الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

تركيا تقرع طبول الحرب·· وكردستان تحتمي بـ الجنرال

تركيا تقرع طبول الحرب·· وكردستان تحتمي بـ الجنرال
4 نوفمبر 2007 04:05
عندما تهبط في مطار أربيل وتسير في شوارع المدينة الصغيرة، سيغيب عنك للوهلة الأولى أنك في العراق، فلن ترى العلم العراقي الوطني الذي استبدل بعلم الإقليم· فهنا لم تمتد يد الخراب والدمار، بينما ترتفع البنايات الجديدة ومدن الأسمنت في علامة على الازدهار· ولكن عليك عدم نسيان أنك لازلت في منطقة من عالمنا العربي فصور الزعمين بارزاني وطالباني تملاء المكان ''فاينما استدرت هناك الزعيم''!· وفيما تسير في دروب كردستان العراق يجتاحك شعور بأنك في ما يشبه الجنة، فالأراضي والجبال المغطاة باللون الأخضر تحيط بك من كل جانب، والطيور تحلق فوق ينابيع المياه المنتشرة في كل مكان· وتتذكر وانت تنظر هذه المشاهد الطبيعية الخلابة التي نادراً ما توجد في العالم الأساطير الكردية الشهيرة بشان أن الجنة كانت هنا وكون سفينة النبي نوح حطت فوق احدى قمتي جبلي ''كودي'' و أرارات''· ولكن السياسة حولت هذه الجنة إلى ''جنة مؤجلة'' بسبب الصراعات الدموية المستمرة خلال قرن وأكثر من الزمان· وجاءت هذه الرحلة بحثاً عن حقيقة ما يحدث في كردستان العراق، سعياً وراء رسم صورة ''شبه'' مكتملة الأركان لهذه المنطقة التي يتردد أسمها ليل نهار في نشرات الأخبار وعلى صفحات الجرائد، بينما مازال القارئ العربي بعيداً عن وضع يده لما يحدث في هذا الإقليم الذي يمثل جزءاً من العراق الجريح·· سارت بنا السيارة على الطريق الوعر بين جبال كردستان العراق، وكان السائق ومرشدنا يشير بين كل فترة وأخرى إلى مناطق في داخل الجبل ليقول لنا: إنها كانت نقطة سابقة لحزب العمال الكردستاني أو لمقاتلي الحزب الديمقراطي او الاتحاد الوطني الكردستاني· وعندما تجلس في المقهى بوسط مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق تسمع من يقول بصوت عال: إن رغبوا في قتال عناصر ''حزب العمال'' فليأتوا ولكن لن يجدوهم، فمن المستحيل الوصول إليهم في الجبال، وفي نفس المقهى تشعر بأن الأكراد غير مهتمين بما يحدث على الحدود من حشد عسكري تركي، فالجميع هنا لديه شعور بأن القتال حتى وإن حدث فإنه لن يصل إلى المدن الرئيسية في وسط الإقليم، وفي الوقت نفسه ستشعر بثقة غريبة بأن الأتراك لن يدخلوا كردستان، وهي الثقة النابعة من كون الإقليم تحت حماية القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة·· ويتكرر هذا الكلام على لسان المسؤولين الأكراد الذي يعتبرون أن أميركا والحكومة المركزية العراقية مسؤولتان عن الدفاع عن كردستان· إن الصورة هنا مختلفة عما يتصوره البعض، فسكان إقليم كردستان العراق لا يعيشون حالة حرب، فالتواجد التركي على بعد مئات الكيلومترات عن مناطقهم، ومن يشعر به آلاف قليلة من سكان المناطق الحدودية، أما في أربيل والسليمانية فالحياة تسير كالمعتاد، والمقاهي والمحلات مفتوحة ليل نهار، وربما لا يشعر قاطنو هذه المدن بما يحدث إلا عبر قنوات التلفاز او الصحف·· ولكن بعد عودتنا من الإقليم ذكر لنا الصديق الكردي ''أنو'' أن الاوضاع قد تتغير في حال فرض أنقرة فعلياً لعقوبات اقتصادية بسبب ان التجارة تمر معظمها عبر الحدود التركية، وهو ما جعل البعض في كردستان يتخوف من احتمال تراجع الازدهار الاقتصادي في الإقليم بسبب هذه العقوبات· ولكن في النهاية تبقى الحرب بعيدة حتى إشعار آخر· أميركا ''ستحمينا'' تؤكد القيادات السياسية في إقليم كردستان العراق أن الحرب لن تكون حلاً لمشكلة حزب ''العمال الكردستاني''، وأن تركيا لن تخوض حرباً، وأنها ستكتفي بمناوشات هنا او هناك، لأن ثمن خوض الحرب سيكون ''باهظاً'' من ناحية، ومن ناحية آخرى فإن أميركا ستقف ضد أي اجتياح لكردستان العراق· ربما كان التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في تركيا والذي أكدت فيه أنها ترفض أي تدخل تركي عسكري في شمال العراق، مع تأكيدها في الوقت نفسه أن واشنطن تعتبر مع تركيا ان عدوهما مشترك وهو حزب العمال الكردستاني ''الإرهابي''، يشكل دليلاً واضحاً على أن اميركا قد لا تخسر صديقتها تركيا، ولكنها في الوقت نفسه لن تجعل من منطقة تحت سيطرتها العسكرية فعلياً مكانـــاً لتدخــل مسلح من قبــــل دولة أخرى· وكان الأكثر وضوحاً وصراحة في تعبيره عن ثقته في أن الأميركيين سيحولون دون اجتياح تركي هو نائب رئيس حكومة إقليم كردستان عمر فتّاح حسين الذي أكد أن ''الأميركيين موجودون في العراق، ومن واجب أميركا والحكومة العراقية أن تحميا البلاد من أي اعتداء خارجي· ومن جانبه أشار وزير شؤون الأقاليم في حكومة كردستان العراق د· محمد إحسان إلى أن أميركا أحد رعاة العملية السياسية في العراق، وأوضح أن ''أي فعل تركي في العراق هو مثل ما فعله صدام في الكويت في ''1990 أي سيعتبر غزواً خارجياً، وسيتدخل المجتمع الدولي لوقفه· في المقابل لم يتحدث المسؤولون الأكراد كثيراً عن دور الحكومة العراقية في مواجهة هذه التهديدات، وكان الأكثر تشديداً على دور بغداد هو رئيس المجلس الوطني الكردستاني (البرلمان) عدنان المفتي الذي قال: ''لدينا مخاوف حقيقية من الحشود التركية على حدود شمال العراق، وما يزيدها تصريحات قيادات الجيش التركي ومسؤوليها السياسيين وتهديدهم الدائم بالتدخل، بل وصل الأمر إلى قصف للقرى على الحدود· وهذا الوضع يقلقنا ولكن إذا حدث أي اجتياح تركي للاقليم فمسؤولية الرد تقع على الحكومة العراقية الفيدرالية· سابقاً كان الأتراك يقصفون مواقعنا والنظام المخلوع صامت بل ويسمح بالهجوم علينا، أما اليوم فنحن في عراق جديد، ورئيس الجمهورية ووزير الخارجية من كردستان، ونحن نثق في الحكومة العراقية وندعم خطواتها للدفاع عن السيادة العراقية، وندعمها في أي حوار لحل الاشكاليات مع تركيا''· وأوضح نائب رئيس حكومة الإقليم أن ''ما يهمنا في الأساس هو حماية حدودنا والتي هي من مسؤوليات الحكومة المركزية الفيدرالية، ونطلب منها مساعدتنا وحماية الحدود العراقية، ونطلب أيضاً من أصدقائنا العرب مساعدتنا في إيقاف أي عدوان تركي محتمل ضد أراضينا''· ''الجنرال 'ثلج'' شدد المسؤولون الأكراد على أنهم لا يأوون عناصر حزب ''العمال الكردستاني'' الانفصالي، وأشاروا بوضوح إلى أنهم يوجدون في مناطق جبلية وعرة لا يمكن لأحد أن يصل إليها· وأكدوا رغبتهم في علاقات طبيعية مع تركيا· واعتبر مسؤول كردي (رفض نشر اسمه) أن تركيا تبحث عن السراب (في إشارة إلى مقاتلي العمال الكردستاني)· وأضاف أن حكومة أنقرة بقيادة حزب العدالة والتنمية تسعى إلى حل مشكلتها مع المؤسسة العسكرية العلمانية على حساب الأكراد، مشيراً إلى أن المستهدف هم الأكراد وليس المتمردين، حيث ستظهر منطقتهم كمنطقة مضطربة أمام العالم لتغيير صورة الاستقرار الراهنة، في الوقت نفسه فإن العقوبات الاقتصادية سيتضرر منها سكان الاقليم، بينما لن يصل الجيش التركي إلى أحد من عناصر ''العمال الكردستاني''· وأوضح السيد محمود (احد عناصر البشمركة السابقين) أن ما يحدث اليوم يدل على عدم عزم تركيا الدخول فعلياً إلى الاقليم، حيث إن الشتاء قد اقترب، وسيكون الطقس البارد والثلوج عائقاً رئيسياً أمام أي عملية تدخل كبيرة، فـ''الجنرال ثلج'' سيهزم أي محاولة تدخل· ورفض عمر فتّاح حسين الاتهامات التركية بأن كردستان تؤوي قادة حزب ''العمال الكردستاني'' ومسلحيهم، وقال: ''نرفض مثل هذه الاتهامات، ونؤكد أننا لا نأوي أياً من قادة حزب العمال الكردستاني أو مسلحيهم، فهم موجودون على الشريط الحدودي في مناطق جبلية وعرة·'' وأشار نائب رئيس حكومة الإقليم إلى أن حكومة الإقليم وكمبادرة منها لحل هذا الصراع اقترحت على تركيا إصدار عفو عام على قادة حزب العمال إلا أنها رفضت هذا المقترح· وقال إن مشكلة حزب العمال الكردستاني ''ذثث'' موجودة وتحتاج إلى حل، وبالتأكيد فإن الحرب لا تحل المشكلة، وأضاف ''كمبادرة منا في حكومة إقليم كردستان، طلبنا من تركيا إصدار عفو عام عن قادة حزب العمال كمبادرة لحل المشكلة، ولم نحصل على رد إيجابي''· واعتبر أن تركيا تستخدم ورقة شمال العراق في صراعاتها الداخلية، ونحن نتمنى أن تصبح تركيا شريكاً، ونحن ندين أي عمل عنف يقوم به أي طرف ضد الآخر· وأعرب فلاح مصطفى عن رغبة المسؤولين الأكراد في إقامة علاقات طبيعية مع تركيا، مشدداً على أن العراق دولة حرة ذات سيادة ومن واجب الحكومة العراقية أن تحمي الإقليم لأنه جزء من الدولة العراقية، وأشار إلى أن مشكلة ''حزب العمال الكردستاني'' مشكلة تركية وليست مشكلة كردية، وقال: إن سياسة حكومة الإقليم هي أن أراضيه ليست منطقة عمليات ضد أي بلد آخر· ورداً على سؤال خاص بأن الأكراد بدأوا الأزمة بالتهديد بالتدخل في شؤون تركيا، قال عدنان المفتي: ''نحن لن نسمح لانفسنا بالتدخل في شؤون الآخرين، ولكننا في المقابل لا نسمح للآخرين بالتدخل في شؤوننا''· وحول المخرج من التوتر الراهن مع تركيا بسبب حزب العمال الكردستاني أوضح أن ''حل الأزمة في تطبيق الديمقراطية التركية، فالديمقراطية تحل بشكل جذري مشكلة حزب العمال، هذه الديمقراطية لو سمحت لأي مجموعة أن تطرح مطالبها وحقوقها، فلن تكون هناك أي مشاكل، فحل قضايا الشعوب لا يتم سوى عبر الحوار والمفاوضات، بينما العنف يولد العـنف ولن يستفيد منه أي طرف''· أرض الفرص الضائعة وصف جوناثان راندل في كتابه الشهير ''أمة في شقاق·· دروب كردستان كما سلكتها'' كردستان بأنها أرض الألف ثورة والألف حسرة، في وصف دقيق لحالة فوران سياسي دائم عند سكان الجبل لا يوازيه سوى هزائمهم المتتالية· فالأكراد بالنسبة للبعض هو أكبر أثنية في العالم ليس لديها دولة حيث يزيد عددهم في العراق وإيران وتركيا وسوريا عبر قوس جغرافي واسع إلى أكثر من 25 مليون شخص، في المقابل يعتبرهم آخرون مصدر قلق دائم في المنطقة، وقومية مستعدة للتحالف مع الأعداء دائماً· يوسم أعداء الأكراد سكان الجبل بالخيانة ويعيدون أسطورة محلمة جلجامش الشهيرة، حيث وقع انكيد ساكن جبال راكروس في حبائل خادمة معبد الهة الحب، وتقنعه الخادمة بقطع غابة الآرز وخيانة أصدقائه من حيوانات الجبل· وتبقي هناك حقيقة واحدة هي أن الأكراد احترفوا فن البقاء واحترفوا معه فن ''الخسارة'' أيضاً· هذه الصورة التي تغيرت فقط مع قدوم القوات الأميركية في ،2003 حيث حققت لهم أول انتصار حقيقي بانشاء اقليم كردستان العراق· هذا الحدث الذي لا يجعل الأكراد ينسون أن الأميركيين ''خانوهم'' في 1991 وجعلوا منهم لقمة سائغة في فم صدام حسين، ويتخوف اليوم الأكراد أن تكرر أميركا فعلتها وتتركهم بمفردهم أمام الطوفان التركي· فهل يتركهم الأصدقاء الأميركيون مرة آخرى، لتتحقق المقولة الشهيرة ''لا أصدقاء للأكراد سوى الجبال''· إن كردستان تستحق بالفعل لقب ''أرض الفرص الضائعة''، فهي تتميز بكونها أرضاً تحمل كافة المقومات من طبيعة خلابة وثروات لتصبح منطقة مزدهرة في الشرق الأوسط، ولكن هذه الثروات لا تجد من يمد يده إليها بسبب الصراعات المتواصلة، وربما أيضاً بسبب فقدان القادة الأكراد بوصلة الوصول إلى شاطئ الأمان· وربما تكون قصة إقليم كردستان العراق هي الفرصة الذهبية لاستقرار الأكراد بشرط أن يبعد السياسيون عن لعبة ''الانفصال'' وإثارة ''القلاقل'' في المنطقة· فهل ينجح سياسيو الأكراد اليوم في تغير الصورة الشائعة عن أنهم سياسيون غير ناجين يضيعون الفرص القليلة التي يوفرها لهم التاريخ، أم انهم سيسيرون على درب ''الخسارة''·· هذا هو السؤال الذي ستجيب عليه السنوات وربما الأشهر القليلة المقبلة· أبناء الجن والعفاريت تقول الأسطورة الكردية إن الملك سليمان ابن داوود عليه السلام أمر الجن بالذهاب إلى أوروبا لاحضار 500 فتاة جميلة ليضمهن إلى زوجاته، وعندما عاد الجن بعد أن أكمل مهمته في اختيار الفتيات وجد أن الملك سليمان قد مات، فتزوج الجن الفتيات وانجب منهن الأكراد· وهناك أسطورة ثانية تعيد الأكراد إلى جدود من الشبان والفتيات تمكنوا من النجاة من براثن مجرم دموي استولى على عرش فارس هو ''زهاق'' الطاغية· وكانت الثعابين تنبت على كتفي ''زهاق'' لتتغذى على أدمغة الشبان والفتيات· وخوفاً من انقراض الشباب من المكان أبدل وزير من وزراء ''زهاق'' الأدمغة البشرية بأدمغة خراف ليهرب الشباب والفتيات إلى الجبال وهناك بدأ مولد ''الأمة'' الكردية· كردستان العراق تتمتع منطقة كردستان في شمال العراق بالحكم الذاتي منذ ·1991 ويضم الإقليم 3 محافظات هي دهوك وأربيل والسليمانية· وتمتد مساحته إلى نحو 75 الف كيلومتر مربع، وتحده تركيا من الشمال وإيران من الشرق· ويبلغ عدد سكان كردســـتان العـــراق نحو 4 إلى 5 مـــلايين نسمة· معاهدة سيفر في ضاحية ''سيفر'' الشهيرة بصناعة الخزف بالعاصمة الفرنسية باريس، عُقد اجتماع دولي في 1920 عقب الحرب العالمية الاولى، وهو الاجتماع الذي انتهى بأول اعتراف في التاريح بما سمي بالحقوق السياسية الكردية في المواد 62 و63 و·64 حيث منحت هذه المواد حكماً ذاتياً للاكراد في تركيا وضم الموصل للدولة الكردية المستقلة· وجاءت معاهدة ''لوزان'' في 1923 لتحطم هذا الحلم باعتراف الأطراف الدولية بتركيا على حساب الأكراد· وفي 1924 قام الزعيم التركي مصطفى اتاتورك بمنع الزي واللغة والجمعيات والاخويات الدينية الكردية، بل وطمس هويتهم في الخطاب الرسمي وأطلق عليهم ''أتراك الجبل''· وهي الإجراءات التي قادت إلى اندلاع ما سمي بثورة الشيخ سعيد في 1925 وانتهت بشنقه· غداً ·· كركوك ·· الطريق السريع إلى الهاوية
المصدر: أربيل-السليمانية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©