السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كل رَجُلين يأكلان رجُلاً

كل رَجُلين يأكلان رجُلاً
3 ابريل 2008 01:31
''كانوا يحسبون صوت البنادق رعدا· ففي هذه المنطقة يدمدم الرعد في موسم الأمطار ويقصف البرق الكثير من الأشجار فيموت العديد من الناس هلعا· لذا حين سمعوا صوت البنادق اعتقدوا أن الرعد يتعقّبهم''· بهذا حدّث المغامر العُماني تيبوتيب في سيرته الذاتية التي نقلت من اللغة السواحلية إلى الانجليزية والألمانية في مطلع القرن العشرين، وترجمها مؤخرا د· محمد المحروقي تحت عنوان ''مغامر عُماني في أدغال أفريقيا: حياة حمد بن محمد المرجبي (1840-1905)''· إنها سيرة تاجر مأخوذ بتجارة العاج· ومطاردة العاج هي التي قادت خطاه على درب المغامرة، فانطلق من زنجبار ووصل إلى الكونجو واستولى عليها، وبلغ بحيرة تانجانيقا وشلاّلات ستانلي· والثابت أن قدرته على كسب الانتصارات هي التي جعلت القبائل الأفريقية التي حاربها وأخضعها تطلق عليه اسم تِيبُوتِيبْ وهو ما تفسيره لعلعة الرصاص، واسم كينجوجوا أي الضبع المرقّش، واسم مكانجوانزارا أي الذي لا يرهب أحدا· إن تعدّد الألقاب يترجم حالة الهلع التي زرعها حيثما حلّ في الأدغال· لكنها تعبّر عن افتتان بشخصية بطل فريد· ففي تعداد الألقاب نوع من التغنّي بأمجاد بطل قلّ أن يجود الزمان بمثله· يكتب تيبوتيب محدّثا عن لقبه: ''عندما يسمع الأهالي هذا اللقب يلوذون بالفرار·· حيثما توجّهت عبر القرى يهرب الناس تاركين بيوتهم وطعامهم''· فتنة العاج وإغواء الحروب: بين هذين الحالين قضى تِيبُوتِيبْ حياته كلها· تكشف هذه السيرة أن الفرد يمكن أن يصنع التاريخ· ولعل أمثال تيبوتيب هم الذين كانوا فَعَلةً رئيسيين في تمكين التاريخ من المكر بالشعوب والقارات· يكفي أن نتذكر أن القائد الأسباني هرنان كورتيس قد تمكّن بمعية خمسمائة جندي وعشرة خيول ومائة بحار لا غير، من غزو قارة أمريكا وتدمير مكسيكو عاصمة الأزتيك· حرص تِيبُوتِيبْ على تدوين سيرته بنفسه فحدّث عن تفاصيل المكان والأدغال ومضارب القبائل والأنهار والشلالات والمستنقعات· صارت السيرة ترحالا عجائبيا في الأدغال المروّعة· يحدث مثلا عن جنوده من الأفارقة: ''كان المحاربون الذين معي يأكلون لحم البشر، كل رجلين يأكلان رجلا كاملا· منعتُ ذلك ولكن لم يمتثل أحد لأمري· وقالوا لنا: لماذا لا تحرّمون على أنفسكم أكل الأغنام·'' لا يخفي تِيبُوتِيبْ أنه سهّل مهمة الغزاة الغربيين فاحتلوا القارّة· يذكر أن البلجيكيين انتدبوه لبسط نفوذهم على الكونجو فزرع راياتهم في كل شبر من تلك الأرض· هكذا امتزج التاريخ الذاتي بقدر قارّة بأسرها· فصارت السيرة إشهادا على مكر التاريخ وفظاظته· وهو إشهاد قام به رجل فردٌ دوّخ الدنيا وانتزع إعجاب الدول الكبرى· وكان لابدّ لمستنقعات أفريقيا أن تثأر لنفسها· فلقد توفي تِيبُوتِيبْ سنة 1905 مصابا بالملاريا· وكان على رأس المعزّين قنصل أمريكا في زنجبار وقنصل ألمانيا وجنرال الانجليز وأعيان العرب والهنود والأفارقة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©