الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جمال علي يعبر عن موقفه الخاص من العالم والمعرفة

جمال علي يعبر عن موقفه الخاص من العالم والمعرفة
13 فبراير 2011 21:54
(الشارقة) - تعبر المجموعة الشعرية للشاعر جمال علي “حضارة الرماد” الصادرة عن مشروع قلم التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، عن ارتفاع سوية الموقف المعرفي والجمالي الذي ينطوي عليه الشعر إذ تعبِّر عنه الشخصية الساردة في القصيدة، والميل الشديد إلى التكثيف والاختزال. كما يلاحظ في كتاب جمال علي الذي يقع في أربع وسبعين صفحة ويشتمل على ثلاث وعشرين قصيدة، رؤية العالم عبر إحساس بفردية مكتملة وناضجة ومدركة لذاتها وتمتلك موقفها الخاص بها من العالم ومن المعرفة، ولربما تكون هذه الفردية هي السبب المباشر والفعلي معا للحس التراجيدي الذي ينطوي عليه الكتاب بكل قصائده وقد جرى التعبير عنه بلسان “أنا” الشخصية الساردة في القصيدة غالبا: “الليل ثانية، بألوانه المأساوية ومعوله الثقيل يجرُّ صهريجا عظيما مترعا بالآلام. عادَ لكنه وحيدٌ، هذه المرة بلا دموع أو أنين. عاد وحيدا بدوني يفجّر الصخور وينبش ذاكرتي المتكلسة كحقل محروق”. إنه نوع من الشعر الذي يجعل مخيلة القراءة قادرة على ممارسة نوع من “التفسير التخييلي” للمشهد الشعري إذا جاز التوصيف. إننا هنا بإزاء نوع من الأنسنة ليس لليل على ما نعهده بل لفكرته وأمام سعي الشاعر جمال علي إلى نقلها من الحسّي إلى المجرّد: إنه كائن بشري ضخم يجرّ صهريجا مترعاً بيد ويحمل في اليد الأخرى معولاً كما لو أنه رجل غامض الملامح ومقبل على فعل شيء يكاد يكون مجزرة، غير أنه إذ يعود بلا دموع أو أنين، فكما لو أنه كان دائما يعود حزيناً وكسيراً ويحتاج إلى آخره كي يبكي بين يديه، هذا الآخر يتكشف عن أنه بدوره كان يعود مع الليل كما يعود صديقان من مكان بعيد يجرّان أذيال خيبة ما، بدلالة هذه النبرة العالية الحزن في القول الشعري وبدلالة أن الليل قد غضب من ذلك فأخذ بنبش ذاكرة صديقه (الشخصية الساردة في القصيدة) التي تشبه حقلاً قد احترق، ولم يبق فيه سوى الرماد. قد يكون هناك نوع من الإفراط في التأويل، لكن ممارسة هذا النوع من التمرين القرائي التخييلي ينطوي على قَدْر من المتعة، لأن الشعر في “حضارة الرماد” مانح، في الكثير من مقاطعه، لهذا النوع من الممارسة الفردية التي يقوم بها القارئ الفرد في عزلته الخاصة مع الكتاب. لكن الألم وكذلك العزلة ليستا الفكرتين الأساسيتين اللتين تطوف حولهما القصائد كما يطوف المرء حول النار، بل هناك الغضب أيضا، إنه مروّع ويرتد نحو الذات، وغالبا بنوع من التأنيب، إنْ لم نقل بنوع من الكراهية التي تجعل موقف الشخصية الساردة في القصيدة منها معاديا، تلك الذات الرومانسية والحالمة بعالم آخر لا يشبه الواقع، والتي تشعر بالحنين كإنما إلى ماضٍ أو مستقبل ما أو حتى عالم لم يحدث وغير متَخَيَّل بعد: “خذ هذا، عودَ ثقاب اغرب عن ضريحي وامسح عن عينيك المثقوبتين بالفراغ طريقك الموحش المعبَّدِ بالأوهام. ارحل بعيداً عن مساقط دمائي وانظر لمخاض فجرك ينقشع بعيدا في اللامكان”. وأخيرا، تبقى الإشارة إلى قصيدة “العلم”. إنها واحدة من أكثر قصائد الديوان لجهة اكتمالها الشعري فنيا، وربما هي الأكثر تعبيرا عن تجربة جمال علي الشعرية لجهة أنها تشير إلى الاتجاه الذي قد يمضي فيه مستقبل هذه التجربة واستمراريتها وقدراتها على طرح المزيد من ما هو شعري في القصيدة التي تخصه وحده.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©