السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التجمع ·· رواية الذاكرة الملتبسة

التجمع ·· رواية الذاكرة الملتبسة
28 أكتوبر 2007 02:27
على الرغم من أن الكاتبة الإيرلندية ''آن إنرايت'' كانت من بين الكتّاب الستة الذين استخلصتهم لجنة جائزة الـ ''مان بوكر'' البريطانية The Man Booker Prize ، في قائمة التصفية الأخيرة فإن فوزها بالجائزة لهذا العام ،2007 عن روايتها ''التجمّع''، جاء مفاجأة للكثيرين وأولهم هي نفسها، إذ أنّ قائمة التنافس ضمّت كاتبين كان يعتقد أنهما سيكونان أوفر حظاً، وهما الكاتب الشهير، والفائز بالبوكر سابقاً ''إيان ماكيوان'' عن روايته الصغيرة (على شاطئ شيزيل)، والكاتب النيوزيلاندي ''لويد جونز'' عن روايته (السيد بيب)، التي راهن عليها كثيرون حتى الساعات الأخيرة· وفوز إنرايت يعني أنها الإيرلندية الثانية التي تحصل على الجائزة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ كان مواطنها ''جون بانفيل'' قد فاز بها قبل عامين عن روايته (البحر)· مقطع من الرواية فيما يلي مقطعٌ مترجمٌ من الرواية الفائزة: '' في بعض الأيام لا أتذكّر أمّي· أنظر إلى صورها فتفلت منّي، أو أراها يوم أحدٍ، بعد الغداء، ونقضي أمسية لطيفة، وعندما أغادر أكتشف أنها سالت منّي كالماء· تتلاشى وهي تقول لي ''وداعاً''· ''وداعاً، يا ابنتي العزيزة''، ثم تدني وجهها العجوز المريح من أجل قبلة· إنّ مثل هذا الأمر مازال يثير غضبي· إذ ما أن ألتفت حتى يبدو أنها اختفت وعندما أمعن النظر لا أرى سوى الحواشي· يخيّل إليّ أنني سأخطؤها إذا ما مررت بها في الشارع وقد ابتاعت معطفاً بلون آخر· إذا ارتكبت أمي جريمة، فليس ثمة شهود - هي نفسها كثيرة النسيان· '' أين وضعت محفظتي''، هكذا اعتادت التساؤل حين كنا أطفالاً - أو قد تتساءل عن مفاتيحها أو نظارتها· ''هل رأى أحدكم محفظتي؟''، وفي تلك الثواني القليلة تصبح حاضرة نوعاً ما، وهي تجوب المكان، متنقلة من الصالة إلى غرفة الجلوس إلى المطبخ ثم تعود من جديد· حتى في ذلك الوقت لم نكن ننظر إليها بل للأماكن الأخرى· كان هياجها يتبعنا مثل نوعٍ من الشعور بالذنب الجماعي، ونحن نبحث في الحجرة، ونعلم أنّ أعيننا سوف تخطئ المحفظة البنّية المنفوخة، حتى لو كانت أمامنا بشكل واضح· ثم ستعثر عليها ''بي''· دائماً هناك طفل واحد، لا يرى فحسب، بل يبصر أيضاً· الطفل الهادئ· ''شكراً يا عزيزتي''· لكي أكون منصفة فإن أمي شخصية شديدة الإبهام بحيث من المحتمل ألاّ ترى نفسها· إنها من الممكن أن تقتفي بطرف إصبعها سطراً من الفتيات في صورة فوتوغرافية قديمة دون أن تنجح في التعرف على نفسها بينهن· ومن بين جميع أبنائها، فإنني أكثر ما أكون شبهاً بوالدتها، التي هي جدتي ''آيدا''· لابدّ أنه أمرٌ مربك· '' أوه· أهلاً'' قالت هذا وهي تفتح لي باب ردهة الدخول، في ذلك اليوم الذي سمعتُ فيه عن ''ليام''· '' أهلاً يا عزيزتي''، يمكنها أن تقول جملة الترحيب ذاتها حتّى للقطّة· ''ادخلي· ادخلي''، بينما هي تقف عند عتبة الباب دون أن تتحرك لتسمح لي بالدخول· بالطبع هي تعرف من أنا، لكنّ اسمي هو ما سقط من ذهنها· تنتقل عيناها من جهة إلى أخرى، وهي تسقط اسماً وراء الآخر من قائمة الأسماء التي في ذاكرتها· ''مرحباً أمي'' قلت لها، فقط من باب التلميح، ثم تجاوزتها وأنا أدخل الصالة· البيت يعرفني· وكعادته فهو أصغر مما يجب وقد ضاقت جدرانه وبدت أكثر تعقيداً مما هي عليه في الذاكرة· المكان كان ضيقاً على الدوام· ومن خلفي فتحت أمي باب غرفة الجلوس· ''هل تشربين شيئاً؟ كوب شاي ؟'' لكنني لم أكن راغبة في الدخول إلى غرفة الجلوس· لست ضيفة، فهذا بيتي أيضاً· كنت بداخله عندما بدأ يكبر، وعندما اتسعت غرفة الطعام لتأخذ جزءاً من المطبخ، بينما ابتلع المطبخ خلفية الحديقة· إنه المكان الذي مازالت أحلامي تتحقق فيه· لا يعني هذا أنني سأعاود العيش هنا من جديد، فالبيت أصبح امتدادات متشعبة وليس بيتاً· حتى الحجيرة الصغيرة التي تجاور المطبخ صار لها باب آخر في الخلف وأصبح عليك أن تجاهد، شاقاً طريقك بين المعاطف ومكانس التنظيف، للوصول إلى الحمام في الطابق السفلي· لا يمكن بيع هذا البيت، أقول لنفسي أحياناً، إلاّ كموقع· عليه أن يسوّى بالأرض ثم يعاد بناؤه من جديد· مازال المطبخ يفوح بنفس الرائحة - التي سفعتني حتى العظم - وهو معتم جداً، ومقزز، تحت الطلاء الأصفر الجديد· الدولاب ممتلئ بالملاءات القديمة، وثمة غبار وعطونة تنبعث من الغطاء الذي يغلّف اسطوانة التدفئة، والأريكة التي اعتاد أبي الجلوس عليها، بدت لها لمعة وبرودة بفعل استهلاك السنوات المتعاقبة· لقد ولّد المشهد عندي رغبة في التقيؤ، ثم أصبحت لا أشمّ شيئاً· إنها رائحة فحسب· إنها رائحتنا· مشيت إلى المنضدة التي في أقصى المكان، وتناولت الغلاّية، وبينما كنت أملؤها علقت ثنية كمّ معطفي بصنبور الماء المنهدر فامتلأ كمّي بالماء· نفضت يدي ثم ذراعي كله، وعندما امتلأت الغلاية وبدأت الغليان نزعت معطفي، قالبة الكم المبلل إلى الخارج وصافقة أياه بالهواء· أمي كانت تتأمل هذا المشهد الغريب كما لو أنه يذكّرها بشيء ما، ثم اتّجهت إلى الأمام حيث وُضعت مجموعة من أقراص دوائها في صحن على المنضدة القريبة· تناولتها، واحد تلو الآخر، برخاوة لسان شرد وعي صاحبه· ترفع ذقنها وتبتلع الأقراص بجفاف، بينما أدعك أنا كمّي المبلول بيدي، ثم تتخلل يدي الرطبة خصلات شعري· وفي النهاية، وضعتْ كبسولة خضراء في فمها ثم سكنت، فيما واصلت حنجرتها البلع· نظرتْ إلى خارج النافذة لوهلة، ثم التفتت إليّ بكسل· ''كيف أنت يا عزيزتي؟ فيرونيكا!'' وددت لو أصرخ فيها قائلة ''لقد أسميتني فيرونيكا!'' فقط لو أنها تصبح مرئية، هكذا كنت أفكّر· عندها يمكنني أن أمسك بها، وأنقل لها حقيقة الوضع، وثقل ما قد فعلته· لكنها بقيت ضبابيّة، وعصيّة على اللمس، ومحبوبة جداً· جئت لأقول لها أنه تمّ العثور على ''ليام''· ''هل أنت على مايرام؟'' ''آه، يا أمّي'' آخر مرّة بكيت في هذا المطبخ كنت في السابعة عشرة من عمري، كبيرة على البكاء، مع أن ذلك لا يصدق في عائلتنا، حيث يبدو كل منا كما لو أنه في أي عمر في الوقت ذاته· أجريت ساعدي المبلول على امتداد طاولة خشب الصنوبر الصفراء بسطحها الخشن البلاستيكي· أدرت وجهي ناحيتها وأعددته ليقول شعائره المعتادة ( كان فيه شيء من المرح أيضاً، لاحظت ذلك) لكن، قالت ''فيرونيكا!''، على حين غفلة وتحركت بشيء من الاندفاع ناحية الغلاّية· وضعت يدها على المقبض فيما تطبّقت الفقاعات قرب الفوهة المعدنية، وحملت الغلاّية وهي مازالت موصولة بالكهرباء، ثم سكبت قليلاً من الماء في الإبريق· إنه لم يكن يحبها حتى· هناك شقّ في الجدار، أعلى الباب، في المكان الذي قذف ''ليام'' فيه سكيناً ناحية أمنّا، وقد ضحك الجميع ثم صاحوا به· إنه هناك، بين باقي الانبعاجات والعلامات المجهولة على الجدار· تلك الندبة التي صنعها ''ليام'' بعد أن أحنت أمي رأسها سريعاً، قبل أن يبدأ الجميع في القهقهة· ماذا كان يجب عليها أن تقول له؟ أيّ احتمال من احتمالات الغضب كان يمكن أن تجابهه به - هذه المرأة اللطيفة ؟''· عن حياتها ولدت آن إنرايت عام 1962 في دبلن بإيرلندا، ودرست في كل من دبلن، وكندا، وجامعة إيست أنغيليا، وهي تكتب القصّة والرواية والمقالة الأدبية، وقد نشرت لها مجموعة قصصية وأربع روايات من بينها الرواية الفائزة؛ وهي متزوجة من الممثل والمخرج مارتن مورفي، ولها طفلة في السابعة وطفل في الرابعة· ورواية ''التجمّع'' The Gatherin ترويها البطلة فيرونيكا، ذات الذاكرة المُلتبسة واللغة التصويرية العالية، بعد رحيل شقيقها ''ليام''، الذي انتحر بإغراق نفسه في البحر، مستدرجة فيها سلسلة من الأحداث والأشخاص والأزمنة في حياة أسرة إيرلندية مفكّكة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©