الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كلمني شكرا» معزوفة واقعية جديدة على وتر العشوائيات

«كلمني شكرا» معزوفة واقعية جديدة على وتر العشوائيات
17 مارس 2010 20:41
يقدم المخرج خالد يوسف للمرة الثالثة صورة سينمائية لعالم العشوائيات والمهمشين في أحدث أفلامه “كلمني شكراً” يمتزج فيها الشجن بالسعادة والدموع بالأمل ويرصد لوحة تتعانق فيها قتامة الواقع بومضات من أحلام وخيالات مشروعة وكأنه يعيش مشاكل هذا العالم. الفكرة كتبها الممثل عمرو سعد بطل “حين ميسرة” و”دكان شحاتة” والذي استسلم لرغبة مكتشفه عندما رشح للفيلم عمرو عبد الجليل في اول بطولة مطلقة له منذ سنوات حيث كانت بطولته الاولى مع المخرج الراحل يوسف شاهين في “اسكندرية كمان وكمان” قبل تسعة عشر عاماً. “كلمني شكراً” سيناريو وحوار سيد فؤاد في أولى تجاربه السينمائية وبطولة عمرو عبد الجليل وغادة عبدالرازق وشويكار وماجد المصري كضيف شرف وشادي خلف وصبري فواز ومجموعة من الوجوه الشابة أمثال ايمان ابوالمجد وحورية فرغلي ورامي غيط. وتدور الأحداث في أحد الأحياء العشوائية “عزبة حليمة” حيث يعيش “ابراهيم توشكي” الذي يلقبونه بالنجم لأنه يحترف الظهور في برامج “التوك شو” التي تقدمها إحدى الفضائيات تتحدث عن المشاكل والسلبيات الاجتماعية ومعظمها قضايا بالغة الحساسية ومسيئة وهذه حقيقة نتابعها جميعاً عبر الفضائيات التي لاتجرؤ على مناقشة قضايا مماثلة في بلدانها مما يفجر الكوميديا، ويثور ابراهيم توشكي وينفعل لأن المخرج أخفى وجهه وهو يتحدث عن فضيحة مر بها ويحاول أبناء الحي تهدئته بينما يرى أنه فقد فرصة حقيقية ليراه المنتجون والمخرجون ويمنحوه البطولة السينمائية التي ينتظرها منذ سنوات. ونتعرف إلى والدة توشكي (الفنانة شويكار) التي تجلس أمام المنزل تبيع الحلوى في واجهة زجاجية صغيرة وشقيقة توشكي “هبة” الممرضة المخطوبة “لزين كآبة” الحائز مؤهل جامعي ويمارس أي عمل عشوائي ليحصل على جنيهات قليلة وكلما أصابه الإحباط يعلن أنه سوف ينتحر ويلجأ الى مشنقة صنعها على شجرة ضخمة في وسط الحي ويري ابراهيم أنه لا أمل في تحسن الأحوال ولذلك يوافق على زواج شقيقته واقامتها وزوجها معهم في نفس المنزل المكون من حجرتين. ومن سكان الحي العشوائي نرى “أشجان” الفتاة الجميلة المثيرة التي عادت بعد غياب ومعها ابنها والكل ينظر اليها على أنها سيئة السمعة ومع ذلك لايعترضون على وجودها والتعاطف معها أحيانا، أما الخباز “عرابي الديب” فهو يدعي التدين ويطلق لحيته ويتاجر في الدقيق المدعم من الحكومة ويشارك توشكي وباقي أبناء الحي شرب الخمور وتدخين الحشيش في منطقة مهجورة قريبة من الحي وبعد أن ينتهي الكبار نرى اطفال الحي يحتلون المكان نفسه ليمارسوا تدخين ما تبقى من الكبار. الفيلم مليء بالنماذج الواقعية والقصص الملغمة بأمراض العشوائيات لكنه يقدم مبررات لتحايل هذه الشريحة على الظروف القاسية من أجل استمرار الحياة لنرى الجميع مضطراً للتنازل عن الشرف والأخلاق والقيم مقابل حق الحياة وتبقى الأم (شويكار) رمزاً لما تبقى من ضمير لكنها هي الأخرى تتنازل في لحظه لإرضاء ابنها وتحت ضغط المادة تقبل المشاركة في احدى حلقات برنامج الفضائح المفبرك والكل يسقط وان اختلفت المعايير فإذا كانت “اشجان” لا تجد وسيلة إلا الاتجار في جسدها فإن شقيقتها الصغرى تمارس دعارة من نوع جديد عن طريق الانترنت لتحصل على قيمة كروت شحن للموبايل. حتى المحامي يقبل أن يبيع توشكي لغريمه شادى خلف مقابل ألفين من الجنيهات. الفقر والبطالة والإهمال والافتقار الى الحد الأدنى من سبل الحياة واحتكار الأغنياء حتى لمباريات كرة القدم وجدها السينارست سيد فؤاد مبررات كافية للتعاطف مع عالم خالد يوسف العشوائي. وتمضي الأحداث بتوشكي ونجده يتطلع