الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس الجديدة... ورفع التحديات القديمة

14 فبراير 2012
بعد سنة من سقوط النظام السابق تشهد تونس عملية تحول سياسي لم يسبق لها مثيل. فقد قادت الحكومة الانتقالية البلاد عبر انتخابات ناجحة للجمعية التأسيسية، كما تم تعيين حكومة جديدة، مشكلة بذلك المرحلة الثانية من عملية التحول وهي حكومة ينتظر أن تركز على صياغة الدستور وإصلاح الاقتصاد. إلا أن الأسلوب الوحيد الذي يمكن لقوة الاندفاع هذه أن تستمر به هو أن يكون الموجودون في السلطة على استعداد لاحتواء تطلعات جميع الفعاليات الاجتماعية والقوى السياسية، ليعمل الكل سويّاً من أجل إيجاد الاستجابات المناسبة للتحديات الجسيمة التي يطرحها الحاضر والمستقبل. وفي الوقت الذي تتم فيه هذه التطورات السياسية المهمة فإن واقع المشاكل الاقتصادية المتنامية وعدم الاستقرار الاجتماعي يشكلان مصدر قلق متزايد. فالأخبار والمؤشرات التي ظهرت مؤخراً حول أداء الاقتصاد تدعو للقلق، ليس فقط بالنسبة للسياسيين وإنما أيضاً بالنسبة للجمهور التونسي بشكل عام. وقد أعلن البنك المركزي التونسي نسبة نمو قدرها صفر لسنة 2011 (انخفاضاً من معدل بلغ 4 % خلال السنوات الأخيرة). وقد غادرت أكثر من 80 شركة عالمية كبرى تونس، وانخفضت الاستثمارات بشكل كبير. وهذا الواقع الاقتصادي في صورته الكبيرة يترجم على أرض الواقع إلى أرقام محددة أبرزها تفشي البطالة بشكل لم يسبق له مثيل، حيث تؤثر على مليون فرد يشكلون 20 % من مجمل القادرين على العمل. وقد نتجت عن ذلك أعداد أكبر ممن يعيشون في ظروف من المعاناة والفقر. ونتيجة لذلك، بادر العاطلون عن العمل، وبخاصة خريجو الجامعات، بتنظيم العديد من المظاهرات والاعتصامات، نتج عنها في العديد من الحالات إغلاق المصانع، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى نقص في المنتجات. ولذلك كانت مسألة خلق فرص عمل في مقدمة الجدل أثناء الحملات الانتخابية، حيث قدم كل مرشح مقترحات للتعامل مع التراجع الاقتصادي العام في البلاد. ويقع العبء اليوم على كاهل الحكومة المنتخبة حديثاً لتحقيق الوعود التي قطعتها وإخراج البلد من الانحدار السريع. ويقود حزب النهضة الحكومة الجديدة، وهذا الحزب حزب إسلامي فاز بأربعين في المئة من الأصوات في الانتخابات التي جرت في الخريف الماضي، وقد شكل حكومة تحالف مع حزبين علمانيين. وتمثل الأحزاب الأخرى التي فازت بنسبة مئوية من الأصوات الانتخابية، بموجب نظام تونس التعددي، في الجمعية التأسيسية، أيضاً. وقد وعد العديد من الأحزاب أثناء الانتخابات بإيجاد حلول سريعة وأحياناً غير واقعية إلى حدما لكافة المشاكل الاقتصادية. إلا أن مشاكل الاقتصاد التونسي في الحقيقة تبدو هيكلية بشكل رئيسي وتحتاج للتعامل معها على هذا المستوى الأساسي. ويعني ذلك تقوية الصناعات الوطنية حتى تتمكن من توظيف المزيد من المواطنين المؤهلين وتحسين البنية الأساسية في بعض الأقاليم الداخلية التي لم تتمتع بالتنمية بعد ولا بفرص مناسبة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية مباشرة، وكذلك إصلاح قطاع السياحة لإبعاد صورة تونس كـ"مقصد سياحي لأصحاب الميزانيات المحدودة"، وتطوير ميزانية وطنية وحركة إنتاجية أقوى للقطاع الزراعي. ويجب ألا يشكل تطوير اقتصاد تونس قضية حزبية، إذ يتعين استشارة جميع أصحاب المصالح والاهتمامات الوطنيين، إضافة إلى المنظمات الدولية مثل بنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وإشراكهم في هذا الجهد الضخم. ويقع العبء اليوم على التحالف الحاكم لأن يدعو أصحاب المصالح والاهتمامات الرئيسيين للانخراط وبنشاط في عملية الإصلاح. وذلك أنه لا يمكن بذل أي جهد ناجح في غياب المشاركة الواسعة والمؤثرة للاتحاد العام للعمال التونسيين واتحاد الصناعة التونسي وغرف التجارة والأعمال اليدوية والجمعيات المتنوعة للسياحة والزراعة والهندسة والأعمال المصرفية، وغيرها. إلا أن العديد من هذه المجموعات الوطنية على خلاف مع توجه حزب النهضة ولديها تحفظات على أي تسييس ممكن للإصلاح الاقتصادي. ولذا يتعين على النهضة إذن بدء الحوار مع هذه الأحزاب لحل المشاكل الاقتصادية بشكل تعاوني، الأمر الذي سيسمح للجميع بتطوير الحلول المناسبة للمشكلات القائمة اليوم. وبالمثل يتعين أن يكون أصحاب المصالح والاهتمامات هؤلاء على استعداد هم أيضاً للانخراط مع حزب النهضة والحكومة لتحقيق الأهداف والأولويات المطروحة. وبما أن الحكومة الحالية ستكون مسؤولة لمدة ما بين 12 و 18 شهراً، وهو بشكل تقريبي الوقت الذي ستحتاجه لوضع دستور جديد، فإن أفضل فرصها للنجاح في تحسين الاقتصاد تكمن في توسيع الشراكة الوطنية في كافة القرارات والمبادرات. ويعني ذلك إشراك جميع اللاعبين الرئيسيين في تونس معاً -الهياكل الاقتصادية في البلاد والأحزاب السياسية والاتحادات العمالية والجمعيات والمجتمع المدني والجامعات والمؤسسات الأكاديمية، مع شركاء عالميين تقليديين من أجل إيجاد مقاربة تشاركية لحل كافة المشكلات والتحديات الحاسمة. ولن يكون إشراك جميع هؤلاء الشركاء ممكناً إلا إذا قرر صانعو القرار الجدد في الحكومة تبني توجه تشاركي، والبناء على قوة الاندفاع الديمقراطي الهائلة التي تتمتع بها تونس اليوم. أمين غالي مدير المشاريع في مركز الكواكبي للتحول إلى الديمقراطية ينشر بترتيب مع خدمة «كوومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©