الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إحداثيات» العام الثقافية

1 يناير 2012
جلس المثقف العربي في العربة الأخيرة من قطار عام 2011، فهو اشترى “تذكرته” في ربع الساعة الأخير، والتحق بمن سبقوه، فقد تجاوزه رجل الشارع، الذي كان إلى وقت قريب موضع تقريع الكتّاب والمبدعين، وهدف تفريغ غيظهم، بسبب تلك البرك الراكدة أو الآسنة، التي لم يستطيعوا أن يحركوا فيها قطرة ماء، فأصابتهم بجمودها وكسلها. توسّع ذلك البرزخ الفاصل بين المثقف والناس، ما خلا استثناءات قليلة، وبدا في لحظة ما، إن كل شاعر عربي يغني في طاحونه، وكل ناثر ينثر خيبته على غيبيات غيّبت نصوصه، وجلعت منها هباء منثورا. بدا كل فنان، مسرحي أو سينمائي أو تشكيلي، يقدم نتاجه في الوقت الضائع.. اكتظ قطار 2011 بجموع الغاضبين والمتشوقين إلى الحرية، والساعين في مناكبها. وبقي المثقف على الرصيف منتظرا دوره، واحد من كثيرين. يشبههم أو يحاول التشبه بهم. وحينما حاول استعادة دوره عصته القصيدة، وتمرد عليه النص، وجاءت لوحته فجة.. إنها نكبة جموع غفيرة من المثقفين العرب، الذي غنوا للحرية حينما كانت حلما عصيا، وعندما نزلت معهم ومع غيرهم إلى الشارع، بدوا مكبّلين إزاءها.. فسرق منهم رجل الشارع النجومية، ليصبح شخصية العام بلا منازع على أغلفة مجلات عالمية. مرّت عقود خمسة، على هزيمة 1967، التي علّق المفكرون والكتّاب على مشجبها كل الشرور التي ألمت بالجسد العربي، وبهّتت نتاجهم، وجعلتهم أسرى الخيبات المتكررة.. وخلال تلك العقود، سطعت علامات من هنا وهناك، ما يؤكد أن الخيبة افتراضية، والتدهور مفتعل، لكن الهزيمة ظلت أيقونة المحبطين.. فلماذا لا يكون حراك الشارع الذي جرى في الميادين والساحات، خلال العام 2011 ملهما لمن يريد الخروج من ربقة الأسر؟ هذا السؤال سيظل ماثلا أمام الساحة الثقافية العربية، لكي تجيب عنه بما يليق. لقد انشغلت الحركة الثقافية، طيلة عقود الركود، بالمهرجانات على حساب الإبداع، وبالجوائز على حساب الرؤى الجديدة، وبالعلاقات العامة على حساب التأصيل المعرفي.. وهي الآن تمتلك فرصتها الذهبية، لكي تعود إلى موقع الصدارة، تؤثر وتتأثر، تفعل وتنفعل، ما يدفع بها من الهامش إلى المتن. لقد داعبت مسألة العالمية خيال المثقفين العرب طويلا، بدت في لحظة معينة وكأنها البديل لاستعصاءات الواقع المحلي. ظنّ كثيرون أن سلوك الطريق إلى حيث تلمع الأسماء، يكون بمخاتلة تصورات الغرب و«اختراع» ما يتواءم مع مخياله الشرقي.. اليوم تبدلت الصورة. يمور الواقع العربي، الصافي بمحليته، بحراك كفيل بانتاج أسماء جديدة تأخذ مواقعها مع، أو وراء تشيخوف وهمنجواي ومحفوظ ودرويش.. فهل تبقى حجة للذرائعيين؟ يطفئ العام 2011 آخر أيامه بغير ما بدأ به. لقد طوى في رزنامته متغيرات، كانت تبدو خيالا أقرب إلى المحال. تغيرت صور، وخرائط، وشبكة علاقات وقوى. تغيرت إحداثيات السياسة والمجتمع، أو معطيات الأرض، كما يقول الاستراتيجيون.. بقيت إحداثيات العقل العربي، فهل يتقدم المثقفون لتغييرها؟ عادل علي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©