الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السعادة والسراب.. أين تكمن الحقيقة؟

19 فبراير 2014 01:17
كنت في صراع نفسي البارحة في طريقي متأخرة إلى المنزل، أعلم بأنني لن أعود لاحتضان «مخدتي» أو فراشي الوثير، أو أطلب من الشغالة كوبا من القهوة المرّة أتنفس معها ما تبقى من هموم اليوم، فهناك ماراثون منزلي يبدأ، لأركض وراء أبنائي، وألملم ما تبقى من ملابسهم الملقاة في الأركان، وأتأكد ما إذا كانت وجبة العشاء متكاملة لهم قبل النوم، وابحث عن كتب محشورة تحت الكنب، وإدخالهم الحمام، وفي النهاية صراع النوم اليومي معهم ومراقبتهم حتى لا يفلتوا خلسة من أسرّتهم، فيبدأ العمل الحقيقي بعد سباتهم، فأجهز العدة لمعركتهم الصباحية، وفي النهاية اكون آخر فرد ينام في المنزل. تساءلت وأنا في السيارة، متى سأرتاح؟، أو ما هي الراحة عموما، هل هي البدنية، فأوكل للعاملة كل مهامي، فتقوم هي و«تحط» وتكون الآمر الناهي في البيت، فأرى أبنائي يلجؤون لها عند الحاجة، وزوجي يصيح «بعالي» صوته لها، باحثاً عن فانيلته الداخلية أو إزاره على طاولة الكوي في حجرتها، وعندما تبكي ابنتي الصغيرة تلجأ إلى أحضانها، فتصبح في الختام هي السيدة وأنا «الضيفة». أم راحتي ستكون في المادة فأترك «الدوام» وأعيش على مصروف محترم «أبعزقه» في «الفاضي والمليان» دون تحسب لغدر الزمن، وأُطلق بدل الخادمة الواحدة لتكنّ خمس خادمات وسائقان، كل لها مهامها، فأنام وأقوم واربط الراحة البدنية بالراحة المادية، وأعيش دوامة وجود الخادمة في المنزل وأنا الضيفة من جديد، فأنام متأخرة، وأستيقظ متأخرة ليكون البيت خاليا بكل من فيه أكل وانام واوجّب، فأزداد في الوزن وأقل في الهيبة. أم راحتي ستكون في نفسيتي، فلا آخذ هم الدنيا، وأترك حبل المنزل على الغارب، فأجعل الكل يفعل ما يحلو له، فأقوم بعد الجميع واذهب الى العمل، لآخذ معي هم اطفالي، ومن سيوقظهم ويفطرهم ويجهز أغراض مدرستهم، ولا أعلم ما سيطبخ اليوم للغداء، ولا أخذ هم وجود زوجي على السفرة أم لا، طفلي الصغير وحاجاته، بناتي وطلباتهم، فالكل «يدبّر» نفسه، فأعود مساءً من «المول» لأرى من أرى يأكل وجبة العشاء، ومن يحل واجباته بمساعدة الخادمة المتأففة، التي لا آخذ همها هل تعامل أبنائي بطريقة جيدة أم تصطنع ذلك أمامي حتى لا ينقلب السحر على الساحر وافقد الكثير من حريتي التي أصبحت مقرونة براحتها النفسية، وتفريغ حاجاتها ونفسياتها المعقدة التي جاءت من خلفية يعلم بها الله في أبنائي الذين لا يشتكون ولا يتكلمون تحت وابل التهديد وتحت مشهد الأم التي تغض النظر حتى لا ينكشف الضرر من أشياء أخرى . فأصبح براحاتي الثلاث مثل السراب لا أرى لا اسمع لا أتكلم، وأصبح عالة على المنزل الذي اشغل فيه سريرا أو كنبة، قد يحتاجها من قد يكون اجدر مني. وأستيقظ من السؤال لأرى نفسي ما زلت في السيارة، وابنتي تطل عليّ من النافذة بانتظاري تناديني لأخرج، فأتيقن بأن راحتي في جهدي الذي ابذله منذ استيقاظي قبل الكل ونومي بعد الكل، وفي همومي معهم، دروسهم، طعامهم لبسهم وفي أبسط التفاصيل التي اركض وراءها يوميا… وفي المبالغ التي نوفرها لهم ولا نسعد بها أنفسنا تحسبا لمنغصات الحياة ومطباتها، وسعادتي في انتظار أوامرهم مني ولجوئهم إليّ في كل أمر في المنزل دون انتظار الثناء، وفي تحمّل الكثير من اللوم والذم بحثاً عن «فانيلة» زوجي التي طويتها له بالأمس ولم يرها في الصباح الباكر. شيخة العامري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©