الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تمثل التلفزيونات الفضائية العربية نظاماً إعلامياً متطوراً؟

هل تمثل التلفزيونات الفضائية العربية نظاماً إعلامياً متطوراً؟
17 مارس 2010 20:32
عن دار الفارابي صدر كتاب جديد بعنوان “التلفزيونات الفضائية العربية” للكاتبة ثريا جعيبس ترجمة فارس م. ضاهر، يروي كيف أصيب الرأي العام العالمي بالدهشة والذهول حينما اكتشف خلال حرب أفغانستان عام 2001، وجود محطة للإعلام العربي، عابرة القوميات، وهي محطة “الجزيرة”. بعد عامين، تم اكتشاف محطة على الأراضي العراقية، بحيث انسجمت مع شبكات عربية أخرى، مثل تلفزيون أبوظبي و”العربية” و”ال بي سي”، علماً بأن محطات البلاد العربية ليست بنت ساعتها: لقد ظهرت خلال التسعينيات، إثر حرب الخليج. تحول الفضاء الإعلامي العربي بشكل جذري وراسخ بحيث أوجد حالة من التنافس بين مجموعة متعددة من اللاعبين في محطات قوامها التلفزة الهرتزية أوالفضائية، الأهلية (قُطرية) والقومية أو الأجنبية، الحكومية منها أو الخاصة، وتلك التي لا اختصاص لها أو الاعراضية (المتخصصة ببعض المواضيع)، وقد تكاثرت بطريقة سريعة جداً وفي زمن قياسي. هكذا بدأت معركة النفوذ والسيطرة لجذب جمهور من المستمعين الناطقين بلغة الضاد: إضافة إلى المحطات العربية، هناك محطة أميركية ناطقة باللغة العربية، ممولة من الكونغرس، “الحرة”، وقد تم إطلاق محطة فضائية فرنسية للإعلام العالمي، بعد ذلك بقليل. يجدر بنا أن نستذكر المناقشات التي أشرفت على وضع محطة فضائية ناطقة باللغة العربية، خلال السبعينيات. فكانت لتلك الخطابات صبغة عالم ثالثية انبثقت من أجواء الساعات المجيدة لدى مطالبة بلاد الجنوب بوضع نظام عالمي جديد للإعلام والتواصل (نوميك nomic). لقد كانت بلاد الجنوب تطالب وقتذاك بإعادة التوازن بشأن وسائل الإعلام والتواصل، وكانت تعارض باسم السيادة القومية، المقولة الأميركية الشائعة الخاصة بتدفق المعلومات الحرة، إنما لا يصح اعتبار التدفق الإعلامي فعل إيمان أيديولوجي، علماً بأنه لم يكن كذلك من قبل، على الإطلاق. إنه أمر واقع فرض نفسه كنموذج وحيد قابل للتطبيق العملي في نطاق الاتصال الإعلامي. إن الاستثمار المتزايد للفضائيات قد أفسح المجال للتداول الحر الخاص بالتدفق التلفزيوني في البلاد العربية. هكذا لم يعد التلفزيون، الناطق بصوت السياسيين. إن الخطابات المنوطة بمسؤولية التلفزيون تجاه اندماج وتقوية “الدول ـ القوميات” والترابط القومي، وصيانة الثقافة القومية أو التنمية الاجتماعية، كتبريرات وحيدة لحق التصرف للدول بمحطات التلفزيون المحلية، قد باتت مفتقرة إلى الشرعية، وبالفعل، أصبح مشاهدو التلفزيون، للمرة الأولى، قادرين على مراقبة هذه المحطات وانتقادها، وذلك بالتحول عنها بسرعة والانتقال إلى مشاهدة محطات أخرى تحمل رسائل خارجية المنشأ. فرضيات وتبعات إن إعادة تركيب الفضاء الإعلامي الإقليمي، تضعف الدول، بحيث تقود إلى تحديث العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، في البلاد العربية. لأن هامش حرية الدول قد وجد نفسه منقوصاً بحكم الإزالة التامة للجواجز والتقسيمات في أقاليم البث، وإدخال مفاجئ وباغت على مناطقه الخاصة، رسائل التبليغ خارجية المنشأ، وجلية المفهوم بالنسبة لأوسع جمهور. إن جدلية العلاقات بين المستويات العالمية والقومية الخاصة بالاتصال الإعلامي تنسقها أيضاً الدول العربية التي تبدي بعض الممانعة، إن لم تكن ذات نشاط متميز، ولكن في نهاية المطاف تستطيع المحطات عابرة القوميات أن تفرض نفسها، وتضعف حالة الدول وسيادتها على أقاليم الاستقبال الأهلية، وتجبر بالتالي، السلطات التنفيذية على أن تحدد مجدداً، امتيازها التجاري واحتكارها للتلفزيون بقصد حمايته. والنقطة الأكثر أهمية هي التالية: بما أن التلفزيون مرتبط عضوياً، بنمط ممارسة السلطة، عند المستويات البنيوية والسياسية، يتوجب عندئذ على الدول المعنية إعادة النظر في كيفية ممارسة الحكم. وما يلاحظ فيما يتعلق بالحالة المصرية، هو إصرار الدولة على عدم التخلي عن وضع اليد وحجز القطاع التلفزيوني، وبالتالي، فهو مستعد لأن يفعل المستحيل، كي يحتفظ بموقفه هذا، حتى لو اضطر إلى فتح هذا القطاع والاستجابة لرغبة المواطنين مشاهدي التلفزيون وآمالهم. ليست التوقعات والآمال الاجتماعية مستحدثة، فهي بكل بساطة، مرئية بشكل أفضل. إنها أكثر وضوحاً، بحيث لا تسمح بأي حجب، وترفض بالتالي الرقابة من قبل السلطات الرسمية. وهنا يتراجع القانون أمام الأمر الواقع فيتجلى المشاهد التلفزيوني بكامل نضوجه: لديه القدرة على المقارنة بين تلفزيونه وتلفزيون الآخرين، وينظر إلى الأمور نسبياً ويكمل المعلومات التي يبثها تلفزيونه، ويقابل المعايير المجتمعية التي يبثها تلفزيون الدولة، مع المعايير التي تبثها تلفزيونات أخرى، وتكون أحياناً أكثر تقارباً مع معاييره الشخصية. وبفضل وسائل الاتصال الحديثة، بات اللاعبون الاجتماعيون يملكون تشكيلة عريضة من الوسائل الفعالة جداً للتأثير والضغط على احتكار الدولة للتلفزيون. إن الحالة المصرية هي حالة خاصة، والتحاليل التي ليست دائماً قابلة للتطبيق بالنسبة لسائر البلاد العربية. مع ذلك تفسح المجال كي نستشف المترتبات المتحكمة بعملية اندماج التلفزيون العربي ضمن فضاء موسع، وبناءً على ذلك يتم إبراز الثوابت التي تتعلق بالتفاعل بين الأهلي والإقليمي في الميدان التلفزيوني. ولأجل هذا العمل، آثرنا النهج التدريجي التطوري: فاللاعبون الموجودون داخل النظام التلفزيوني العربي، قد تم التعامل في شأنهم بعمق تاريخي. لقد تم تناول أحد عناصر هذه المجموعة وعنيت به التلفزيون المصري الذي تم فحصه عبر نهج تاريخي وصفي، بشكل أساسي، وذلك في المرحلة الأولى، بحيث ندرك بدقة أكثر، الأنماط والعواقب المتعددة المتعلقة بمساهمته في عملية إعادة تشكيل الفضاء الإعلامي الإقليمي. وعلى نحو اأكثر ملموسية، نرى محطات التلفزيون العربية تطأ مصر، وبشكل مواز استطاع إشعاع التلفزيون المصري أن يتجاوز كثيراً وبشكل ملحوظ، حدود نطاقه القطري. ونظراً للعلاقة القائمة ما بين المستويين، اعتمدنا التحليل المتقاطع كخلفية لعملنا بحيث يبرز عملية التفاعل بين الفضاء القطري والفضاء الإقليمي أو حتى الفضاء الدولي. على أن زوال حدود الأقاليم الإعلامية، يشوش مسألة التحقق من هوية المشغلين، كذلك استدلال أقاليم الاستقبال. وبقصد الحصول على