الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ذكرى أمير الشعراء شوقي

ذكرى أمير الشعراء شوقي
30 أكتوبر 2007 23:12
نحتفل هذا العام بمرور خمسة وسبعين عاماً على وفاة الشاعر العظيم أمير الشعراء أحمد شوقي· وترجع معرفتي بشعر شوقي إلى أكثر من أربعين عاماً، حين كنت طالباً في السنة الأخيرة لدراستي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب- جامعة القاهرة· وكان شعر شوقي مقرراً علينا ضمن جماعة شعراء الإحياء التي بدأت بمحمود سامي البارودي، ربّ السيف والقلم، ووصلت إلى ذروتها مع شعر أحمد شوقي الذي جاوره شعراء أمثال: إسماعيل صبري وحافظ إبراهيم وخليل مطران وغيرهم· وكنا في تلك الأيام نقرأ كتاب ''شوقي: شاعر العصر الحديث'' الذي كتبه أستاذنا الدكتور شوقي ضيف، عليه رحمة الله، ولقد قرأت الكتاب أكثر من مرة ضمن الكتب التي قرأتها عن شعراء الإحياء· وتصادف أن كانت المذيعة التليفزيونية اللامعة في ذلك الوقت، ليلى رستم، تقدم برنامجاً يتعرض لأهم الكتب التي كانت تصدرها دور النشر المختلفة، وأظن أن اسم البرنامج كان ''عشرين سؤالاً'' إن لم تخني الذاكرة، واختارني أستاذي شوقي ضيف لأكون واحداً من المتسابقين في البرنامج الذي كان عبارة عن أسئلة تلقيها ليلى رستم على المشاركين، وتختار لجنة تحكيم يتوسطها شوقي ضيف أفضل الذين أجابوا عن الأسئلة· وكانت تلك هي المرة الأولى التي أذهب فيها إلى مبنى التليفزيون، وأظهر في أحد برامجه· وبدأ البرنامج بالأسئلة التي أجبت على ما يخصني منها بقلب واجف لشاب لم يكن أكمل العشرين من عمره، يظهر على شاشة التليفزيون للمرة الأولى في حياته، ولا أذكر الأسئلة التي وجهتها ليلى رستم إليَّ، ولا الأجوبة التي أجبت بها· كل ما أذكره هو الرجفة الداخلية التي انتابتني وشعور الارتباك الذي لم يفارقني، ناهيك عن قطرات العرق التي تساقطت على وجنتي دون أن أستطيع لها إيقافاً· ويعلم الله أنني لو تركت لشأني لفررت من أمام الكاميرات التي حاصرتنا، وتسلّطت عدستها على وجوهنا· ومرّت الدقائق ثقيلة بطيئة إلى أن انتهى وقت الأسئلة والأجوبة، وجاء وقت الحكم الذي كان على هيئة التحكيم أن تصدره، والذي انتظرناه، نحن المتسابقين، كأننا ننتظر القول الفصل الذي يحدد مصائرنا· واستمعت إلى اسمي بين الفائزين الثلاثة· ولا أذكر ترتيبي بين الثلاثة، وهل كان الأول أو الثاني أو حتى الأخير· كل ما أذكره ابتسامة ليلى رستم الأرستقراطية، وهي تمد إليَّ يدها للتحية وتسليمي هدية تذكارية لم أعد أذكرها· المهم أن تسجيل البرنامج انتهى، وأطفئت أضواء الكشافات الفظيعة· وما أسرع ما تسللت إلى الخارج، وسرت على شاطئ النيل الذي يواجه مبنى التليفزيون المصري الذي لا يزال في المكان نفسه في ماسبيرو، ومضيت بجوار النيل عائدا إلى حيث أقطن في الجيزة، ولم يتخل عني توتري إلا بعد مسافة ليست قصيرة من طريق العودة· وعدت إلى المنزل، سيراً على الأقدام، وسارعت إلى كتاب ''شوقي: شاعر العصر الحديث''، وأعاود تصفحه كما لو كنت أريد أن أستعيد كل كلمة تذكرتها من هذا الكتاب الذي لا يزال، رغم مضي الأعوام الكثيرة على طبعته الأولى التي قرأتها، من أهم الكتب التي قرأتها عن أحمد شوقي· وكان الكتاب هو البداية التي قادتني إلي مطالعة ''الشوقيات'' كاملة بأجزائها الأربعة التي كانت تبيعها المكتبة التجارية بثمن لا يجاوز أربعين قرشاً· وبالطبع، كان لابد أن تقودني ''الشوقيات'' إلى مسرحيات شوقي، وأبدأ بمسرحية ''مجنون ليلي'' التي أغراني بها المشهد الذي اختاره محمد عبدالوهاب ليؤديه في الإذاعة المصرية، والذي حفظته عن ظهر قلب، ابتداء من مفتتح المشهد الذي يبدأ بقصيدة: ''سجي الليل''، ويمضي مع الحوار بين قيس ووالد ليلى والخادمة عفراء، وينتهي المشهد بذهول قيس الذي أحرقته النار التي جاء طالباً لها، وما شعر، ولا أزال أذكر تهدج صوت عبدالوهاب وهو يقول لليلاه التي روعها احتراق يده بالنار: أنت أججت في الحشى لاهب الشوق فاستعر، أو تخشين جمرة تحرق الجلد والشعر· وترتفع الموسيقى التي حفظت نغماتها طويلاً، وظللت أرددها لسنوات عديدة، ولا أزال أذكرها إلى اليوم، مع بقية القصائد التي تغنى بها محمد عبدالوهاب، ومنها قصيدة ''جبل التوباد'' التي لا يزال يشجيني سماعها، ويعيدني إلى ذلك الزمن البعيد الذي كانت معرفة شوقي سبباً في نيل أول جائزة نلتها في حياتي، ولا تزال ذكراها في خلدي، ولا أزال أذكر أن ''مجنون ليلي'' ظلت أقرب مسرحيات شوقي إلى نفسي، رغم أنها دفعتني إلى قراءة مسرحياته الشعرية الأخرى بل مسرحيته النثرية الوحيدة : ''أميرة الأندلس ''· ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكتب صلاح عبد الصبور مسرحية شعرية بعنوان ''ليلي والمجنون''، وهي معارضة عصرية لمسرحية أحمد شوقي التي كانت تدور أحداثها في البادية في مطلع الزمن الأموي، بينما تدور مسرحية شوقي في القاهرة الحديثة التي صارت أكثر تعقيداً· وكان صلاح بهذه المعارضة المسرحية يكمل الطريق الذي بدأه في قصيدته ''الحب في هذا الزمان'' التي يضمِّن أسطرها بيت شوقي الشهير عن مراتب الحب المتدرجة المنتظمة: نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد فلقاء، مقابل الحب العاصف لزماننا الذي يعرف اللقاء قبل البسمة، ولا يدوم اللقاء كثيراً، فالحب بالفطانة اختنق في هذا الزمان الذي يموج بالتخليط والقمامة، كأنه كون خلا من الوسامة، وأصبح مندفعاً كالإعصار· ولم يعد يعرف مراحل الحب البطيئة المتدرجة لعصر شوقي الذي لم يعرف عصره الحب بالفاكس أو الحب عن طريق الإنترنت· وكلها أشكال تجعل الحب الذي تحدث عنه شوقي أقرب إلى الذكرى البعيدة التي لا وجود لها في القرية الكونية التي نعيش فيها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©