الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غياب «التخيير» يجهض محاولات تغيير عادات الطلبة الغذائية

غياب «التخيير» يجهض محاولات تغيير عادات الطلبة الغذائية
14 فبراير 2012
مع عزم السلطات الصحية الأميركية تفعيل خططها بشأن تحسين الثقافة الغذائية في المدارس، تعالت نداءات الأهالي وأولياء الأمور بضرورة تشجيع العادات الغذائية الإيجابية والتخلص نهائياً من السلبية. كما تعالت حسرات مديري بعض المدارس عقب فشلهم في إقناع التلاميذ في استهلاك أطعمة صحية. بينما تصاعدت نداءات علماء السلوكيات داعيةً إلى تبني مبدأ “التخيير” لاجتذاب الأطفال لتناوُل أطعمة صحية، وهم يعلقون فشل الخطط السابقة لتغيير عادات التلاميذ الغذائية على انتفاء مبدأ تخيير التلميذ بشأن ما يأكل. في فصل الخريف الدراسي الماضي، اتخذت لوس أنجلوس قراراً حازماً بشأن الوجبات الغذائية المقدمة في المدارس. وفي محاولةً منها لبث عادات غذائية أفضل في صفوف أطفال المدارس، شطبت مدرسة “يونيفايد سكول” في لوس أنجلوس من قائمة الوجبات منتجات الحليب المنكه، وأصابع الدجاج، وعدداً من الوجبات المفضلة للأطفال. لكن الذي حدث هو أنه عوض أن تُسهم هذه المبادرة في جعل التلاميذ يعتادون على تناوُل أطعمة صحية أكثر، فر التلاميذ من كافتيريات المدارس وهجروها، ليصل إلى أسماع مسؤولي هذه المدرسة أن طلبتها استبدلوا مرافقها المطعمية بطلبيات جاهزة تصلهم حيثما كانوا من محال “سوق سوداء” يحصلون منها على ما شاؤوا من وجبات سريعة كالبيتزا وأصابع البطاطس المملحة، إضافةً إلى ما يجلبونه معهم من منازلهم من أطعمة غير صحية، وهو ما جعل حاويات بقايا الأكل الخاصة بالمدرسة تمتلئ بالأطعمة “الصحية” التي أعدتها مقاصف المدرسة ومطاعمها، لتجد نفسها مضطرةً إلى إلقاء ما يفسد منها، بسبب انعدام الإقبال، في القمامة! تمرد غذائي استوقف رد فعل تلاميذ هذه المدرسة المسؤولين التربويين ولقنهم درساً لم يكونوا يتوقعونه يُفيد أنه “لا يمكن فرض تناوُل أطعمة صحية على التلاميذ بعد الحصول منهم على مقابلها المادي، وإلا فإن الأمر يغدو بالنسبة إليهم نوعاً من (الابتزاز) يعرفون بسهولة كيف يلتفوا عليه وفاءً لعادات غذائية نشأوا في كنفها لسنوات”. ومع الاستعدادات التي تُجريها السلطات الصحية لإطلاق مبادرات جديدة سعياً نحو تنقية مقاصف المدرسة ومطاعمها من الأطعمة غير الصحية، يقول اختصاصيو تغذية، إن مخاض الاجتهادات الذي تشهده المدارس هو محطة مهمة تقتضي التريث والتدرج لمعرفة أي التكتيكات والاستراتيجيات تنفع في إقناع الأطفال بتناول الوجبات الصحية والمغذية، وأيها لا تنفع. ووفق المعايير الغذائية الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الزراعة مؤخراً، فإن الفواكه والخضراوات ينبغي أن تكون ضمن أي وجبة مدرسية تُقدم للتلاميذ. ونصت المعايير الجديدة أيضاً على إلغاء بعض الأطعمة التقليدية المفضلة مثل الحليب الأبيض (2%)، فضلاً عن تقييد استهلاك قطع البطاطا المقلية والبيتزا لاحقاً إلى أبعد الحدود، وربما شطبها من قائمة الوجبات المسموح بتقديمها في المدارس بشكل كامل. ويقول البعض، إنه يتعين على السلطات الصحية التفكير مرتين بشأن هذه المقاربة قبل الشروع في تطبيقها، فالذي حدث بمدرسة “يونيفايد سكول” في لوس أنجلوس قد يتكرر بشكل أكثر دراماتيكية في مدارس أخرى، ويقلب الطاولة من ثم على السلطات الصحية، فتجني حينذاك عكس ما تصبو إليه، ويزداد التلاميذ تشبثاً بالوجبات غير الصحية بدل هجرانها. فعندما يشعر الطفل بتقييد حريته أو إجباره على تبني شيء أو اتخاذ قرار ما رغماً عنه، فإن رد فعله الطبيعي هو التمرد، وهو رد فعل قد يقوم به الكبار أيضاً. لا إكراه في الأكل من بين التجارب الأخرى التي تصب في السياق نفسه تجربتا مدرستين في ولاية يوتا. إذ طلبت إدارة المدرسة الأولى أن تشمل جميع الوجبات الغذائية المقدمة للتلاميذ كل يوم إحدى الخضراوات أو الفواكه، بينما كانت المدرسة الأخرى تقدم الخضراوات أو الفواكه لمن يطلبها فقط. فأفضت مقارنة المدرستين إلى نتيجة مفادها أن تلاميذ المدرسة الأولى أصبحوا يستهلكون فواكه أكثر من الماضي بنسبة 60%، لكن هذه النسبة مع ارتفاعها لم تكن تفوق ما هي عليه