الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

محمد بن زايد يشهد محاضرة التسامح كقيمة إنسانية

محمد بن زايد يشهد محاضرة التسامح كقيمة إنسانية
7 نوفمبر 2007 04:07
شهد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة محاضرة فكرية بعنوان ''التسامح كقيمة إنسانية''، ألقاها الدكتور أحمد مبارك البغدادي أستاذ الفكر السياسي الإسلامي بقسم العلوم السياسية في جامعة الكويت· وتأتي هذه المحاضرة استكمالا لبرنامج المحاضرات الفكرية التي يستضيفها سموه في مجلسه منذ شهر رمضان المبارك، بهدف خلق مساحة مشتركة للحوار والتفاهم وتبادل الآراء وتداول الأفكار حول عدد من الموضوعات الهامة والقضايا الراهنة· وحذر البغدادي في محاضرته التي قدم لها راشد صالح العريمي أمين عام جائزة زايد للكتاب رئيس تحرير جريدة الاتحاد ، من أن العالم العربي يتجه نحو عدم التسامح بسبب هيمنة الفكر الديني، مؤكدا أن الموضوع مهم جدا ومصيري بالنسبة لنا كعرب ومسلمين في ظل الاتهام العالمي لنا بالإرهاب، خصوصا وأن هناك بعض التصرفات والممارسات التي تدفع الآخرين إلى إدانة العرب والمسلمين· واستعرض المحاضر أمثلة على عدم التسامح في المجتمعات العربية، مشيرا إلى رفض مجلس الأمة في الكويت بناء مسجد لطائفة البهرة، فيما رفضت المحاكم المصرية الاعتراف بالبهائية، معتبرا مثل هذه الممارسات تؤدي إلى تدني الدول في سلم التسامح على مستوى العالم· وكان البغدادي قد بدأ في محاضرته بالحديث عن مفهوم التسامح بصورة عامة وهو قبول الآخر أيا كان وبغض النظر عن لونه وعرقه وديانته ومذهبه وبدون شروط مسبقة، وهو وليد العصر الحديث من القرن السادس عشر· وتحدث عن الأسباب التاريخية لنشوء ظاهرة التسامح، منها الصراع الديني بين البروتستانت والكاثوليك الذي استمر 30عاما في بريطانيا، حيث طرح بعدها تساؤل المفكرين هل من الممكن والمعقول أن يحدث هذا الدمار والقتل والحروب ويتوتر المجتمع بسسب الدين؟ عندها برزت فكرة التسامح· التسامح وأوضح المحاضر أن هذا الحوار والكتابات أوصلت العالم الغربي إلى نتيجة أن التسامح حالة اجتماعية في الأساس ويجب أن ننظر إليها فقط داخل الدولة وليس خارجها، حيث أن السياسة الخارجية مبنية على المصالح، فمن قد يكون صديقا اليوم قد لا يكون كذلك غدا ومن يستحق التسامح اليوم قد لا يستحقه في الغد، وبالتالي فإن سياسة التعامل مع الخارج مختلفة تماما مع الداخل· وأكد أن التسامح في الداخل ضرورة ويجب على الدولة أن تفرضه على الأفراد والمجتمع، بل وتعاقب مع يعارض ذلك· واعتبر أن عدم الالتزام بالتسامح في الداخل سيخلق توترا وعدم استقرار إلى درجة يرى فيه البعض أن عدم التسامح في الداخل جرم يجب أن يعاقب عليه من يتبناه، لأننا بحاجة إلى الاستقرار والأمن الداخلي والانسجام والتناغم والعيش بسلام· الإعلان العالمي وأوضح أن التطور في مفهوم التسامح انعكس على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 بعد أن مر العالم بحربين دفع ثمنهما ما يقارب 60 مليون شخص وتحتفل به كل عام في العاشر من ديسمبر،وهي تذكر دائما الحكومات بأهمية الإعلان العالمي، في جوهره، وهو أن يتسامح الناس داخل مجتمعاتهم حتى يكون لديهم انسجام قائم على المبادئ الإنسانية، بما يتوافق مع الفكر اللبيرالي القائم وقال: ''بالرغم من أن الدول العربية قد وقّعت على مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا أنها تحفظت على بعض المواد مثل حق المرأة في الزواج بمن تشاء أو حرية الشخص في تغيير دينه، وهي تحفظات قائمة على أسس دينية·'' وأوضح أنه في عصر العولمة أصبحت المؤسسات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية كمنظمات حقوق الإنسان تصدر تقارير حول مدى التزام دول العالم بإعلان حقوق الإنسان، حيث أصبحت العديد من الدول تخشى أن يظهر اسمها في تقارير هذه المؤسسات، لافتا إلى أن هناك تحركا واسعا على مستوى