الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا··· والعودة لحظيرة الناتو

فرنسا··· والعودة لحظيرة الناتو
11 نوفمبر 2007 01:41
أعلن الرئيس الفرنسي ''نيكولا ساركوزي'' عن رغبته في دخول فرنسا مجدداً تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، وهو العرض الذي يتعين على أميركا أن ترحب به· ولازلت أذكر أنه في بداية مشواري الدبلوماسي كنت متشددا حيال فرنسا وحلف شمال الأطلسي إلى درجة أنه عندما خرجت من وزارة الخارجية الأميركية في العام 2000 شعر السفير الفرنسي في واشنطن بالراحة وأقام حفل غذاء على شرف مغادرتي للوزارة بسبب استماتتي في الدفاع عن المصالح الأميركية· لكن الوقت تغير وكذلك يتعين على طريقة تفكيرنا، فأولا: يشكل انفتاح ''ساركوزي'' على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تغيراً حاسماً في وجهة النظر الفرنسية، إذ يعتبر'' ساركوزي'' أول رئيس فرنسي خلال عقود من الزمن يعترف بحبه لأميركا ولا يسعى لشيطنة نظامها الرأسمالي وسياستها الخارجية لأغراض سياسية· فمنذ الرئيس ''شارل ديجول'' وفرنسا تسعى إلى تعظيم نفوذها في أوروبا من خلال لعب دور المحور الموازي للولايات المتحدة؛ بيد أن فرنسا كانت دائما أمام فرصة تعظيم نفوذها من خلال لعب دور المحاور والوسيط بين أميركا والتعاون الأوروبي، ولعل ذلك ما يريده ''ساركوزي'' في هذه المرحلة، فهو يعرف أن العالم بات أكثر خطورة وبأن أميركا وأوروبا في حاجة إلى مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين معا· ثانيا: يدفع الطرفان اليوم ثمن الفرص التي أهدرت في الماضي لإنهاء الخلافات وفتح صفحة جديدة، فليس معروفاً على نطاق واسع التقارب الذي حصل بين الرئيسين ''بيل كلينتون'' و''جاك شيراك'' في العام 1995 عندما أعلن هذا الأخير استعداده لإرجاع فرنسا إلى حضن حلف شمال الأطلسي، لكن التعثر الوحيد الذي حال دون ذلك كان الاختلاف حول درجة التمثيل الفرنسي في هياكل الحلف، وفي الأرشيف الوطني توجد وثيقة تشير إلى مدى التقارب الذي حصل بين فرنسا والولايات المتحدة حول مسألة الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي ومرونة الرئيس شيراك لولا فشله في الانتخابات البرلمانية، وهو ما أنهى تلك الجهود· ثالثا، إن ما تريده أميركا من أوروبا قد تغير عما كان في السابق، بحيث بات كسب فرنسا إلى جانبنا أمراً بالغ الأهمية· فالتحديات المشتركة التي يواجهها الأوروبيون وشركاؤهم هي تلك القادمة من خارج الحدود الأوروبية، كما أن الولايات المتحدة في حاجة إلى أوروبا قوية ومتماسكة لبسط نفوذها في العالم· وإذا كان الرئيس ''ساركوزي'' ووزير خارجيته ''بيرنارد كوشنر'' يسعيان إلى تضمين الجانب الأخلاقي في السياسة الخارجية الفرنسية، فإن ذلك يجعل من باريس شريكا أكثر أهمية بالنسبة لأميركا· ولأن علاقات التعاون المرتقبة بين فرنسا وأميركا لن تخلو من قضايا أساسية مرتبطة بالاتحاد الأوروبي، يفرض التحرك الفرنسي تجاه الناتو تحركاً أميركيا مماثلا تجاه تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي· وفي المقابل إذا كان حلف شمال الأطلسي يحرص على الفعالية كحلف عسكري قادر على معالجة تحديات القرن الجديد، فإن عليه أن يخرج من الحدود الضيقة للمهام العسكرية التي تسعى باريس إلى فرضها عليه· فبعد عودتي من زيارة قمت بها إلى قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، تبين لي بأن مفتاح نجاح قوات الحلف هو قدرتها على العمل مع المدنيين لاستكمال جهود إعادة الإعمار، والتواصل مع المنظمات غير الحكومية والجماعات المعنية بالتنمية· ففي أفغانستان يمكن لحلف شمال الأطلسي أن يقوم بكل ما هو صائب وناجح من الناحية العسكرية ومع ذلك قد يخسر الحرب، لأننا لا نقيم ذلك الترابط الضروري بين القوة العسكرية والتنمية الجيدة· ولن نتمكن من إعادة توجيه مسارنا وإحداث التحول المطلوب ما لم ننهِ صراعات الماضي الأيديولوجية ونشرك فرنسا في العملية، ويضاف إلى ذلك تدهور الصورة الأميركية في أوروبا التي وصلت إلى أدنى مستوى لها في أعقاب التخبط الذي تعاني منه الإدارة الأميركية في العراق ومناطق أخرى· هنا يبرز الدور الفرنسي من خلال توجهها الأخير الذي عبر عنه الرئيس ''ساركوزي'' بما ينطوي عليه من شجاعة سياسة وذكاء استراتيجي، لتغيير الصورة الأميركية السلبية في أوروبا· ولا شك أن موضوع رجوع فرنسا إلى حلف شمال الأطلسي سيكون حاضراً بقوة في أجندة المناقشات للرئيسين الأميركي والفرنسي خلال زيارة ''ساركوزي'' إلى واشنطن في الشهر المقبل· وسينخرط الدبلوماسيون والعسكريون الأميركيون في مفاوضات صعبة مع نظرائهم الفرنسيين بالنظر إلى الشروط الفرنسية التي مازالت غامضة إلى غاية اللحظة، لكن مع ذلك قد يتحقق التوافق إذا ما توفرت الإرادة السياسية والذكاء الاستراتيجي وتوفر التصميم على عدم إضاعة الفرصة مرة أخرى· مساعد سابق لوكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©