قراءة تحليلية لنظام التلفزيون العربي، قمنا بتمييز فئتين من الأقاليم، إقليم البث وإقليم الاستقبال. فإقليم البث المتعلق بموزعي البث ينتمي إلى شبكة من أقطاب ذات تفاعل متبادل، بهذا المعنى، يعتبر شاملاً كونياً. فالعولمة المطبقة على هذه الشبكات المائعة والمتحركة، ليست اختراعاً علمياً. إن أقاليم الاستقبال هي مناطق تغطية المحطات العربية وعبرها تتم تغطية المتلقي العربي. إنها جماعة لغوية متمركزة في المنطقة العربية وموزعة ومنتشرة عبر أرجاء العالم، وذلك بحكم حركات الشتات والهجرة. واستناداً إلى هذا التوزيع الجغرافي يعتبر هذا الإقليم عالمياً. خطة الدراسة حاولت البلدان العربية تثبيت إقليم للبث المشترك، بالأخص عبر بناء القمر الصناعي عربسات. وكي نفهم الدوافع التي تحكمت بإقامة مثل هذه الأداة، من الضروري العودة إلى النظريات الإنمائية التي وضعت بعناية، ضمن السياق العالمي للستينيات، في عصر كانت فيه مفاهيم الشمال والجنوب مفعمة بمضمون أيديولوجي رائع، وحيث عارضت البلدان العربية التبادل غير المتكافئ للتدفق الإعلامي وفقد التوازن العالمي الخاص بوسائل الإعلام والتواصل. فإذا اعتبرنا الأمر وفقاً لهذا العمق التاريخي، عند ذاك يتراءى لنا التشكيل الجديد للتلفزيون العربي بجميع تناقضاته. واستناداً إلى المنظور قريب المدى المخصص لتحليل الديناميات الجارية ضمن النظام التلفزيوني العربي، واللاعبين ضمن هذا النظام، يفسح لنا المجال كي نحدد موقع النظام التلفزيوني المصري ونفهمه، فهو ذاك الفضاء الأكثر حصراً، إضافة إلى كونه أحد مقومات النظام التلفزيوني العربي. سوف يكرس الفصل الأول لهذا التحول الذي يكشف عن أن الأفكار لا تفيدنا سوى في التثبت من مصداقية الأفعال، وأن الأيديولوجيات تتحول أخيراً، إلى نتاج بشري هادف إلى إضفاء الشرعية على استراتيجية الفاعلين الذين ينتجونها ضمن لعبة ميزان القوى. بالمثل، كل تلفزيون عربي وبالأخص التلفزيون المصري تعبره مناهج عمل، تتغير وتتبدل على مر السنين. فتاريخه وتنظيمه منوطان بالمخطط الخاص بالمحطات التلفزيونية في البلدان النامية. ولكن ليس التلفزيون المصري كأي تلفزيون آخر، لقد تميز باكراً جداً، ولادة سوق حقيقية في المنطقة العربية. وسوف يتبين لنا أن ثمة جهوداً متعددة بذلت في سبيل تخليد المركزية الإعلامية والثقافية التي يفتخر بها حماة التلفزيون المصري، منها تنفيذ مشاريع جبارة باهظة التكاليف. إن السريان الحر للدفق التلفزيوني، يبرر في آن واحد أفعال الدولة المصرية، الهجومية والدفاعية، في سياق انفتاح الفضائيات الإعلامية إقليمياً وعالمياً. وهذه التحركات لا تدع بعض اللاعبين الاجتماعيين المصريين غير مبالين، ومن بينهم بعض القادة السياسيين المنتمين إلى المعارضة الذين استقصيناهم موجهين إليهم عدة أسئلة. هؤلاء الأشخاص يعتقدون أن الأمر يبدو متناقضاً بمجرد أن تصر الدولة على مراقبة التلفزيون المحلي بينما أصبح احتكار البث غير ذي جدوى، لا معنى له. الكتاب: التلفزيونات الفضائية العربية/ نظام إعلامي متطور 1960 - 2004 المؤلف: ثريا جعيبس ترجمة: فارس م. ضاهر الناشر: دار الفارابي ـ بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©