الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

خيري شلبي: من مهام الأدب تسجيل العوالم الجميلة قبل انقراضها

خيري شلبي: من مهام الأدب تسجيل العوالم الجميلة قبل انقراضها
12 نوفمبر 2007 01:50
أصدر الروائي المصري خيري شلبي رواية جديدة بعنوان ''نعناع الجناين'' وتدور في إحدى قرى مصر في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث العائلة أو ما يسمى في علم الاجتماع ''الأسرة الممتدة''· خيري شلبي لديه حتى الآن أكثر من 70 كتابا ما بين الرواية والمجموعات القصصية فضلا عن بعض الدراسات، ونال عددا من الجوائز، آخرها جائزة الدولة التقديرية في الأدب عن مجمل أعماله ونال جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية عن روايته ''وكالة عطية'' ·'' الاتحاد'' التقته وحاورته حول روايته الأخيرة وكان الحوار التالي: الرواية كان من المقرر أن تنجز روايتك ''صحراء المماليك'' منذ سنوات ولكنك أصدرت ''نعناع الجناين'' التي لا علاقة لها بموضوع صحراء المماليك - - - كنت أكتب ''صحراء المماليك'' وهي تدور في القاهرة خلال العصر المملوكي ولكن يبدو أن صحراء المماليك تحولت الى منجم روايات كلما هممت بالعمل فيها تلح عليّ فكرة جديدة، تنبثق منها وتأخذني لاكتبها، وهذا ما حدث في ''نعناع الجناين'' فانا لم اكتبها بل كتبت نفسها، ووجدتني مندفعا الى كتابتها وبلا توقف واخذتني من كل شيء، حتى ظهرت· - ولكنها رواية قصيرة نوعا ما -أقل من مئتي صفحة - - - هذه الرواية فيها تجربة مكثفة بشكل ما، مثل المحاصيل الزراعية التي تظهر مكتملة وهي رواية متماهية مع جوها·· جو الجناين في الريف المصري· - فرعان من الصبار والوتد والسنيورة والاوباش وغيرها، كلها روايات تدور في عالم واحد، هو نفسه عالم روايتك الأخيرة، عالم الريف المصري في الوجه البحري تحديدا ماذا يعني لك هذا العالم - - - عالم القرية يأخذني والرواية تحاول أن تسجل قيمة هربت تماما، وهي من خلال الحنين الجارف الى هذا العالم المتماسك تسعى الى ابراز، قيمة الأسرة وان تكون هناك اسرة بهذا الحجم، ويكون فرد واحد فيها مسؤولا عن هذه الأسرة ويكون من القوة والنفوذ، حتى أن افراد الأسرة جميعا لا يعصون له كلمة، وكل ميزانية الأسرة في يده ومع ذلك لا يستطيع تفصيل بدلة جديدة لنفسه لأن مسؤولياته لا تسمح له بذلك، فلديه التزامات تجاه جميع افراد الأسرة وهو نموذج لتقليد كان راسخا وهو أن يقود دفة الأسرة أحد الأبناء بدلا من الأب في مرحلة معينة وفي حياة الأب نفسه، حتى لا يحدث خلل اذا توفي الأب فجأة، وحتى لا يحدث خروج عليه، فوجود الأب يحول دون ذلك، وهذه التجربة كانت تقدم رجالا حقيقيين، وهذا النموذج يكشف النفسية الطيبة التي بها قدر هائل من الإنسانية لدى هؤلاء الناس ويتضح ذلك عبر ''خالتي زهرة'' داخل الرواية وفي هذا النموذج نجد حالات لأشخاص بهم قدر من الوضاعة، رغم انهم ينتمون الى عائلات محترمة ومع ذلك لا تتخلى العائلة عنهم، وتتم معالجتهم واحتواؤهم· - تسجيل هذه النماذج يكون من خلال مسح اجتماعي لا عمل ادبي به