الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حي باب الشيخ في بغداد ... نموذج نادر للتعايش

حي باب الشيخ في بغداد ... نموذج نادر للتعايش
13 نوفمبر 2007 22:04
يعود تاريخ إنشاء حي باب الشيخ - الذي يشبه متاهة من الأزقة الضيقة والملتوية- إلى أكثر من ألف عام، عندما كانت بغداد تحكم العالم الإسلامي· في ذلك الوقت كانت تنتشر بساتين الأمراء العباسيين وقصورهم في جلال وأبهة غير بعيد عن هنا· وبعد عشرة قرون على ذلك التاريخ، يعد باب الشيخ اليوم أقل فخامـــة، ولكنه مايزال فريدا؛ ذلك أنه لم يشهــــد أعمال القتل الطائفي التي ابتليت بها أحياء أخرى في بغداد؛ وفيه يعيش السنة والشيعة والأكراد والمسيحيون في سكينة وارتياح غير مألوفين· والواقع أن محيط الحي كان هدفا لبعض التفجيرات، غير أن وسطه كــــان منيعا على أعمال العنف، نظرا لماضيه القديم المشترك، إضافة إلى الثقة وأجيال من الزواج المختلــط· وفي هذا الإطـــار، يقول منذر -وهو بائع حقائب-: ''كل هؤلاء الناس نشأوا هنا سويا''، مضيفا أنه: ''منذ زمن أجدادنا، لم يتغير المكـــان أو الطعــــام أو أي شيء''· قد ظهر الكثير من مناطق بغداد كما هي اليوم في عقد السبعينيات، عندما جذب تأميمُ النفط العراقيين من كل أرجاء البلاد إلى العاصمة من أجل العمل؛ فارتفع عدد سكان المدينة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف على مدى عشرين عاما، وانتشرت الأحياء شرقا وغربا· غير أن الحرب والصراع الأهلي يبدو أنهما تركا آثارهما على هذه المناطق أكثر من بعض الأحياء القديمة· لا أحد يدرك هذا الأمر أكثر من وليد -ابن الحي الذي انتقل وأسرته قبل عشر سنوات إلى حي الدرة، وهو حي بُني حديثا وتسكنه الطبقة الوسطى في جنوب بغداد، فسكانه متنوعون وينتمون إلى مذاهب وعرقيات مختلفة؛ غير أن ذلك لم يشكل أبدا مشكلة، إلى أن انهارت القواعد الأساسية للمجتمع بعد بدء الاحتلال، فالشيء الوحيد الذي كان يحول دون الفوضى هو الثقة بين العائلات، غير أن الثقة في الدرة لم تكن متوفرة بالشكل الكافي· في هذا الإطار، يقول وليد -كان جالسا مع منــــذر في محـــل حلاقـــة بحي باب الشيخ-: ''هناك لم نكن نعرف خلفيات بعضنا بعضا، ثم أضاف مشيرا بإصبعه في اتجاه منذر، ''أما هنا، فإنه لا يستطيع أن يكذب عليّ··· إنه لا يستطيع أن يقول ''أنا هذا، أنا ذاك'' لأنني أعلم أن ذلك ليس صحيحا''· ويشرح وليد أنه لم تكن لديه هذه القدرة على التمييز في الدرة، وهو ما دفـــع ثمنـــه غاليا؛ حيث قُتل ابنه رميا بالرصاص في التاسع من أكتوبر 2006 أثناء محاولتـــه الحصــول على دبلوم التعليم الثانوي· وعقب ذلك قام وليد وأسرته بمغادرة الحي على الفور، ويقول: ''أول ما فكرت فيه هو هــذا الحي··· فجدي من هذا الحي، وأنا أشعر دائمـــا بالأمان هنا''· مؤخرا وفي أحد أيام الجمعة، كانت عائلة كردية كبيرة تجلس في هناء وسكينة في منزلها؛ أبو نوال، الأب، روى لنا كيف أن مجموعة من الرجال من مكتب الزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر جاءت إلى مقهى بالحي، واقترحت فتح محل فيه، فكان أن أشار صاحب المقهى إلى لافتة مكتوب عليها أن الحديث عن السياسة والدين ممنوع؛ ثم طُلب من الرجال أن يغادروا· ويقول ''أبو نوال'' -وهو صانع أحذية تعيش عائلته في الحي منذ أربعة أجيال-: ''لقد قال لهم الشباب في الحي: إذا حاولتم فتح مكتب هنا، فسنفجره''· بعد ذلك ببعض الوقت، جاء إلى الحي أعضاء من أحد الأحزاب السنية، فطُلب منهم أن يغادروا على النحو نفسه، ويقول أبو نوال، الذي طلب نشر لقبه فقط خوفا على أسرتـــه: ''لقــد أرادوا وضـــع أقدامهم على هـــذا الحي، ولكنهــم لم يستطيعوا''· ويضيف أنــه يمقـــت الخليط الســام المتمثــل في الدين والسياسة، والذي يخنق المجتمع العراقي، وإنه يجد متعة في حكي النكت حول السياسيين· والواقع أن الحي يتفرد بميزة نادرة أخرى، وهي الاعتدال في الدين؛ فالشيخ محمد وهياب، وهو إمام شيعي في الثلاثين من عمره تعيش أسرته في باب الشيخ منذ سبعة أجيال، وقد سُجن لفترة 14 شهرا في عهد صدام حسين، وهو أمر كان ينبغي أن يفتح له الأبواب في هرم السلطة الجديد الذي يهيمن عليه الشيعة، غير أن آراءه ومواقفه لم تكن شعبية في الدوائر النخبوية، فبقي في الحي· إنه يشعر بالارتباط بالحي، وهو شعور قوي جدا إلى درجة أنه بينما كان يتحدث في الهاتف بمنزله ذات ليلة هذا الخريف، خرج إلى الزقاق الضيق، واستلقى يشاهد النجوم في سماء الليل، وقال: ''أعتقد أن المالكي يحسدني الآن''، مضيفا ''لا حراس شخصيين·· الحرية نعمة!''· غير أن للشيخ ''وهياب'' أفكارا راديكالية، ومن بينها أن المسلمين تصرفوا على نحو سيئ مع بعضهم بعضا في الحرب هنا، وأنهم أساؤوا إلى الإسلام وأضروا بسمعته لأنهم استغلوه من أجل السلطة· وفي هذا السياق، يقول متحدثا عن الرسوم الكارتونية الدنماركية التي صورت الرسول وأثارت احتجاجات وأعمال شغب عبر أرجاء العالم الإسلامي العام الماضي: ''إننى لا ألوم أولئك الأشخاص الذين رسموا تلك الرسومات''، مضيفا -من على كرسيه في غرفة المعيشة بمنزله الهادئ-: ''اللوم يقع على المسلمين···· فهم من أعطوهم هذا التصور أو الانطباع''· صابرينا تافيرنيس وكريم حلمي - بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©