السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان الطالبانية ••• أوهام في الساحة الدموية

باكستان الطالبانية ••• أوهام في الساحة الدموية
27 ابريل 2009 04:13
في اليوم التالي لتوقيع الحكومة الباكستانية على اتفاق سلام مع ''طالبان''، يتم لها بموجبه تطبيق الشريعة الإسلامية في منطقة وادي سوات، كان ثمة ازدحام مروري في إحدى ساحات وسط ''مينجورا''، وهي أهم مدينة في المنطقة• كانت الساحة، واسمها ''الساحة الخضراء''، قد اكتسبت لقب الساحة الحمراء أو الدموية لأن أعضاء ''طالبان'' كانوا يشنقون ضحاياهم هناك• وقال لي صاحب أحد المحال التجارية في الساحة وهو يشير إلى الازدحام: ''انظر، هذا ما كان يريده الناس؛ أن يخرجوا لقضاء شؤونهم• فإذا انسحبت قوات الأمن وانسحبت طالبان، سنستطيع مواصلة حياتنا في سلام''• صاحب المتجر، وعلى غرار كثير من الباكستانيين، يعتقد أن الاتفاق مع ''طالبان'' هو الطريقة الوحيدة لإيقاف مسلسل الموت اليومي• والواقع أن مينجورا ليست مدينة معزولة ونائية، وليست جزءاً مما يسميه الصحفيون الأجانب، ''الغرب المتوحش''، كلما تحدثوا عن ''طالبان''، بل مدينة تنضح بالأمل والطموح، فهي تتوفر على كليات للقانون وكلية للطب ومعهد لتدريب الممرضين، وعلى متحف للتراث• غير أنه حين حل السلام في السادس عشر من فبراير الماضي، اختفت النساء اللائي اختفين مــــن الشـــوارع ومن المكاتب، وحتى من البـــازار الذي لا يبيع سوى الأقمشة وحقائب النساء والأحذية والإكسسوارات• كما اختفت سوق الموسيقى بمتاجرها الـ،400 وتحوَّل أحد هذه المتاجر إلى مطعم للكباب، وقال لي صاحبه: ''هذه هي الشريعة!''• ومقابل دكانه، علق صاحب محل للحلاقة على الباب التحذير الإلزامي: ''لا تسريحات غير إسلامية، ولا حلاقـــة للذقـــون''، قبل أن يأخذ قيلولة ووجهه مغطى بصحيفة• هذا هو ثمن السلام! كما قيل لي• فبينما يزداد متمردو ''طالبان'' قوة في باكستان، يبدو أن البلد بات مستعداً للاستسلام• ففي المناطق التي تسيطر عليها الحركة، مثل سوات، استسلم الناس لها منذ زمن• ووسط البلاد، في البنجاب ومناطق أخرى، هناك قبول مقلق لحتمية صعود ''طالبان'' إلى السلطة• واللافت أنه لا يوجد إحساس بأزمة وشيكة، وإنما اعتقاد بأن ''طالبان'' ليست بالسوء الذي يتصوره البعض، وأن الحكومة الباكستانية والأجهزة الأمنية ليسا نداً لأصحاب اللحى والأسلحة• وأحياناً، أسمعُ مقارنات فضفاضة مع الأيام التي سبقت الثورة الإيرانية، غير أن المشكلة الوحيدة هي أنه ليس لدينـــا ''خميني''، ولكـــن لدينــا قنابل نووية! في المدينة التي أنحدرُ منها في البنجاب، أثارت الأخبار القادمة من سوات، أحد أصدقائي، وهو رجل أعمال، إذ قال لي: ''إذا سيطر مئتا رجل من طالبان على مدينتنا، فحينئذ سنستطيع اتخاذ قراراتنا بأنفسنا• فمن يريد هذا النظام الفاسد على أي حال؟''• والحقيقة أن صديقي هذا نموذج للباكستاني المحافظ الذي ينتمي للطبقة الوسطى؛ وكثيرون في مدن البلاد يشاطرونه حماسه• لكنني حاولت إقناعه بشكل منطقي فقلتُ له: ''إنك توصل بناتك للمدرسة كل صباح، وتستمع دائماً للموسيقى في سيارتك• والحال أن كل ذلك سيصبح من الماضي في حال سيطرت طالبان على الحكم''• فتردد صديقي قليلا ثم دفع بالتفسير الذي يدفع به معظم الباكستانيين: ''إن مــا يفعلونـــه في سوات هو ثقافتهم البشتونية''، مضيفا: ''الإسلام يقول إن التعليم فرض عين على كل رجل وامرأة• ونحن البنجابيين ليست لدينا ثقافتهم''• أما في أوساط نساء سوات، فالخوف والخضوع أقوى وأشد، حيث قامت ''طالبان'' بتفجير مدارس النساء وإلقاء جثث الراقصات المحترفات في ''الساحة الدموية''• وكانت النساء يحكين لي قصصهن وراء الأبواب المغلقة، مرتديات براقع جديدة اشترينها حديثاً، وبعد أن ينتزعن مني وعوداً غليظة بالتكتم على أسمائهن وهوياتهن• ومما قالته لي إحداهن: ''لقد أصبحنا سجينات في منازلنا، فنحن لا نستطيع الخروج للتبضع• لقد انتهى كل شيء بالنسبة لنا!''• والواقع أنه كانت ثمة آمال في أن تقوم قوات الأمن الباكستانية بمحاربة ''طالبان''، غير أن الجيش وأجهزة الاستخبارات يبدوان مهووسين جداً بالتهديد المفترض القادم من الهند إلى درجة أنهما يتجاهلان التهديد الذي يوجد في الداخل• فإذا لم يدخلا في صدام مع ''طالبان''، مثلما يعتقد كثير من المراقبين، فإنهما سيبقيان محايدين، بل جد محايدين إلى درجة أنهما يعيران قواعدهما للولايات المتحدة كي تنطلق منها الطائرات غير المأهولة والمجهزة بالصواريخ، وفي الوقت ذاته يقدمان الدعم للأشخاص أنفسهم الذين تستهدفهم تلك الصواريخ! وعندما نولي أوجهنا شطر الخارج، فسنواجَه بالأميركيين الذين يطالبوننا بمعارضة ''طالبان''، بينما تواصل الطائرات الأميركية قتل المدنيين الفقراء• والحال أنه لا يوجد باكستاني واحد يؤيد هذه الهجمات، والتي جعلت من تأييد الموقف الأميركي أمراً بالغ الحساسية ومثيراً للجدل، مثلما جعلت معارضة ''طالبان'' أصعب كثيراً من ذي قبل• محمد حنيف - كراتشي مراسل القسم الأوردي لهيئة الإذاعة البريطانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©