الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سطيف الجزائرية·· مدينة تعيش على بَرَكات العين الفوّارة و سيدي الخيِّر

سطيف الجزائرية·· مدينة تعيش على بَرَكات العين الفوّارة و سيدي الخيِّر
2 نوفمبر 2007 02:03
يتفق الجزائريون الذين زاروا مدينة ''سطيف''، على أنها واحدةٌ من أجمل مدن بلدهم؛ فهي مدينة نظيفة واسعة، يختلط فيها النمط العمراني الفرنسي بالجزائري بتناسق وانسجام، وفي وسط المدينة مجموعة نادرة من الآثار الرومانية والبيزنطية والإسلامية التي تجعل ''سيتيفيس'' كما أسماها الرومان، أُنموذجاً للتعايش بين الحضارات المختلفة· تقع سطيف على بعد 304 كلم شرق الجزائر العاصمة، وهي مُشيَّدة على سهول واسعة، ولذلك لا تجد السلطات صعوبة في شق الطرق وإقامة المزيد من المجمعات السكانية الحديثة لاستيعاب العدد المتنامي من السكان؛ إذ يقطن بها الآن أكثر من نصف مليون نسمة، وهي من المدن الآهلة بالسكان في الجزائر· حينما تزور سطيف تأسرك منذ اللحظة الأولى بجمال بناياتها، سواءً القديمة التي تعود إلى العهد الفرنسي 1830 ـ 1962 أم البنايات الحديثة التي شرعت الجزائر في بنائها منذ استقلالها عن فرنسا إلى الآن، شوارع المدينة واسعة تنساب فيها حركة المرور بسهولة ويُسر، وفي وسط الشوارع أو على جانبيها تصطف الأشجار المقلَّمة في مناظر بديعة· ويحلو للجزائريين زيارة سطيف في فصلي الربيع والصيف، حيث تكون الحرارة معتدلة، بينما يجتنبوها في الشتاء لبرودتها الشديدة، حينما زرناها في الصيف الماضي وأقمنا فيها بضعة أيام بمناسبة ''مهرجان جميلة'' الفني العربي، شعرنا فيها براحة كبيرة لاعتدال مناخها؛ فهو شبه جاف، الحرارة في المدينة معتدلة ونسبة الرطوبة ضعيفة لبعدها عن البحر بأكثر من 120 كلم· بَركة ' 'العين الفوَّارة'' حينما تتجوَّل في وسط المدينة، فإن أهم ما يلفت انتباهك هو تجمهر عدد كبير من الناس حول ''العين الفوَّارة''، وهي عين ماء صافية بناها الرومان لتزويد السكان بماء الشرب قبل قرونٍ عديدة، وأراد الفرنسيون أن يضفوا عليها لمسة أكثر جمالاً، فأرسل حاكم المدينة رسالة إلى مدير ''متحف الفنون الجميلة'' بباريس يطلب فيها منه نحتَ تمثالٍ جميل لتنصيبه فوق العين، فأرسل له المدير التمثال في يوليو 1898 عن طريق البحر إلى ''ميناء سكيكدة'' شرق الجزائر ثم قامت عربة تجرُّها الخيول بنقله إلى مدينة سطيف، ووصلت بعد 12 يوماً ونُصِّب التمثال الذي أبهر السكان وشغف قلوبهم حباًّ إلى الآن، لكن ''الجماعة الإسلامية المسلحة'' كان لها رأيٌ آخر فقامت يوم 22 أبريل 1997 بتفجيره بقنبلة تقليدية بذريعة أنه ''رمز للفسق والفجور'' باعتبار أن التمثالَ لامرأةٍ عارية، وفجَّر الحادث نوبة عارمة من الغضب في نفوس السكان فخرجوا في مظاهرات نددوا فيها بالإرهاب، وقامت السلطات بعد يومين فقط بترميمه وإعادته كما كان ليبقى منتصباً إلى الآن· ولا يكتفي السكان والزوار بالشرب من ''العين الفوارة'' بل يقومون أيضاً بالتقاط صور تذكارية قرب التمثال من طرف مصورين محترفين يعتاشون من هذه''المهنة''، ويعتقد السطايفية ''سكان سطيف'' أن هذه العين ''مباركة''، وأن كل من يزورها ويشرب من مائها العذب سيعود حتماً إلى مدينتهم· المفارقة، أن هذا التمثال العاري