمد على تقنيات الكر والفر، كما ينشطون في المناطـــق المرتفعة عن سطح البحـــر في الجبــال والتـــلال التي يقل فيها مستوى الأكسجين، ويقومـــون بين الفينــة والأخرى بإرســـال فرق صغيرة إلى داخـــل إيران مسلحين ببنـــادق الكلاشنيكوف، والقذائف المحمولة على الكتف، فضلا عن الرشاشات الروسية· وعادة ما يهاجم المقاتلون عدداً محدوداً من الجنود على هامش مجموعة أكبر بهدف إعاقة عمليات عسكرية إيرانية لاستئصال المقاتلين من المناطق الحدودية· وفي أحد المواقع الكردية سمح المقاتلون باستجواب جندي إيراني تم أسره في عمليه نفذها عناصــر الحزب، قال إن اسمه ''أكبر طالبي'' وبأنـــه عنصـــر في الحرس الثوري الإيراني· واعترف الجندي الإيراني أن الهجــوم الذي تعرضـــت له مجموعتــه أسفر عن قتل 15 من رفاقه وجرح 17 آخرين· وفي هـــذا الإطار يقـــول ''جلال جليـــل زاده'' -كـــردي وعضــو سابـــق فــــي البرلمان الإيراني- إن المقاتلين الأكراد بدأوا يستهدفـــون عناصر الحرس الثوري الإيراني، ويغتالون المسؤولين الإيرانيين في المناطق القريبة من الحدود العراقية· غير أن استمرار الهجمات على القوات الإيرانيــة جعل حزب ''الاتحـــاد الوطني الكردستانــي'' الذي يسيطر على الجانب الشرقي لكردستان العراق فــي مـــأزق حقيقي إزاء إيـــران التي تعتبر الشريك الاقتصادي الأول للمنطقة الشرقيـــة· ويعتقد المسؤولون في الحزب الذي يتزعمه الرئيس العراقي ''جـــلال طالباني'' أنــــه من الأفضـــل للأكــراد تطبيـــع العلاقات مــع إيران وتركيـــا، لا سيما وأنهمــا يزودان كردستان العراق باحتياجاتها من الغاز الطبيعي والمواد الأساسية الأخرى· مراسل نيويورك تايمز في بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز