قانون أميركي جديد يُثير حفيظة الموانئ الأوروبية

يبدو أن القانون الأميركي الجديد الذي سيطالب جميع الموانئ الأجنبية بضرورة مسح كل حاوية يتم شحنها إلى الولايات المتحدة الأميركية أصبح في طريقه لأن يستحدث مجموعة من الخاسرين والفائزين على حد سواء بالإضافة إلى إجبار الموانئ في جميع أنحاء العالم على الدخول في عمليات للتملك والاستحواذ· وهذا القانون الجديد الذي جرى تصميمه بحيث يضمن أن جميع حاويات الشحن لم يتم استخدامها من قبل الإرهابيين لتهريب الأسلحة أو المواد المصنعة للقنابل إلى الأراضي الأميركية سوف يتمخض عن آثار دراماتيكية عميقة المدى على صناعة الشحن العالمية كما يقول المشغلون والمسؤولون في الموانئ في كل من القارتين الأوروبية والآسيوية· أما الشركات التي تقوم بتصنيع ماكينات الفحص بأشعة اكس أو أشعة جاما العملاقة التي يزيد سعر الواحدة منها على 5 ملايين دولار والمطلوبة لمسح حاويات الشحن فقد أصبحت تتدافع للحصول على حصة من كعكة طلبات الشراء حيث إن حوالي 700 ميناء في جميع أنحاء العالم بدأت تستعد لإنفاذ اللوائح الأميركية التي تمت صياغتها في شكل قانون سوف يصبح نافذاً ابتداءً من العام ·2012 وحسبما ورد في صحيفة الوول ستريت جورنال فقد ذكر المحللون أن كل ميناء بات يتعين عليه إما شراء عدد يتراوح ما بين واحدة إلى عشر من ماكينات الفحص هذه أو يتوقف نهائياً عن التصدير إلى أغنى سوق في العالم، أما كبريات الموانئ الحديثة التي يوجد معظمها في القارة الآسيوية فقد أصبحت المرشحة الأقوى للفوز بأكبر نصيب من هذه الأعمال التجارية الجديدة بينما تعاني الموانئ القديمــــة والأصغر حجماً في مواكبة المتطلبات الأميركية· تكاليف اضافية يقدر الاتحاد الأوروبي أن متوسط التكلفة الابتدائية لأي ميناء في شراء ودعم أجهزة المسح سوف لن يقل عن 100 مليون دولار وهو مبلغ يجافي المنطق التجاري بالنسبة لبعض الموانئ الصغيرة حتى تستمر في شحن السلع للولايات المتحدة الأميركية· وكذلك فإن الموانئ النهرية القديمة المعروفة مثل انترويرب في بلجيكا سوف تعاني الأمرين حيث ستحتاج إلى بناء عدد من الطرق والجسور الجديدة لتوصيل جميع الحاويات إلى مواقع أجهزة المسح من أحواضها المتناثرة وربما لن تصبح جاهزة في الموعد المحدد· إذ يقول ليفين مويلارت المسؤول في إدارة الجمارك البلجيكية: ''نحن نتحدث عن مليارات اليورو من الانفاق الإضافي'' لذا فقد تصدى الاتحاد الأوروبي الى تزعم المعارضة في جميع أنحاء العالم لهذه المتطلبات الأميركية متخوفاً من أن عدم المرونة النسبية التي ستواجه الموانئ الأوروبية سوف تصب بلاشك في مصلحة المصدرين الآسيويين الذين يتمتعون أصلاً بالمزايا فيما يتعلق بالتكلفة· وكما يشير المحللون فإن الموانئ الآسيوية تتسم أصلاً بكبر حجمها وحداثة بنائها كما أنها أكثر حصرية واندماجاً من الموانئ الأوروبية، لذا فإنها لن تواجه الكثير من المشاكل في تلبية المتطلبات الأميركية، وكنتيجة لذلك فقد بدأ الاتحاد الأوروبي يهدد بفرض قيود مماثلة على جميع الحاويات القادمة من الولايات المتحدة ويتم تفريغها في أراضيه· ومنذ أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 أخذت الولايات المتحدة الأميركية تشدد وبشكل تدريجي من قوانينها الهادفة لكبح نشاط الإرهابيين في تهريب الأسلحة إلى داخل الدولة بواسطة الحاويات أي الصناديق الفولاذية بحجم 20 أو 40 قدماً التي تنقل كل شيء ابتداءً من الموز وحتى لعب الأطفـــــال إلى جميــع أنحـــاء العالم· علماً بأن الولايات المتحدة استوردت 12 مليون حاوية للسلع في العام الماضي وحده بينما من المتوقع أن يشهد هذا الرقم ازدياداً ملحوظاً في هذا العام حسب احصائيات الحكومة الأميركية، ويشير خبراء الأمن من جهتهم إلى أن قانون مسح الحاويات ربما يقلل ولكنه لن يصبح بإمكانه التخلص نهائياً من المخاطر الإرهابية في تهريب الأسلحة الموجودة على ظهر السفن بسبب ضعف ودقة صور أجهزة الأشعة والتي لن يصبح بمقدورها مسح كل ما يحتويه صندوق بكبر حجم الحاوية كما أن السفن ستبقى عرضة للعبث والتلاعب في عرض البحر بعد أن تغادر الميناء· تكنولوجيا باهظة الثمن إلى ذلك فإن الطلب على ماكينات مسح الحاويات أصبح يمضي إلى ارتفاع إذ يشير مايكل ليكوي الذي يبيع ماسحات شركة نوك تيك الأميركية في أوروبا إلى أن طلبات الشراء ازدادت بالعشرات في كل عام بعد أن كانت لا تتعدى ثلاثة أو أربعة أجهزة في الفترة التي سبقت العام 2003 وذكر بأنه يتوقع زيادة هائلة في طلبيات الشراء في العام المقبل عندما تعمد الحكومات والموانئ إلى تخصيص ميزانيات جديدة تواكب القانون الأميركي الجديد· وفي الوقت الذي ستعاني فيه الموانئ الأوروبية من التكاليف الباهظة الإضافية في أعمال البناء والتشييد التي ستستغرق سنوات من شأنها أن تلحق الأضرار بعمليات هذه الموانئ فإن الموانئ الأوروبية الأصغر حجماً مثل اشبيليه في إسبانيا ودنكيرك في فرنسا ونابولي في إيطاليا ربما سيتعين عليها التوقف نهائياً عن شحن البضائع إلى أميركا· وكانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش قد ذكرت أنها ترغب في خفض عدد الموانئ العالمية التي تشحن سفن الحاويات إلى أميركا إلى حوالي 100 من أصل 700 ميناء حالياً بسبب أن هذا الأمر سيجعل من السهل المراقبة والسيطرة على العملية الأمنية· ويذكر أن القانون الأميركي الجديد سيستبدل القانون الحالي الذي يتم بموجبه مسح حاويات مختارة بعينها بطريقة أشبه بما يحدث للأمتعة المحمولة في المطارات· ولكن مشغلي الموانئ أخذوا يشيرون إلى أن التكلفة الطويلة الأمد لهذه القوانين الأميركية الجديدة لن تكمن فقط في الاستثمارات في الماسحات الجديدة وانما في الوقت الذي يستغرق في تعبئة الحاويات وبقائها على الرصيف قبل نقلها إلى السفينة على الشاطئ· ويقدر مشغلو الموانئ أن هذا الوقت سوف يزداد إلى 7 أيام بعد العام 2012 من مستوى ثلاثة أيام حالياً، وكما يشير المحللون فإن هذا الوقت المستغرق من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التكدس والازدحام في الموانئ ويقلل من سعة المناولة ويكبد شركات الشحن والشركات المستلمة للبضائع المزيد من الأموال·