الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نقاد: الجسد يختزن البنية الرمزية والمادية في كتابة المرأة

نقاد: الجسد يختزن البنية الرمزية والمادية في كتابة المرأة
11 نوفمبر 2007 01:42
يحتل الجسد حيزاً بارزاً في النص الشعري ''الأنثوي'' الحديث، وأصبح الحديث عن الجسد داخل النص الشعري من الأمور المألوفة لدى شاعرات قصيدة النثر، وخاصة أن هذه الأخيرة ''قصيدة النثر'' تسهل عملية إبراز الذات الأنثوية، وكأن صاحبة النص تريد إيصال خطابها بلغتها الخاصة· فهل ''الجسد'' هو فعلا ركيزة من ركائز النص الشعري الأنثوي الحديث؟· حول هذا التساؤل استقصت ''الاتحاد'' آراء ثلاثة من النقاد العرب وكان التالي: الأدب العربي الناقد المغربي الدكتور رشيد برهون قال: وفي الأدب العربي أيضا اغتنت المكتبة العربية بكتابات موقعة باسم المرأة العربية في مختلف الحقول والأجناس، إنني أقرأ في المغرب لوداد بنموسى، ولوفاء العمراني والزهرة المنصوري، وإيمان الخطابي وغيرهن، فتجدني أمام عوالم شعرية متعددة تعدد الشاعرات، لكل عالم شعري خصائصه ونبرته وصوره ومتعته، فأين التجانس، اللهم إلا إن كانت القراءة مغرضة تسقط التجانس على متن متنوع غني، بينما التجانس قائم في القراءة المسبقة لا في النص المتمرد على التطابق والنسخ؟! وأقرأ في مجال القصة القصيرة لربيعة ريحان، ولطيفة باقا ولرجاء الطالبي ولوفاء مليح ولغيرهن، فلا أرى في نصوصهن سوى الشخصية الفنية المبدعة، ولا أقول المتفردة، فهذا المصطلح مثقل بحمولة متعالية، إذ يتصور أن الكتابة انطلاق من العدم، وأن كل نص هو خالق ذاته من ذاته، بينما النصوص نسيج متداخل من الأصوات والنبرات والظلال والاقتباسات والتقاطعات في حوار كوني مفتوح على الأجمل والأبدع· الجسد كيف لا يحضر الجسد في كتابة المرأة، وقد ظل طوال تاريخ البشرية موضوع قمع وتنكيل باعتباره دنساً وفتنة؟ إن العبرة في شكل الحضور لا في موضوع الجسد، وهنا يقف القارئ على غنى المتن الإبداعي الذي استحضر الجسد ضارباً عرض الحائط خطاب المنع وآلياته· من حسنات مثل هذه الكتابات أنها خرقت منطقة المحرم، فأي إنسان عربي، رجلا وامرأة، يجرؤ على إنكار الأثقال التي ينوء بها جسده؟ كيف لا نتفاعل مع كتابات تجرأت على قول المحرم في قالب فني مبدع، بعيدا عن التكرار ، وأحسب أن هذا هو حال الأدب المغربي الموقع باسم المٍرأة التي تحمل اسماً شخصياً فنياً يميزها عن غيرها من الكاتبات، إنني لا أقول الكتابة النسائية، ولكنني أتقصد أن أقول الكتابة التي تبدعها المرأة، هذه وتلك، أليس من الضروري أن نذهب أبعد فنسميه بعد قراءته أدبا، ولنلتفت بعدها إلى اسم الكاتب أو الكاتبة· فالكتابة إما أن تكون أو لا تكون· نص المرأة أما الناقد السعودي محمد العباس فيرى أن الجسد هو علامة العلامات بالنسبة للكائن، ولذلك ليس من المستغرب أن يختزن البنية الرمزية والمادية للمرأة، ليس كمتخيل جسدي يتم تصعيده بالاستيهامات وحسب، ولكن كوجود عيني أيضاً، فهو عين صفاتها، بل هو التعبير الأمثل والأصفى عن شعورها ولا شعورها، وهكذا يبدو من الوجهة الإبداعية بمثابة المحل لتقاطع أناها، كما يتأكد ذلك في جملة من النصوص الأنثوية/النسوية الحديثة التي تتكئ بجرأة لافتة على حاثاته الروحية والمادية كمرتكز، فيما يبدو إنتاجاً استعارياً لأصوات راسخة في دوائر الآخر، كنتيجة طبيعية لجدلية الأثر والتأثر، فهنالك