للزواج بجارته “عبلة” (داليا ابراهيم) رغم مطاردة “أشجان” له وتهديدها له بإعلام الجميع بأن “علي” ابنه وقبل “توشكي” أن يتزوجها عرفياً حتى يتجنب الفضيحة ويشهد على الزواج عرابي الديب الفران وزين كآبه زوج شقيقته ولا تمر أيام إلا ويتقدم توشكي لخطبة جارته “عبلة” ـ داليا ابراهيم ـ بعد أن اتفق مع زوج شقيقته على سرقة الورقة العرفية ولكن “أشجان” تعلن للجميع أن ابنها “علي” هو ابن “توشكي” وأنها كانت زوجته ويتم فسخ خطبة “ابراهيم “ الذي يحاول إنكار الزواج من “أشجان” وإنكار الطفل ولكن خطيبته تصارحه انها لم تعد راغبة في الارتباط به لأن من يفرط في ابنه لا يؤتمن على أي انسان ولأن المخرج أرادها نهاية سعيدة يظهر البلطجي الشهير “صلاح معارك” الزوج السابق لأشجان بعد خروجه من السجن وتستعيد أشجان ابنها وسط رجاله بينما اهالي الحارة جميعاً في حالة رعب وبعد لحظات يقرر “توشكي” الذهاب الى “صلاح” معارك ليستعيد ابنه ويناصره أبناء الحارة في مشهد ملحمي وتكون النهاية السعيدة ويعود الجميع لعزبة حليمة ويجد “توشكي” خطيبته السابقة تعود إليه وفي اللحظه التي يفرح فيها الجميع تظهر سيارة الشرطة من جديد للقبض على “توشكي” الذي اصبح بطلاً وينصحه أصدقاؤه بالهرب ولكنه يفضل الاستسلام لينفذ حكم الحبس لمدة ستة شهور بدلاً من أن يظل مطارداً لسنوات. وانتصر خالد يوسف للمهمشين وأحلامهم المشروعة مؤكداً أن وسيلتهم الوحيدة لتحقيقها هي التحايل على القانون وجعلهم أبطالًا كل منهم شخصية فيها الخير والشر ولكنه احبهم وقدم صورة بالغة العمق والثراء لاتخلو من المتعة البصرية ورغم أن الكاميرا لم تغادر عزبة حليمة في اغلب المشاهد فقد استطاع ان يجعل المشاهد مشدوداً ومتعاطفاً مع عالمهم بكل ما يتضمنه من آمال محبطة وأحلام بسيطة ورغبة مشروعة في الحياة. وتميز السيناريست سيد فؤاد في اولى تجاربه السينمائية من خلال مقدرته على اختيار تفاصيل تعكس الواقع وتناقضاته اما الموسيقى التي قدمها خالد حماد فتضافرت مع الأغاني التي اختارها بعناية خالد يوسف لتكمل الصورة ولعب الديكور دوراً ورصدت كاميرا مدير التصوير سمير بهزان ما في اعماق الشخصيات من مشاعر ولم تتوقف عند ابعاد الكادر السينمائي وكانت لمسات المونتيرة غادة عزالدين موثرة على الإيقاع النابض الذي ميز الشريط السنيمائي واستخدمت قدراتها في اختصار وتكثيف الاحداث. أداء عمرو عبد الجليل التلقائي وخفة ظله يؤكدان أنه افضل من يجسد هذه الشخصية أما غادة عبد الرازق فهي تزداد نضجاً مع كل شخصية تجسدها ورغم غيابها الطويل عن السينما استولت شويكار على القلوب والمشاعر بحضورها المميز وسجلت واحداً من أجمل أدوارها ولا يمكن أن ننسى مشهدين لها الاول وهي تركب المراجيح وضحكتها الطفولية من الاعماق والثاني وهي ترجو ابنها أن يصفعها على وجهها تنفيذاً لرغبة المخرج والدموع تملأ وجهها وأدى صبرى فواز دور عرابي الفران بتميز لافت ونجحت الوجوه الجديدة رامي غيط وحورية وايمان ابو المجد في التعامل بفهم ووعي مع الشخصيات واستطاع ماجد المصري ان يسجل حضوراً مميزاً كضيف شرف في مشهدين كانا بمثابة ماستر سين. “كلمني شكراً” بداية قوية لسنيما 2010 ونغمة أكثر تفاؤلًا في دنيا المهمشين وساكني العشوائيات ويحسب للمخرج خالد يوسف اختياراته لأبطال الفيلم وفريق العمل المتناغم الذي قدم وجبة فنية متكاملة الى حد كبير لولا بعض المبالغة في ملابس شخصية “أشجان” غادة عبد الرازق فلايمكن أن نرى امرأة في العشوائيات تسير طوال الوقت بملابس تكشف صدرها حتى لو كانت راقصة او ساقطة ولايمكن أن تتغاضى الشرطة وتتسامح مع سارقي القنوات المشفرة إلا بناء على تعليمات المخرج الذي حرص على مصالحة وزارة الداخلية بأكثر من مشهد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©