مساحة كبيرة للتخيل - - - من مهام الأدب الإنساني العظيم أن يسجل العوالم الجميلة قبل انقراضها كي يعود اليها الناس كلما قرأوها ولعلها تستثير فيهم الحنين الى هذه العوالم، وهناك أعمال أدبية مهمة قامت بهذا الدور في ادبنا العربي أو في الأدب العالمي· الأسرة - النموذج الذي تفضله أو ما تسمية ''قيمة'' ألا ترى انه يتعلق بالأسرة الممتدة التي كانت موجودة وقد تراجع هذا النموذج وربما يكون انقرض - - - هناك بقايا لهذا النموذج، والى الآن حينما يزورني البعض من القرية أجد هذا المعنى، وعندما تكون ''خال'' فرد تصبح ''خال'' العائلة كلها، ومعنى هذا أن يسمع ابناء العائلة جميعا كبارا وصغارا كلامك ولكن عليك أن تتحمل معهم قدرا من المسؤولية وتكون إلى جوارهم في المحن والملمات وتعامل على هذا الأساس حتى لو كنت طفلا· ومازلت اذكر جيدا انني كنت طفلا وكان هناك من هم في مثل عمر ابي كانوا يقبلون يدي، لا لشيء إلا لأن والدي في مقام جدهم واصبح انا في مقام العم، وهذا النموذج لا يزال موجودا في القرية وفي تصوري انه سيبقى لأنه مرتبط بوجود الأرض الزراعية، وهذه التقاليد نتاج النيل والأرض، بل أن نموذج الأسرة المتماسكة كنواة للأسرة الكبيرة، هو أساس المجتمع في مصر وكانت الأسرة تزدهر في مصر بتقاليدها مع ازدهار الحضارة وتتراجع مع الانتكاس والخراب، ولذا فاننا مطالبون بأن نقاوم الخراب، وهذا هو سر اسطورة ايزيس واوزوريس· العامية - في روايتك كلمات وجمل موغلة في العامية، وهذا موجود في عدد من أعمالك، وبعض النقاد يأخذون ذلك عليك - - - أعمالي تدور في الريف، وليس متوقعا أن تتحدث سيدتان ريفيتان بسيطتان، لم تذهب أي منهما الى المدرسة، في أوائل القرن العشرين، بغير العامية، عامية ذلك الزمان التي قد لا يلم بها بعضنا الآن، وأحرص على أن أسجل هذه المناطق· - اهتمامك بها يمكن أن نسميه الانثروبولوجيا الثقافية يجعلك تتوقف داخل العمل لتصف بعض المشاهد، وهذا قد يثقل العمل الأدبي - - - الحكم على العمل متروك للقارئ وللناقد، وإذا كنت ترى ان رواياتي تهتم بالانثربولوجيا الثقافية، فهذا يكفيني، ويسعدني، أما أن وصف بعض العادات أو الحرف المنقرضة يثقل العمل، فأنا أرى أنه يثريه، ويقدم لقارئ اليوم والمستقبل مشاهد لم يعد ممكنا أن يتابعها في الواقع، ولا يجب ان تسقط من الذاكرة فلابد من تراكم وتواصل؛ مثلا لم يعد ''النورج'' يستعمل في الحصاد فقد ظهرت الآلات الحديثة، ولكن هذا ليس معناه أن نستبعد ''النورج'' من الذاكرة· الاعتماد على الواقع واقعنا ومجتمعنا المصري به مخزون ضخم يكفي أي كاتب يريد أن يبدع، وأنا من أصول ريفية في محافظة البحيرة وتعلمت وعشت المرحلة الأولى من عمري في الريف ثم انتقلت الى الاسكندرية وطنطا الى أن جئت الى القاهرة، ومارست عدة مهن، أتاحت لي أن أكتشف هذا المجتمع بمختلف فئاته ونماذجه، وهو ممتلئ بنماذج رائعة تفوق ما قدمه أي مبدع عالمي، وأنا أنهل من ذلك النبع فلست بحاجة الى أن اتمثل كاتبا من خارج واقعي الذي اعيشه·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©