الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقة المفقودة

1 نوفمبر 2007 00:15
تراجعت موجة التفاؤل العالية التي سبقت انعقاد مؤتمر ''سرت'' الليبية الذي نظم له ورعاه الزعيم الليبي معمر القذافي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، بأمل أن يقدم المؤتمر الكبير الحل النهائي ويضع الأساس للمصالحة المطلوبة بين الحكومة السودانية والفصائل الدارفورية المقاتلة من جانب، ومن جانب آخر -وذلك أمر مهم للغاية- بين الفصائل الدارفورية نفسها، التي تشطرت وتقسمت وصار القتال بينها يهدد سلامة وأمن المواطنين المدنيين في دارفور، بأكثر مما تهدده غارات القوات الحكومية عليهم، لقد لاحت ملامح فشل الجولة الأولى حتى قبيل بدء المؤتمر جلساته، ولم يكن في الأمر غرابة ولا مفاجأة للمراقبين والمتابعين لخطوات الإعداد للمؤتمر الذي أرادوا له أن يكون مؤتمراً جامعاً يحظى بالرعاية والمظلة الدولية· فمثل هذه المؤتمرات تعقد عادة لإقرار اتفاقات توافقت عليها الأطراف خلال عملية حوار واجتماعات، ومحاولات مرهقة هدفها الاتفاق على ما هو مطلوب ليأتي المؤتمر الجامع لإقراره أمام عدسات المصورين· ومؤتمر سرت ظهر كـ''فكرة'' أول ما بدأت الدعوة له، والتي صدرت عقب أول لقاء للأمين العام للأمم المتحدة الجديد بالعقيد القذافي، حيث صرح بعدها أنه طلب مساعدة الزعيم الليبي في حل العقدة الدارفورية لما يتمتع به من مكانة لدى كل الأطراف المتعاركة! إن فشل الجولة الأولى والذي أعلنه الزعيم الليبي بنفسه في بداية افتتاح مؤتمر ''سرت''، لا يعود فقط لغياب حركتي جيش تحرير السودان والعدل والمساواة المعتقد أنهما القوة الرئيسية الفاعلة على أرض الواقع في ''دارفور''، فحتى الحركات المسلحة الأخرى التي تشطرت منهما والتي شاركت بالحضور في ''سرت'' الليبية لم يخف ممثلوها أنهم إنما جاءوا إلى المؤتمر حتى لا يحسب عليهم أنهم قد عرقلوا دعوة ''المجتمع الدولي الذي وقف إلى جانبنا وساعدنا في قضيتنا، لكن الثقة في حكومة السودان وصدق نواياها معدومة''، كما صرحوا في مؤتمراتهم الصحفية -وهم في هذا الموقف يتفقون مع زملائهم الغائبين عن المؤتمر- أن القضية إذن هي قضية فقدان وانعدام الثقة بينها وبين ''حكومات الخرطوم''· قضية الثقة المفقودة هذه هي جوهر ولبّ المشكلة، التي من دون معالجتها علاجاً جذرياً، سيظل السودان غارقاً في أوحال الحروب الأهلية والتمرد المجنون· وبالنسبة لحركات دارفور المقاتلة فإن قضية الثقة تكتسب بعداً أكبر، لأن معظم قادة الحركات المتمردة الفاعلة قد خرجوا من رحم الجبهة القومية الإسلامية التي يقاتلونها اليوم، وعندما تعلن الحكومة أنها قد قررت وقف إطلاق النار من جانب واحد فإن الرد يأتي سريعاً ''إننا لا نثق في وعود الحكومة لأننا نعرف عن تجربة، أن هذا النظام لا يفي بوعوده ولن يفي بها''· وعندما تتشدد حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في مطالبهما وتصران على تحقيق ''كل شروطهما'' وبضمانة من الأمم المتحدة، وذلك قبل الجلوس إلى مائدة التفاوض فإن هذا الموقف المتشدد لا يصدر عن منهج سياسي وتحليل موضوعي بقدر ما يصدر عن ''حالة نفسية'' ناتجة عن معاناة شخصية مباشرة عايش أصحابها وباشروا بالممارسة معنى النكوص عن الوعود كما مارسها نظام الإنقاذ معهم· فيما مضى وحتى وقت قريب كانت مسألة فقدان الثقة في ''الوعود الشمالية'' هي العقدة التي تحكمت في أفكار وسلوك كثير من الساسة الجنوبيين والأحزاب السياسية الجنوبية سابقة الوجود تاريخياً على الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ وقد احتاج الأمر عقوداً من الزمن والعمل الدؤوب المشترك بين القوى السياسية الديمقراطية في الشمال ورصفائهم في الجنوب لترميم بعض جسور الثقة، وكانت قمة وعنوان هذا التطور المهم في تاريخ الحركة الوطنية السودانية تتبدى في منظومة التجمع الوطني الديمقراطي والميثاق ومقررات مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا، ولم يكن الأمر يخلو من معاناة وشكوك متبادلة تطفو أحياناً على السطح، وكان الدافع الذي جنب الناس الانزلاق إلى هوة انعدام الثقة وما تقود إليه من آثار مدمرة على الكيان الوطني بأكمله، هو الاتفاق الوطني العام على القضية الجوهرية (قضية الهوية السودانية والمواطنة المتساوية الحقوق والواجبات وقضية الديمقراطية وما تؤسسه من مبادئ العدل والمساواة للجميع)، والأزمة الراهنة في مجملها وليس أزمة دارفور ونظام الحكم القائم فحسب، بل هي أزمة مستقبل السودان ستجد مفتاح حلها وجوهر عقدتها في قضية بناء الثقة بين كل الأطراف المكونة للسودان، الثقة في أن المشروع الوطني الديمقراطي سيحقق لكل الأطراف طموحاتها ويعيد لها حقوقها ويمكنها من بناء السودان الجديد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©