الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطيون··· والتصويت في صالح التعذيب!

الديمقراطيون··· والتصويت في صالح التعذيب!
8 نوفمبر 2007 02:38
صوتت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي بالموافقة على تعيين ''مايكل موكاسي'' وزيرا جديدا للعدل هذا الأسبوع، الشيء المثير للدهشة حقا، هو حجم التأييد الذي حظي به الوزير الجديد من الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة، الذين يبدون مصممين على تجاهل شيء يبدو واضحا أنهم يرونه على أنه مجرد عيب بسيط في شخصية المرشح، وهو رفضه شجب الممارسة الشائنة المعروفة باسم ''الإيهام بالغرق'' ورغبته الواضحة في ممارسة الكذب لتجنب مناقشة المسألة· كانت اللحظة المنتظرة في جلسات الاستماع الخاصة بالتصديق على تعيين وزير العدل، هي تلك اللحظة التي وجه فيها ''ويب ديك ديربن'' العضو الديمقراطي، سؤالا مباشرا لـ''موكاسي'' عن تلك الممارسة التعذيبية السيئة السمعة المعروفة باسم ''الإيهام بالغرق'' - تستخدمها الـ''سي·آي·إيه''- ويتم فيها تقييد الشخص المراد تعذيبه على لوح خشبي، بعد تغطية وجهه بإحكام باستخدام منشفة، ثم صب الماء عليه بكميات كبيرة بحيث لا يعود قادرا على التنفس ويخيل إليه أنه يتعرض فعلا للغرق· ورغم اعتبار هذه الممارسة تعذيبا سواء في نظر القانون الدولي، أو القانون الأميركي، إلا أن ''موكاسي'' بدا وكأنه قد تحول إلى نسخة طبق الأصل من سابقه في المنصب ''ألبرتو جونزاليس''، وذلك عندما قدم سلسلة من الإجابات المراوغة التي انتهت به في النهاية إلى الكذب· في البداية قال إنه لا يؤيد التعذيب لأنه يعد انتهاكا للدستور الأميركي، وهي تقريبا الإجابة التي يرددها ''بوش'' دائما في الإجابة عن هذا السؤال أو أسئلة شبيهة، وعندما حاول أعضاء مجلس الشيوخ الضغط على ''موكاسي'' لدفعه لتجاوز العبارة المحفوظة التي يرددها بوش دائما، رفض في البداية، ثم قال شيئا جعل معظم الحاضرين يشهقون من الدهشة: ''لست أدري بالضبط ما هو المقصود بهذا التكنيك''!!· هناك تفسيران فقط لهذه الإجابة، وكل منهما يستحق في حد ذاته أن يكون سببا لتصويت الأعضاء ضد تثبيته في منصبه· الأول: أن أكثر المرشحين جهلا في تاريخ أميركا يعرف أن التعذيب- والإيهام بالغرق تحديدا- يعد واحدا من أهم الموضوعات التي تواجه وزارة العدل ويتم مناقشتها في جلسات الاستماع بالكونجرس، كما نوقش من قبل آلاف المرات -حرفيا- في وسائل الإعلام خلال السنوات الست الماضية· أما الاحتمال الثاني وهو الأكثر ترجيحا فهو أن ''موكاسي'' كان يكذب· هناك توجه جديد في مجتمعنا ينحو إلى التغاضي عن الكذب والتسامح معه خصوصا عندما يتعلق بموظف عمومي؛ فعندما يرتكب أحد الموظفين العموميين رذيلة الكذب، فإننا لم نعد نسميه كذبا عادة وإنما نميل لأن نطلق عليه توصيفات مختلفة كالقول: بأن المسؤول الكذاب ''يحاول أن يؤمن نفسه'' أو أنه ''يختلق أقوالا'' ولا نصفه صراحة بأنه كذاب· الشيء المثير للدهشة حقا أن الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة يبدون راغبين في تجاوز شهادة المرشح المراوغة والمضللة، ويصرون على المضي قدما في إجراءات تثبيته، وكأن التعذيب مجرد مسألة هامشية أو ملتبسة· وحتى الأعضاء الديمقراطيين الذين رفعوا أصواتهم عاليا ضد الممارسات التعذيبية مثل ''تشك شومر''، لم يترددوا في إغداق الثناء والمجاملات على ''موكاسي'' بسبب ''استقلاله الفكري''، وكأن العقل المستقل وحده يكفي دونما حاجة لسند أخلاقي يدعمه! إن ما يبدو واضحا أمامنا، هو أن الديمقراطيين الذين يعرفون أن نتائج استطلاع الرأي لم تعد في صالح الجمهوريين، يأملون أن يكسبوا معركة تثبيت الوزير الجديد في منصبه، دون أن يتركوا أثرا وراءهم، فهم يريدون أن يشجبوا التعذيب، ولكنهم في نفس الوقت لا يريدون أن ينفقوا رأس المال السياسي الذي يتطلبه خوض معركة التثبيت التي يمكن أن تتحول إلى معركة خطرة ومستهلكة للوقت· ولكنهم في الحقيقة يرتكبون خطأ بالغا عندما يفكرون بهذه الطريقة، لأنه مهما كانت المؤهلات التي يحوزها ''موكاسي'' -وهي كثيرة- ومهما كان استقلاله الفكري، إلا أن ذلك لا يغفر له اتخاذ موقف مبهم وغير محدد المعالم بشأن التعذيب، لأن مثل هذا الموقف يكفي في حد ذاته لأن يكون سببا يحول دون تثبيته في منصبه· والمشكلة أن موضوع التعذيب ليس الوحيد الذي كان يجب أن يحول دون تثبيت ''موكاسي'' في منصبه، حيث نجد أنه قد اتخذ أيضا موقفا معارضا بشأن قانون لحماية الصحفيين، كما أنه يدعو لسن قواعد قانونية مختلفة للأشخاص المتهمين بالإرهاب، على الرغم من المبدأ القانوني الراسخ الذي يقول إنه من حق جميع المتهمين الحصول على معاملة قانونية سليمة وعادلة وموحدة· هذه المسائل مع ذلك خارجة عن موضوعنا، والمهم الآن في نظرنا هو موقف ''موكاسي'' من التعذيب، لأن التعذيب موضوع لا يتعلق بالتعريف فقط، وإنما يتعلق أيضا بسمعة أميركا ذاتها كما أنه الموضوع الذي يمكن أن يميز بين الأمة التي تحارب من أجل مبدأ سيادة القانون، وبين الأمة التي تمثل تهديدا لهذا المبدأ· وإذا ما كان أعضاء مجلس الشيوخ يرون حقا أن التعذيب مسألة غير أخلاقية فيجدر بهم إذن أن يصوتوا ضد تثبيت ''موكاسي''· أستاذ القانون بجامعة جورج واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©