الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتفاضة البورمية والعقوبات الاقتصادية اليقظة

الانتفاضة البورمية والعقوبات الاقتصادية اليقظة
28 أكتوبر 2007 02:25
في عام 1988 خاض شعب بورما كفاحا سلميا من أجل الديمقراطية، فوُوجهوا بنيران الأسلحة، حينها كنت أعمل مع السيناتور ''بات موينيهان'' الذي يعد الشخصية الأميركية الوحيدة تقريبا التي التفتت وقتها إلى ما كان يجري في ذاك البلد المعزول· ذات يوم، وبعد أن مرر مجلس الشيوخ أول قرار في تاريخه بخصوص بورما، وصلت إلى مكتبنا صورة مجموعة من البورميين يمشون في مسيرة حاملين لافتة كتب عليها ''شكرا يا سيناتور موينيهام''· انتابنا في ذلك اليوم شعور بالفخر والحزن في آن واحد، ذلك لأننا كنا نعلم أن كلماتنا لا تستطيع أن تَحول دون مقتل أولئك الأشخاص الشجعان، ودون إخماد حركتهم· اليوم، واجه حكام بورما المستبدون من جديد المطالب المتعلقة بحقوق الإنسان، والصادرة هذه المرة عن رجال الدين البوذيين، بلغة الحديد والنار، ويعتقد بعضهم أن ''ربيعا'' آخر بورميا قد تم إخماده، وأنه لا يمكننا فعل الكثير لتقديم المساعدة· ولكنني لا أتفق مع هذا الرأي، ذلك أن الانتفاضة السلمية الأخيرة تعكس تغيرات جوهرية داخل بورما، والعالم بصفة عامة· والحقيقة أن تداعياتها لن يُشعــــر بهـــا إلا بعـــد حين، إلا أنه يمكن أن توجَّه برد دولي مناسب· ينبغي ألا يكون لدينا أي توهم بخصوص ما يحدث في بورما؛ فالجنود يلاحقون زعماء الحركة الاحتجاجية ويعذبونهم، ومعابد رجال الدين البوذيين المقدسة يتم احتلالها؛ فيما يتعرضون هم للضرب، والقتل في بعض الحالات؛ أما الصحف الحكومية، فتدعو إلى الوحدة في مواجهة ''دمى الكولونياليين الجدد'' و''القتلة عبر الأمواج الإذاعية'' -في إشارة إلى المحطات الإذاعية التي يلجأ إليها البورميون من أجـــل معرفــة الأخبار· غير أن للحكومة أيضا أسبابا كي تكون خائفة، ذلك أنها بمهاجمتها لدور العبادة، فإنها تسببت في مشكلة لا تستطيع حلها، فهذه الفضاءات المقدسة لا يمكن إغلاقها للأبد؛ وعندما سيعاد فتحها، فإن أعمال الاحتجاج ستظهر من جديد، وبفضل الإنترنت، فإن المعارضين البورميين اليوم مرتبطون مع بعضهم بعضا، ومع العالم أكثر من أي وقت مضى، وذلك مقابل العزلة المتزايدة للقيادة عن الشعب والواقع معا· وعلاوة على ذلك، لم يعد جيران بورما ضمن ''منظمة دول جنوب شرق آسيا'' يدعمون الجنرالات؛ حيث عبروا عن ''امتعاضهم'' من العنف· أما مجلس الأمن الدولي، فقد طالب بورما بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وأرسل مبعوثا قصد التوسط ورعاية الحل الوحيد الذي يبدو واقعيا، ألا وهو انتقال سياسي متفاوض بشأنه يحفظ فيه الجيش وضعـــه وماء وجهه· ولكن ما الذي يمكن أن يدفع جنرالات بورما إلى الإذعان؟ الواقع أن العقوبات -المفروضة من قبل بضعة بلدان فقط- لم تقنعهم من قبل· وفي هذا السياق، يقول المتشككون إنه في حال غادرت الشركات الغربية بورما، فإن الشركات الآسيوية ستتنافس على أخذ مكانها؛ وإنه في حال توقفت الولايات المتحدة وأوروبا عن شراء الأحجار الكريمة والخشب، فإن آخرين مستعدون لسد الفراغ الذي ستتركانه· والحال أن الجنرالات في وضع هش؛ فسواء اغتنوا من الغاز أو الأحجار الكريمة أو الخشب أو صفقات المخدرات، فإن العائد عادة ما يكون بالعملة الصعبة ويوضع في حسابات من دون أن يمر من النظام البنكي الأميركي أو الأوروبي حيث يمكن تجميده، وذلك مثلما أعلن الرئيس بوش يوم الجمعة أنه سيحاول أن يفعل، غير أن أميركا وأوروبا تستطيعان إقناع، أو إرغام، البنوك التي تودع فيها تلك الأموال على تجميد حسابات العسكر الحاكمين في بورما· قد يقلل بعض الدبلوماسيين وخبراء السياسات الخارجية أحيانا من شأن العقوبات لأنهم -ومثل معظمنا- لا يفهمون عالم النظام المالي العالمي الذي لا تفهمه إلى أقلية قليلة؛ والحال أن العقوبات المالية قد تطورت كثيرا؛ فقد كان لعقود من القيود التجارية العامة ضد كوريا الشمالية، مثلا، تأثير قليل؛ غير أنه عندما جعلت الولايات المتحدة أحد البنوك الخارجية يجمد حساب أحد زعماء كوريا الشمالية، فإن ''جيم جونغ إيل'' جاء إلى طاولة المفاوضات على عجل· يقترح بعضهم أن يكون البديل هو إغراق بورما بالمساعدات قصد رفع مستوى المعيشة، والحال أن حكام بورما لا يشبهون الحكام السابقين في كوريا الجنوبية حيث ساهم الرخاء المتزايد في الانفتاح السياسي؛ فقد أهملوا مدارس البلاد والنظام الطبي عن قصد، كما أسقطوا المبادرة الخاصة لينشئوا نظاما فعالا بالنسبة لهم، لا أحد يستطيع الازدهار فيه من دون إذنهم· والحقيقة أن المساعدات الخارجية قد تساعد بعض البورميين على الصمود؛ ولكن القول بأنها تستطيع أن تجلب لهم الرخاء (أو تشجع على التغير السياسي)، فذالك تفكير ساذج· بيد أن العقوبات الذكية تنطوي على مشكلة واحدة؛ ذلك أن السياسة الوحيــدة التي يمكن أن تنجــح في حالـــة بورما تتطلب انتباها دائما لم ترغب أي إدارة أميركية حتى الآن في توفيره؛ إذ يتعين على المسؤولين في واشنطن أن يعملوا سبعة أيام في الأسبوع لتعقب ومراقبة الأموال البورمية حول العالم، والعمل في الوقت نفسه على إدارة دبلوماسية معقدة ومتعددة الأطراف· إن العقبة الرئيسية أمام سياسة ناجحة بخصوص بورما تكمن في الاعتقاد بأنه لا حول لنا اليوم ولا القوة، مثلما كان الحال قبل عشرين عاما· لنترك الجنرالات المختبئين بقلاعهم في الغابات يعتقدون بأن لا شيء قد تغير في العالم؛ ولنثبت لهم أنهم مخطئون· مدير قسم الدفاع عن القضايا بمنظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©