العالم، وما من دولة قادرة على الانفلات من هذه المسؤولية· غياب التسامح واستعرض البغدادي ما اعتبره شواهد مادية تدل على أن التسامح لم يتحول إلى سلوك في العالم العربي، ضاربا المثال بالمناهج التعليمية عند العرب وفي إسرائيل أيضا حيث أن هذه المناهج غير متسامحة، لأنها تحرض على كراهية الآخر وتصنيفه وإصدار حكم عليه، كما أن القوانين التي تصدرها تفرض حالة من عدم التسامح مع المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي الآخر والذين ينتمون إلى أديان غير سماوية كالهندوسية والبوذية والمجوسية· كما اعتبر الموقف تجاه المرأة غير متسامح في العالم العربي على المستوى الاجتماعي وعلى مستوى الدولة، وكذلك انعدام التسامح مع فئات معينة كالعلمانيين أو الذين يصنفون أنفسهم كملاحدة ويديرون مواقع إلكترونية· ومن صور تنامي عدم التسامح في المجتمعات العربية ضرب المحاضر مثالا بتنامي روح المذهبية في المجتمع الكويتي، لافتا إلى أنه في السابق لم يكن الكويتي يصنف أفراد المجتمع على أساس أن فلانا سني أو شيعي، إلا أنه في الوقت الحاضر وبعد تنامي موجة المذهبية في المنطقة، فإنه وحسب دراسة ميدانية أجريت على طلاب المدارس وجه إليهم سؤال، ماذا تعتبر نفسك، فكان العديد من الإجابات صنّف فيها الطالب نفسه على أنه سني أو شيعي، مما يعني تنامي الحس المذهبي بين أفراد المجتمع بدلا عن المواطنة، مما يدل على انخفاض مستوى التسامح· وأضح أننا في مجتمعاتنا نصدر أحكاما على الأشخاص بأنهم ''كفرة'' إذا أصدروا سلوكا لا يتفق مع اعتقاداتنا، وضرب مثالا بأن الشخص الذي لا يذهب لصلاة الجمعة يقال عنه ''كافر''، معتبرا أن هذه الكلمة لم تعد موجودة في القاموس الدولي وليست واردة على الذهنية الإنسانية وغير متداولة، إلا أننا نستخدمها وللأسف· التسامح مع التيار الديني انتقل البغدادي إلى مناقشة تساؤل مطروح حول كيفية التعامل مع من لا يقبل التسامح مثل الفكر النازي وأتباع التيار الديني، وهل التسامح مطلوب ومرغوب مع من لا يؤمن به؟ مشيرا إلى أن هناك رأيين في هذه المسألة، الأول يدعو إلى التعامل معهم بالتسامح بالرغم من عدم إيمانهم به وقبولهم له حتى يعوا أهمية التسامح لعل وعسى أن يتأثروا به ثم يغيروا من مواقفهم· وهناك رأي آخر يرفض التسامح مع من لا يقبله ويرى أنه لا حوار مع من لا يقبل التسامح، معتبرا أن المسألة ليست حاسمة في كيفية التعامل معهم· وحول موضوع التسامح مع الإسلاميين أو الذين يسميهم الدكتور البغدادي بأصحاب التيار الديني، أوضح أنه يتبنى شخصيا الرأي القائل بأنه لا ينبغي التسامح مع من يرفض قيمة التسامح الإنسانية· وقال إنه لابد لوجود أرضية مشتركة حتى يتفاهم مع الذي يخالفه في الرأي، إلا أنه مع أصحاب التيار الديني فلا توجد أصلا أرضية مشتركة· وقال: ''إن صاحب التوجه الديني مستعد لأن يكفرني ويحرض الآخرين ضدي وعلى قتلي لمجرد اختلافي معه في الرأي، ويرفض أن يرد على الرأي برأي مماثل، فهذا الشخص لا يستحق الاحترام ولا التسامح، لأنه هو أصلا رافض الحوار أصلا مع مخالفه الرأي·'' وأضاف: ''هناك دعوات كثيرة رفعها ضدي أصحاب التيار الديني والتي لا تقل عن 150 إحالة إلى النيابة منها إدانات ومنها سجن ومنها أحكام· فعندما يحول شخص حياتي إلى جحيم كيف يمكن أن أكون متسامحا معه·'' التسامح في الإسلام تحدث البغدادي في نهاية المحاضرة عن التسامح في الإسلام، حيث قسم المحاضر التسامح إلى مرحلتين، مرحلة الفترة المكية التي اعتبرها فترة تسامح، حيث وجه الله تعالى الرسول ''صلى الله عليه وسلم'' ''إنما عليك البلاغ'' و ''فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين''، وهناك من يدعو إلى اعتماد هذه المبادئ العامة وهي مبادئ إنسانية، حيث أن الآيات دائما تتجه في الخطاب إلى ''يا أيها الناس''،أما في الفترة المدنية فأصبح للدولة أعداء من يهود ومشركي قريش، وأصبح هناك توسع للإسلام من خلال الجهاد، فأوضح