يقع جنباً إلى جنب مع ''المسجد العتيق'' المُشيَّد سنة ،1845 والذي يستقطب مئات المصلين· ويؤمن الكثير منهم أيضاً، وخاصة النساء، ببركة ''سيدي الخيِّر'' وهو وليُّ صالح له شهرة واسعة في الجزائر، ويزورون ضريحه خارج المدينة لطلب ''بركته'' والاستعانة به لقضاء حوائجهم، وقد خلده أغلب مطربي المدينة في أغانيهم· آثار مطموسة قرب ''العين الفوارة'' تنتصب حديقة جميلة وواسعة للألعاب وهي تحظى بزيارة المئات يومياً، والملاحظ أنها مشيَّدة على الكثير من الآثار الرومانية، وقد اكتشفتها مصالح المياه بعد قيامها بحفريات سنة ،1976 وشرعت بعدها مصالح الآثار بأعمال تنقيب بمساعدة اليونسكو إلى غاية ،1984 واقترحت ''منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم'' إقامة حظيرة أثرية بها وحمايتها، لكن السلطات المحلية اخترقت القوانين الحامية للآثار وحوَّلت المكان إلى ''حديقة للتسلية'' لتدفِن بذلك الآثار المكتشفة إلى الأبد· ومع ذلك، أبقت السلطات جزءاً منها قرب حديقة التسلية، وأحاطتها بسياج لحمايتها، كما أنها أبقت ''القلعة البيزنطية'' داخل الحديقة، وهي قلعة جميلة بناها البيزنطيون سنة 419 ميلادية، كما نقلت تحفاً أثرية نادرة إلى متحف المدينة، الذي يضمُّ لوحاتٍ فسيفسائية جميلة تزيِّن أرضيته وجدرانه، وتتناول مواضيعَ وأساطيرَ وقصصاً تلخِّص واقع الحياة اليومية ومعتقدات الرومان آنذاك، فضلاً عن تماثيل لآلهة رومانية وأدوات فخارية كالصحون والأقداح· أما حديقة الأمير عبدالقادر فهي متحف طبيعي في الهواء الطلق؛ إذ تضم 200 عمود وصخرة منقوشة بكتابات لاتينية· وكانت قبائل سطيف تعيش تحت حكم الملك الأمازيغي ''ماسينيسا''، لكن كثرة نزاعاتها الداخلية منحت فرصة للرومان للتدخل واحتلال المدينة وتشييد مدينة رومانية بها على شكل معسكر في عهد الملك ''نارفا'' سنة 97 ميلادية، وهو الملك الذي أطلق عليها اسم ''سيتيفيس'' وأصبحت تالياً باسم ''سطيف'' حتى الآن، ثم احتلها الوندال سنة 429 ميلادية، ثم البيزنطيون سنة 539 ميلادية، وبعدها جاء الفتح الإسلامي سنة 647 ميلادية، فتدهورت مكانة المدينة لأسبابٍ غير معروفة تاريخياً حسب ما ذكره الرحالة العرب ومنهم: ابن حوقل، والإدريسي، والبكري· ويرجع الفضل في تأسيس الدولة الفاطمية إلى ''قبيلة كتامة'' التي كانت تقطن المدينة آنذاك؛ فانطلاقاً من ''عين الجوهرة'' بسطيف، جهَّز ''جوهر الصقلي'' جيشاً كبيراً من قبيلة كتامة، واتجه به إلى فتح مصر وتأسيس ''مدينة القاهرة'' و''جامع الأزهر'' بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر الميلادي، وبعدها غابت سطيف عن الأحداث التاريخية خلال حكم العديد من الدويلات الإسلامية ثم العثمانية لها، بينما حاول الفرنسيون إعادة إحيائها باستعمال الحجارة الرومانية خلال احتلالهم لها· وبرغم هذا التاريخ الثري، إلا أن ''السطايفية'' لا يكتفون بالعيش على ريوعه، بل يسعون إلى صنع مكانة لهم تحت الشمس في الجزائر والوطن العربي، ولذلك خرجوا عن بكرة أبيهم للاحتفال بفوز فريقهم لكرة القدم ''وفاق سطيف'' بكأس ''رابطة الأبطال العربية'' العام الماضي بعد أن أسمع صوتَ مدينتهم عالياً في السماء العربية·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©