الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الولايات المتحدة تتعامل مع الشرق الأوسط بالأفكار الاستشراقية

الولايات المتحدة تتعامل مع الشرق الأوسط بالأفكار الاستشراقية
17 مارس 2010 20:33
العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط موضع اهتمام كثير من الباحثين العرب والاميركيين. وفي القاهرة صدرت ترجمة كتاب دوجلاس ليتل “الاستشراق الاميركي.. الولايات المتحدة والشرق الاوسط منذ 1945” قام بترجمته طلعت الشايب، وللوهلة الاولى يبدو ان العنوان الفرعي للكتاب هو الأكثر دقة وتعبيرا عن مضمونه، فنحن لسنا بإزاء كتاب في الاستشراق أو عنه، لكن الكتاب عن العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وبلدان المنطقة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لكن المؤلف وضع الاستشراق في العنوان، لأن الاميركيين “حين ذهبوا الى هناك” ـ حسب تعبيره ـ اي جاءوا الى المنطقة، جاءوا وأفكارهم عن المنطقة هي أفكار الاستشراق في القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، فقد كانوا يعتبرون شعوب المنطقة متخلفة، وكان هناك عداء للسامية وكانوا محملين بمشاعر الكراهية تجاه المسلمين واليهود، وظلت هذه المشاعر تنمو، لكن جاءت الحرب العالمية الثانية والهولوكست لتجعل الاميركيين يعيدون النظر في اليهود، ومع قيام دولة اسرائيل صارت المشاعر الاميركية تجاه اليهود مشاعر ودية واختفت نظرة الكراهية والرفض لهم، لكن بقيت نظرة الكراهية للعرب وللمسلمين تتعمق في الثقافة الاميركية، وحتى تسعينيات القرن العشرين كانت الأفكار الاستشراقية عن العرب والمسلمين تجد طريقها الى أفلام السينما الاميركية مثل “قائمة شندلر” و”أكاذيب حقيقية” وهي أفلام ذات إنتاج ضخم وانتشار واسع، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصلت تلك الأفكار الى غرف المعيشة للمواطن الاميركي من خلال شاشات الأخبار التي كانت تعرض الاسرائيليين المعتدلين في مواجهة العرب والمسلمين المتطرفين والراديكاليين من جانب والعرب والمسلمين الاغنياء القساة الغلاظ من جانب آخر. خلفية تاريخية لم تكن العلاقة بين الولايات المتحدة وبلاد المنطقة تسير في خط مستقيم بل تعرضت لصدمات مبكرة، فمع اقتراب نهاية الحرب العالمية الاولى صدر إعلان الرئيس الاميركي ويلسون عن حق الشعوب في الاستقلال، خاصة تلك التابعة للدولة العثمانية، وحين تأثر سعد زغلول في مصر وغيره من ثوار مصر بذلك الإعلان وقاموا بالثورة 1919 سارع الرئيس الاميركي الى التراجع عن تصريحه مجاملة لبريطانيا وفرنسا، فقد اكتشف أن الإعلان يتعارض مع اتفاقية سايكس بيكو، بين الدولتين الاستعماريتين. ويقول المؤلف الأميركي إن إعلان الرئيس ويلسون صدر عام 1918 ليحد من تأثير الثورة البلشفية وأفكار لينين على المستعمرات، فقد كان لينين عازما على تصدير الثورة الى الشعوب التي تقع تحت نير الاستعمار الغربي. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة المنطقة بقوة لعدة أسباب، منها ظهور البترول بكميات ضخمة، ودخول اميركا الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وظهور اسرائيل في المنطقة، وكانت سياسة اميركا في المنطقة تقوم على عدة أسس. أولها دفع العرب الى الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات مباشرة معها مع إقامة دولة فلسطينية وان تهتم بلاد المنطقة بالتنمية الداخلية وتحقيق نمو اقتصادي، وقادها ذلك الى عنصر العمل على تجنب ظهور الثورات في المنطقة فظهور ثورة في اي بلد عربي يعني ان يدخل الاتحاد السوفياتي المنطقة بالأفكار الشيوعية ولذا شجعت أميركا الشخصيات الإصلاحية في المنطقة مثل نوري السعيد في العراق والملك ادريس السنوسي في ليبيا والشاه محمد رضا بهلوي في إيران. وحاولت الولايات المتحدة ان تجتذب الرئيس عبدالناصر الى صفها وان يسير في فلكها وكانوا مستعدين ان يقدموا له الكثير في مقابل ان يدخل مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وهو ما رفضه عبدالناصر فقرروا الضغط عليه ليدفعوه الى ذلك الطريق ورفضوا تقديم السلاح للجيش المصري وكان مطلبهم ان يهتم ناصر بالتنمية، ففاجأهم هو بالاتجاه الى السوفيت والاعتراف بالصين الشيوعية، ولما قام عبدالناصر بتأميم قناة السويس في 1956 كانوا ضد الخطوة تماما وكانوا متعاطفين مع انجلترا وفرنسا لكن فوجئت اميركا بشن بريطانيا وفرنسا ومعهما اسرائيل العدوان الثلاثي على مصر، وكانت المفاجأة الثانية ان ايزنهاور بدا متعاطفا مع مصر، واستغل الاتحاد السوفيتي العدوان الثلاثي لدخول المجر بالدبابات، وحين استنجدت بريطانيا بالولايات المتحدة لإمدادها بالنفط رفض الرئيس ايزنهاور ان يمد يده اليهم، واعتبر قيامهم بالعدوان على مصر خيانة له، فقد تحركوا من وراء ظهره. وبعد العدوان عاودهم الأمل في ان يستعيدوا عبد الناصر وان يهتم بالتنمية لكن ناصر كان قد ذهب في الناحية السوفيتية والتقى مع زعماء عدم الانحياز، وأقام الوحدة مع سوريا. اتجاهان أميركيان ويقول المؤلف إن الإدارة الاميركية كان بها اتجاهان الأول يرى ان الوحدة مع سوريا خطر على اسرائيل وعلى العراق ـ نوري السعيد ـ ونشر الأفكار القوميية العربية بالمنطقة. والثاني رأى في وصول عبدالناصر الى سوريا حماية لها من ان تسقط بين الشيوعيين، خاصة ان عبدالناصر من أعماقه كان ضد الشيوعية ثم تطورت الأمور في الناحية التي لا تريدها الولايات المتحدة فقد قامت ثورة العراق عام 1958 وأطاح عبدالكريم قاسم بنوري السعيد الذي كانت الولايات المتحدة مطمئنة اليه وتعتبره نموذجا للإخلاص كما يجب ان يكون ثم وقع الانفصال بين مصر وسوريا وحكم البعث سوريا، واقترب كثيرا من الاتحاد السوفيتي ثم قامت ثورة اليمن وزحفت القوات المسلحة المصرية الى هناك، وبدا ان افكار القومية العربية والثورة تجتاح المنطقة واعتبر ثوار اليمن وسوريا والعراق ومصر رجال السوفيت في المنطقة، واعتبرت اميركا عبدالناصر عدوا رئيسيا لها ومنح عبدالناصر الرئيس جونسون واسرائيل الفرصة حين أغلق خليج العقبة وطرد قوات الأمم المتحدة في مايو 1967 مما مكن إسرائيل من تدمير الجيش المصري واحتلال سيناء وباقي فلسطين والجولان، وتباعدت فرص السلام. وجاء الرئيس السادات متجها الى اميركا ووسط هذا كله قامت الثورة الايرانية في 1979 وتطورت الأمور في المنطقة وظهر عدو جديد لامريكا في المنطقة ليس شيوعيا بل يتمثل في التيارات الجهادية الى ان وقعت احداث 11 سبتمبر 2001 وجاءت ادارة بوش الإبن لتعيد إحياء كل الآراء والأفكار الاستشراقية عن العرب والمسلمين. الكتاب: الاستشراق الاميركي ـ الولايات المتحدة والشرق الاوسط منذ 1945 المؤلف: دوجلاس ليتل ترجمة وتقديم: طلعت الشايب الناشر: المركز القومي المصري للترجمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©