نسخ معرّبة من آن سكستون مثلاً، وغيرها من الشاعرات اللاتي اتخذن من الجسد ركيزة للنص، وأظن أن الشاعرة العربية الحديثة تقدمت بجسارة نحو هذا المكمن فجاء نصها مفعماً بصراحة شعورية صادمة أحياناً، حيث انتظمت فيه كصوت كل الإشارات الإنسانية وليس الأنثوية وحسب، وإن كان هذا لا ينفي تخمة التعاطي المجاني مع هذه المضخة المربكة· ومن ذلك المنطلق نجحت الشاعرة - بوعي أو لا وعي - في تبئير نصها حول تيمة الجسد، بكل ما يحتمله من المعاني الأخلاقية، ومثاليات الروحنة، وحتى التداعيات المثلية، إذ من النادر التماس مع نص أنثوي دون الارتطام بحافة من حواف ومتوالية الجسد، بل أن المشروع الشعري العربي لجملة من الشاعرات العربيات يقوم على هذه التيمة التي لا تخلو بالتأكيد من إفراط وإدعاء واستعراض لمناقب شعورية وحسية غير مختبرة، لدرجة التلفيظ الفج لمعنى ورهافة الأنوثة، بالنظر إلى أن نص المرأة يكتب في الغالب من الأعلى إلى الأسفل، بمعنى الصراخ والعويل وإبداء أقصى درجات النشوة والرغبة دون احتراز ولا تحفظ، حتى وإن كانت لغتها في معظم الأحيان لا تطال ذلك المكن الحسي، ولكنها تصر على الدوام على تقديم نصها كجسد ينكتب، الأمر الذي أدى إلى أن يستزرع نصها بجسد هو المعادل للذات بكل خبراتها الحسية والنفسية، بل حتى برهاباتها الأخلاقية وارتباكاتها الشعورية وخيباتها العاطفية· هكذا أفصحت النصوص الحديثة المكتوبة بروح أنثوية أو بنبرة نسوية عن أطلس الذات، فيما يبدو رغبة - واعية أو لا واعية - للتعريف بالذات، أو دعوة صريحة للآخر من أجل اكتشاف ما خفي أو غمض من قبيلة النساء، حيث الجسد مكاناً أيدلوجياً مضاداً لسطوة الذكورة، أو محلاً لإغواء الآخر المذكر، بمعنى الاحتفال الذاتي به كدفتر شخصي تنكتب فيه وبه سيرتها ككائن مجنّس· مقاومة الغياب أما الناقد المغربي الدكتور محمد بونجمة فيرى أن الجسد يحضر بقوة في الكتابة النسائية فمن واجبنا أيضا التساؤل عن طبيعة هذا الجسد وعن أشكال تجلياته في النصوص الشعرية، ويقول إن الشاعرة - وهي كينونة- في عزلة لأنها مغيبة في مجتمع يختزل المرأة في جسد· وبذلك تضعنا الشاعرة في عمق إشكالية أحاطتها بمجموعة من الأسئلة المقلقة والجريئة، وهو أفق شعري يمتاز عن غيره بكونه منذورا لحرقة أسئلة أخرى لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد· فحينما تصبح الكينونة شغفا، ماذا تملك الشاعرة غير أسئلة لمواجهة الخواء والغياب؟ ليبقى الحلم إشارات تومض من بعيد دون جرأة على ملامسة الواقع، لذلك تتخذ الشاعرة الفن وسيلة لمقاومة هذا الغياب· توظيف فطري يقول الناقد السعودي محمد العباس تحول الجسد عبر بعض النصوص لدى المرأة إلى أداة للخروج بالذات من عتمة وظلامات المحرّم إلى علانية اللغة، بمعنى استعادة لسانها، الأمر الذي يفسر إفراط المرأة المبدعة في تفجير قاموس الجسد وتوليد تداعيات لفظية ومفرداتية مستلة من مركزيته، سواء كانت ذات دلالة حسية أو شعورية، فجسدها لديه من القدرة على التمدد كنص إلى مديات شاسعة، وقد ساعدها على ذلك كون الجسد أحد المكونات البنيوية لخطاب الحداثة، وهو أمر قد لا تستوعبه المرأة المبدعة بكل تجلياته المفاهيمية، لكنها تجيد توظيفه بشكل فطري، وباهتداء غريزي إلى مكامن تلغي بعض طبيعته الاستعارية لصالح التعاطي معه كوقائع مادية وشعورية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©