الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أوهام المديرين الجدد وخرافة السلطة المطلقة

أوهام المديرين الجدد وخرافة السلطة المطلقة
29 أكتوبر 2007 01:44
يبدأ أول اختبارات القيادة حينما يتولى أحدهم منصب (المدير)، فمعظم المديرين يخفقون في الامتحان الأول بسبب تعلقهم بمجموعة خاطئة عن القيادة والسلطة· يعترف القادة الموهوبون أن القيادة مهمة شاقة، ورغم أنها رحلة تعلم ونمو وازدهار، إلا أنها لا تخلو من المخاطر والتحديات· ولمزيد من الإيضاح نقول إن الصراعات سالفة الذكر ليست سوى أمور معتادة لكل من تبوأ مناصب رفيعة، وهي ليست استثناء، فالمديرون الجدد لا يواجهون الصعوبات لعدم كفاءتهم أو لسوء أداء المنظمات، بل لأنهم مثل غيرهم من البشر يواجهون مشكلات التوافق العادية، ويمرون بالفترات الانتقالية بين الصعود للمنصب الجديد ومحاولة الاحتفاظ به· وتعتبر الفترة الانتقالية بمثابة النار التي تصقل المعادن، ويشبه النجاح في تجاوزها الخروج من سعير الاختبارات بخبرات جديدة وتجارب مفيدة· وتتمثل أولى الصعوبات التي يوجهها المديرون في تحديد أدوارهم، إذ يكتشفون أنها أكثر تعقيداً وإلحاحاً مما كانوا يتوقعون، فيفاجأ المدير الجديد بأن مهارات الإدارة تختلف تماماً عن مهارات الوظيفة العادية، وأن هناك هوة سحيقة بين هذه وتلك· فقد سبق وارتبط نجاح المديرين كموظفين بالخبرات الشخصية والإنجازات الفردية، أما الآن وبعد ان ارتقوا في المنصب صار عليهم أن يتولوا مسؤولية وضع تنفيذ خطة عمل فريق بأسره وهو أمر لم يسبق أن استعدوا له غير أنهم يتألفون مع طبيعة عملهم تدريجياً، فينحون جانباً منهج التفكير والعادات السابقة، لتبرز هويتهم المهنية الجديدة، متبنين في ذلك فكراً ومعايير مختلفة لقياس معدل الرضا في بيئة العمل· أوهام المديرين الجدد ترتبط بقضية المدير الجديد مجموعة من الخرافات والتحديات تتمثل في خرافة السلطة المطلقة، وخرافة السيطرة على المرؤوسين، وخرافة الخوف من تنمية العلاقات الشخصية مع الموظفين، وخرافة الهرم الإداري· فحين تسأل مديراً جديداً عن طبيعة دوره ووصفه الوظيفي، تجده يسهب في الحديث عن حقوقه وامتيازاته، متجاهلاً مهامه وواجباته، لكنه سرعان ما يفيق على الواقع المرير ليجد القيود والالتزامات أكثر مما كان يتصور أو يمكن أن يتحمل عندما كان موظفاً ناجحاً· ويعتمد كثير من المديرين الجدد على سلطاتهم الرسمية ومن ثم تجدهم يلقون بالأوامر والتعليمات على مرؤوسهم، وهذا أسلوب عقيم، وحتى إن نجح فسيكون نجاحه مزيفاً ومريراً· فلا تعني طاعة الموظف لمديره الالتزام المطلق، كما أن كثيراً من غير الملتزمين بتنفيذ الأوامر مبدعون، يمكن أن نفوض الكثير من المهام لهم· ويتوجس كثير من المديرين الجدد من إقامة علاقات مودة بينهم وبين مرؤوسيهم، مع أنه ثبتت جدوى الصداقات في العمل لدعم روح الفريق، وتمكين أعضائه لحثهم على العمل والإنجاز· كما يعتقد معظم المديرين الجدد أن مركزهم لا يؤهلهم سوى للجلوس على القمة وتوصيل تعليمات الإدارة العليا لمرؤوسيهم، فلا يرون أنفسهم وفرقهم محركين للتغيير، قدر ما يعتقدون أنهم أدوات تحركها المؤسسة· ومن هنا ينحصر تفكيرهم في كيفية الاحتفاظ بمراكزهم فحسب، متخيلين أن مهمة المدير تنحصر في إصدار الأوامر والتعليمات، متجاهلين مبدأ الإرشاد والتفاعل الإيجابي، مما يلغي المرونة ويشيع الركود في المؤسسة، يلي ذلك أن يشرع هؤلاء المديرون في إلقاء اللائمة على أنظمة المؤسسة والإدارة العليا وعلى فرقهم، منتظرين من كل هؤلاء إيجاد حلول جذرية لمشكلاتهم· وتمثل هذه الحلقة المفرغة سوء فهم جسيم لدور المدير، فمن المفترض ان المدير هو صانع التغيير ومهندسه، وهو المسؤول الأول عن ضمان نجاح فريقه في تبني هذا التغيير وإحداثه بالإقناع والإرشاد والتوجيه البناء· وتتمثل أكثر الخرافات خطورة في القول بأن المدير لا يحتاج عوناً من أحد، حيث يؤدي التمسك بهذه الخرافة إلى وقوع المدير الجديد في كثير من المواقف الحرجة، إذ يتوهم أن المدير يسأل ولا يسأل· وهذا خطأ فادح لأن من لا يسأل لا يتعلم، ويخطئ من يعتقد أن عدم الدراية بأمر من الأمور تقلل ممن شأنه او تجعله غير جدير بالترقية· وكذلك القول بأن المدير إنسان قوي لا يعتريه نقص، فهذا خطأ· ولا جناح على أي مدير جديد أن يناقش مشكلاته المهنية مع أقرانه طالباً النصيحة، لأننا جميعا بشر ينقصنا الكثير، ولن يستخدم أحد عدم معرفته بأمر ما ضده· ولا ضرر في أن تطلب من رئيسك المباشر الدعم والتوجيه، فلمثل هذا التفاعل أثر بالغ في تقوية مركزك وإمدادك بالمعلومات والخبرات اللازمة لنموك مهنياً وإنسانياً على حد سواء· ومن المرشدين والموجهين من يبدو لحوحاً في طلب إنجاز المهام والظهور بمظهر غير المكترث ومراقبة المدير المبتدئ عن بعد، حتى يجتاز الفترة الانتقالية بنجاح· وعن هؤلاء المرشدين المحايدين· يقول أحد المديرين: ''يتمتع رئيسي المباشر بسمعة طيبة جدا، وقد أطلقنا عليه لقب ''مروض المديرين'' لأنه يكثر من تكليفهم بالمهام دون أن يمد يد العون لهم، لكنه لا يترك فريقه للإدارة العليا لتحبطه وتفككه وتقضي عليه في نهاية الأمر، وتتمثل حنكته وذكائه في إعادة طرح سؤالك عليه، محاولا شحذ موهبة الابتكار وحل المشكلات لديك، وبعد أن تستجمع الأفكار وتأتي بالاقتراحات يجلس معك ويستمع اليك ويعطيك كل وقته''· نستنتج من النقاط التي تطرقنا لها أن الادارة للمرة الأولى أمر صعب، والارتقاء من رتبة مدير لرتبة قائد أصعب· فليس كرسي المدير كرسيا للعرش· بل هو كرسي كبير ليتحمل المشقات ومواجهة التحديات، ومن ثم تعتبر مساعدة أي مدير جديد على تخطي الفترة الأولى، وهي الفترة العصبية، بمثابة أمر حيوي لنجاحه ونجاح أي مؤسسة بأكملها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©