الحال في المدرسة التي تقدم الفواكه والخضراوات عند الطلب إلا بنسبة 1%. وهو ما جعل الباحثين يستنتجون أن دفع الأطفال دفعاً لأكل طعام دون آخر رغماً عنهم لا يؤدي في النهاية إلا إلى امتلاء حاويات نفايات بقايا الأكل وتبذير كميات كبيرة من الطعام الصحي بسبب إعراض التلاميذ عن تناوُله. وعلى الصعيد الوطني، حاولت الكثير من المدارس شيطنة الأغذية المعلبة والمشروبات الغازية والبيتزا ومنتجات الحليب بالشوكولاته، لكن الجهود التي بذلتها لتصوير هذه الأطعمة شراً مطلقاً ظلت مجرد نداءات ذات تأثير عاطفي ظرفي ليس إلا، ولم تجد لها صدى يُذكر لدى الفئات المستهدفة، بل قُوبلت باستهتار وصم للآذان من قبل التلاميذ، وبقيت هذه المدارس بذلك بعيدةً عن تحقيق أهدافها في توجيه التلاميذ والطلبة وإقناعهم بتبني وجبات صحية أكثر. وفي إحدى المدارس التي شملتها الدراسة، خُير التلاميذ بين الأكل في كافتيريات عادية، أو في مطعم مدرسي لا يُقدم إلا السندويتشات الصحية والسلاطات والفواكه والخضراوات. فوجد الباحثون أن وضع الحليب بالشوكولاته ضمن أطعمة مطعم الوجبات الصحية كان كافياً لاجتذاب عدد أكبر من التلاميذ إلى هذا المطعم، ما أدى إلى تقليل الأطعمة غير الصحية التي درجوا على تناوُلها في الكافتيريات مثل البطاطس المقلية الفرنسية وبسكويت “كوكيز” بنسبة 28%، فيما زاد استهلاكهم للوجبات الصحية بنسبة 18%. وطبعاً هذا ما كان ليحدث لولا إقحام الحليب بالشوكولاته في رفوف مطعم الوجبات الصحية، لكنه ما كان ليحدُث أيضاً لولا منح التلاميذ حق الاختيار. وهم كانوا سيعرضون لا محالة عن تناول وجبة صحية في حال قُدمت لهم كخيار أُحادي لا ثاني له، لكن تقديمها ضمن خيارين أو أكثر كان أكثر إقناعاً لهم. الاقتصاد السلوكي من شأن إدخال تغييرات طفيفة في أحيان كثيرة إحداثَ تأثير كبير وعميق على مستوى السلوك. ولذلك، تُثبت التجارب يوماً بعد آخر أن استخدام مبادئ بسيطة كتكتيكات ضمن ما يُصطلح عليه بـ”الاقتصاد السلوكي” يمكن أن تُزحزح عادات الطفل الغذائية ولو كانت راسخةً كالجبال. وبالإضافة إلى هذا، عندما نتعامل مع الأطفال، علينا أن نستحضر أنهم يولون اهتماماً أكبر إلى النتائج والخواتم. فغالبيتهم تفوتهم التغييرات البسيطة التي قد يقوم بها مستهدفوهم لتحفيزهم على تناوُل أطعمة صحية أكثر. بل وحتى إنْ لاحظوا هذه التغييرات أو انتبهوا إليها، فإن ذلك لن يغير من أمرهم شيئاً، فتقديرهم أولاً وأخيراً يكون مُقابل تمكينهم من الاختيار بين تناول هذا النوع من الفواكه، أو تلك الخضراوات. ويميل الأطفال إلى إعمال مبدأ “الاختيار” في كل ما يُقدم إليهم من أكل، حتى لو كان الاختيار بكل بساطة عدم الأكل. أما إنْ فرضنا عليهم تغييراً جوهرياً من العيار الثقيل، فعلينا أن نتوقع أن رد فعلهم الطبيعي هو الإعراض عن قبول هذا التغيير، والاستعاضة عنه ببدائل أخرى يختارونها هم حتى لو كانت وجبات سريعة غير صحية، ولا تُفرض عليها فرضاً. ومن هذا المنطلق، فإننا نحتاج في بيئة كهذه يسود فيها منطق حرية الاختيار أن نجعل الوجبات الغذائية الصحية أحد الخيارات الأكثر جاذبيةً، وليس الخيار الأوحد. فعلم السلوكيات يُطلعنا بما لا يدع مجالاً للشك بأن تغيير العادات الغذائية للأطفال هو هدف سهل المنال وقليل التكلفة، لكنْ إذا وفقط إذا تبنينا مبدأ “التخيير” قلباً وقالباً عند تعاملنا مع هذا الكائن خارق الذكاء: الطفل. هشام أحناش عن “لوس أنجلوس تايمز” دروس مستفادة من الدروس المستفادة من حالات هذه المدارس الثلاث أن مبدأ “التخيير” هو عنصر بالغ الأهمية وعميق التأثير في سلوك الطفل ونفسيته، فهو قد يقبل فعل شيء ما إذا خُير، لكنه يرفض القيام به إذا أُجبر. وفي هذا الصدد، تُشير دراسة قام بها باحثون من جامعة كورنيل إلى أن الأطفال حين يُخيرون بين أخذ الجزر أو نبات الكرفس، فإن 89% منهم يختارون الجزر. لكن عند إعطائهم الجزر فقط وبدون أي خيار آخر، فإن 69% منهم فقط يأكلونه. ولذلك فإنه من الأحرى استخدام مبدأ “التخيير” كحل مثالي لتوجيه عادات الطفل الغذائية، وتحبيب الأطعمة الصحية إلى قلبه، وجعله مع الوقت يأكلها بحب واستمتاع، لا بإكراه وامتعاض.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©