المحاضر أنه كان من المستحيل تبني سياسة التسامح، وكان لزاما اتباع التشدد لأن الدولة في حالة حرب· واعتبر أن المشكلة هو في فهمنا لطبيعة هاتين المرحلتين ولضرورات اتباع سياسة التشدد مع الآخر، فنأتي الآن لكي نتبنى التشدد ونتجاهل الآيات التي فيها التسامح، حيث يقول المفسرون أن سورة التوبة التي لا تبدأ بالبسملة نسخت 82 آية وهي الآيات التي فيها تسامح، مؤكدا أننا ''يجب أن نأخذ الأمر بنسبية، وأن نرتقي بخطابنا إلى مستوى الخطاب العالمي وأن نكلم الناس ولا نكلم فقط المؤمنين، حتى يكون لنا موقع في عصر العولمة· أما إذا أصررنا على مسألة قتال الكافر وتقسيم العالم إلى فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر كما يرى ابن لادن، وتلك الفتاوى التكفيرية بعدم تهنئة المسيحيين في أعيادهم، فإننا سنكون بعيدين جدا عن التسامح كقيمة إنسانية·'' مناهج التعليم في الكويت قال المحاضر إن الكويت مرت على مرحلتين في التعليم، مرحلة المد القومي، حيث جاءت المناهج خلالها قومية إنسانية، إلا أنه بعد أن هيمن اليوم التيار الديني من الحركة الدستورية والسلف، وأكثرهم من الإخوان المسلمين على وزارة التربية والتعليم، فزادوا للأسف من حصص الدين في المدارس، وتدخلوا في مناهج المدارس الأجنبية· وأنا أدعو إلى التقليل من دروس الدين والإكثار من المواد العلمية واللغة العربية، لأن العصر عصر العلم في الدرجة الأولى· وأنا أدعو في الكويت إلى إغلاق كلية الشريعة وتحويلها إلى كلية القانون· التسامح والقبليّة من الصور التي رأى المحاضر أنها تدل على عدم التسامح مسألة التشبث بالقبلية، لافتا إلى أنه كان في إحدى الدول الخليجية وكان شخص يريد التقدم في إدارة المرور بطلب للحصول على رخصة القيادة، فطُلب منه خلال تعبئة الطلب ذكر اسم قبيلته، وتساءل عن مدى أهمية ذلك للحصول على رخصة القيادة وهل تعتبر القبيلة مقياسا للحصول على رخصة القيادة! ودعا إلى التعامل مع الأفراد على أساس المواطنة دون التركيز على القبيلة أو الديانة، وذِكر ذلك في بطاقات الهوية الشخصية، حتى لا يشعر الطرف بالتحيز ضده بسبب مذهبه أو ديانته أو قبيلته· دور الـدولـــة أكد المحاضر أن مهمة الدولة من خلال التعليم والإعلام والصحافة أن تمنع كل ما من شأنه أن يمنع هذا التسامح خصوصا بالنسبة للفتاوى التي تكفر الآخر، ويجب أن يتحول التسامح إلى روح وليس إلى مجرد نصوص· وقال المحاضر إن التسامح يجب أن يكون حالة إنسانية نتبناها ونعمل بها، ونبدأ مع أنفسنا لينعكس سلوكا في علاقتنا مع الآخر، وعلى الدولة أن ترسخها ممارسة في المجتمع من خلال التعليم لتكييف الشخصية الإنسانية، حيث أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون تسامح منوها بحالة التعايش والتسامح في دولة الإمارات· وأضاف: مثلما أنه من حق المسلمين بناء 1200 مسجد في الولايات المتحدة وبناء مسجد حتى في روما عاصمة الكاثوليكية، فإنه من حق الآخرين أن تعاملهم بالمثل وتتسامح معهم·وقال: ''هذا يدل على أن الشخصية المسلمة تعيش تناقضا بين أنها تريد أن تفرض على الآخرين فيما تعتقد أنه صحيح، وليس بالضرورة أن يكون كذلك، فكل إنسان لديه دينه، ويعتبره الدين الحق·'' الحضور شهد المحاضرة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، وسمو الشيخ الدكتور سلطان بن خليفة آل نهيان وسمو الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان رئيس دائرة المالية، والعميد الركن الدكتور الشيخ سعيد بن محمد آل نهيان نائب المفتش العام بوزارة الداخلية، ومعالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان وزير الأشغال، ومعالي الشيخ أحمد بن سيف آل نهيان رئيس مجلس إدارة طيران الاتحاد، ومعالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة، إلى جانب عدد من الشيوخ والوزراء والمسؤولين وشخصيات نسائية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©