الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطوات للإصلاح... المواطنَة لا الطائفة

13 فبراير 2011 21:53
صليبا صرصر أستاذ في العلوم السياسية بجامعة مانماوث بنيوجيرسي لعل ما تم نسيانه، مع التجاذب السياسي في العراق والتحولات الراهنة في تونس ومصر، هو الهجمات على الأقليات الدينية التي جرت خلال شهر واحد فقط. ولكن مع ظهور بوادر حركات ديمقراطية في أجزاء متعددة من الشرق الأوسط، هناك فرصة جديدة لإحداث تغيير ضروري في آليات احتواء أي تمييز ديني كذلك الذي شهدناه خلال احتقانات الشهر الماضي، حينما تم استهداف بعض أقليات المنطقة. ومما يلزم التنويه إليه هنا ابتداءً أن الهجمات التفجيرية ضد الجاليات المسيحية في مصر والعراق قد صدرت ضدها إدانات عميقة وواسعة من قبل معظم القادة السياسيين والدينيين في المنطقة، وكذلك من قبل الأغلبية الساحقة من الجماهير في العالم العربي. إلا أن هذه الهجمات، زيادة على كونها مؤسفة، ينبغي اعتبارها تذكيراً بضرورة تغيير ثقافة الاستثناء والإقصاء والخوف من الآخر في منطقة الشرق الأوسط. وقد كانت إدانة رئيس الوزراء العراقي لحصار 31 أكتوبر 2010 للكنيسة الكاثوليكية في بغداد، حيث قتل ما يزيد على 50 مصليّاً، عملاً صحيحاً ويستحق التسجيل. وكذلك الأمر بالنسبة لزيادة الاحتياطات الأمنية على أماكن العبادة المسيحية وتشكيل لجنة تحقيق في الحادث. وفي مصر، حيث قتل هجوم انتحاري خارج كنيسة القديسين القبطية في الإسكندرية ما لا يقل عن 25 شخصاً وأصاب 70 أثناء قداس ليلة رأس السنة، وجه الرئيس المصري السابق نداءً قويّاً إلى مسلمي ومسيحيي مصر من أجل الوقوف متحدين في وجه الإرهاب، وكان هذا أيضاً موقفاً قويّاً وبحجم الحدث. ولكن تبقى الحقيقة في معظم بلدان المنطقة الشرق أوسطية هي أن المسؤولين عن مثل تلك الأعمال نادراً ما يتم إحضارهم إلى المحكمة، وذلك لتعقيدات كثيرة، لا حصر لها. وهو واقع قد يؤدي أحياناً إلى مناخ من ثقافة الإفلات من العقاب من ناحية، وإعطاء انطباع لدى البعض بوجود تمييز ديني وتوتر اجتماعي من ناحية أخرى. وفي مصر، حضر آلاف من المسلمين قداس عيد الميلاد القبطي في بداية شهر يناير إلى جانب مواطنيهم المسيحيين، مظهرين تضامنهم وجاعلين من أنفسهم دروعاً بشرية. وقد عقب الرئيس السابق على الهجوم قائلاً: "لقد هز هذا العمل الإرهابي ضمير الأمة وصدم مشاعرنا وتسبب في الأذى لقلوب المسيحيين والأقباط في مصر"، ولكن، على رغم النوايا والجهود المتواصلة، وكما هو الحال في العراق، لم يتم الإمساك، بشكل قطعي، بالأطراف التي تقف وراء ذلك الهجوم الشنيع، من أجل محاكمتها بشكل صارم، ووفق ما يقتضيه القانون. وفي مواجهة التهديدات المحدقة والاحتقانات المزمنة، ليس مفاجئاً أبداً أن يضطر المسيحيون من محافظات العراق الوسطى للهرب إلى المناطق الكردية ذات الحكم الذاتي أو حتى إلى الدول المجاورة. وقد انخفض عدد العراقيين المسيحيين بشدة منذ بداية الغزو الأميركي عام 2003، وهو اليوم يقف عند أرقام منخفضة للغاية، مقارنة مع حجمهم التاريخي في النسيج السكاني لبلاد الرافدين. وبالمثل، ليس أيضاً من الغريب أو المفاجئ أن يشعر بعض المسيحيين في بلدان شرق أوسطية أخرى عديدة بالتهميش وأن تراود بعضهم هواجس الرغبة في المغادرة والهجرة خارج أوطانهم التاريخية. والمحزن أن التمييز أو الاستبعاد الديني يحدث في بلدان عديدة لا تعترف بحرّية ممارسة الأديان بالطريقة المناسبة، ولا تحمي الأقليات الدينية بالقدر الكافي. وإضافة إلى ذلك، يعتبر البعض النظام الطائفي في بعض البلدان الشرق أوسطية، الذي يوزع المناصب السياسية على أسس دينية، تمييزيّاً هو الآخر، وإن كان ذلك بمعنى مختلف. وفي المجمل يتعين على دول الشرق الأوسط التي تحاول تصحيح هذا الوضع أن تسعى لتحقيق نظام تعايش تعددي حيث المواطَنة هي الأساس الوحيد للانتماء والاندماج في النسيج الوطني للمجتمع. ولا مكان فيه للمفاضلة الدينية أو الاستقطاب الطائفي والتمييز ضد الآخر بأي حال. وحتى تتسنى مجابهة التطرف الذي يحفزه التشدد الديني، يتعين على مجتمعات الشرق الأوسط إيجاد مناهج تعليمية للمدارس تشجّع الحوار والتعايش الاجتماعي بين أتباع الديانات المختلفة. على أن تعمل المناهج والخطط التعليمية على جعل المعلمين والطلبة على حد سواء يكتسبون تقديراً قويّاً للقوانين القائمة بما يساعدهم على أن يصبحوا مدافعين عن قوانين وقيم المساواة الدينية للجميع. وينبغي أن تركّز المناهج كذلك على الأساليب اللاعنفية للعمل من خلال تحفيز ثقافة الحوار والتفاهم وحل الخلافات مع الآخرين من دون أي تشدد أو تعصب ديني أو إيديولوجي. وإضافة إلى ذلك، ينبغي تعليم الطلبة قيم التعايش المشترك، وتوسيع مداركهم حتى يتسنى لهم إبراز النواحي المشتركة بين الديانات. ولا تُمكّن هذه القيم ثقافة السلام فحسب، وإنما ستساهم كذلك بصورة إيجابية في ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة. ولأن لكل إنسان دوراً مهمّاً يلعبه في هذه المساعي التنويرية الإصلاحية، يتعين على القادة الدينيين أن يكونوا ذوي دور فاعل في تشجيع التعاون بين الجاليات الدينية المختلفة، ومعاقبة العنف ذي الدوافع الدينية بشدة. وهذا ما يستدعي من رجال الدين في الشرق الأوسط المساهمة بصورة أكبر في استئصال مظاهر الحيف والتعصب وتيسير عملية الإصلاح والتنوير، وبيان الدين الحق الشاجب لكافة أشكال الظلم والتعدي على الآخرين. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك تصريح صدر مؤخراً في القاهرة عن جامعة الأزهر يشجب العنف ضد المسيحيين الأقباط في مصر، ورد فيه أن "هذا عمل إجرامي لا يمكن تبريره أبداً في أي دين". ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©