الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخيم نهر البارد... خراب لـ دواعٍ أمنية!

مخيم نهر البارد... خراب لـ دواعٍ أمنية!
15 نوفمبر 2007 02:07
يقف ''أبو توفيق'' وسط الحطام المتبقي من منزله بينما تدفع الرياح المطر المتهاطل إلى الداخل بعدما انهارت الجدران وتحول البيت إلى أطلال وهياكل خربة· ''هذه الغرفة هي ''هيروشيما''، والأخرى ناكازاكي''، هكذا يصف المدرس السابق بيته بعدما وافق على الحديث إلينا شريطة عدم الكشف عن هويته· لكن ''أبا توفيق'' ليس سوى واحد من خمسة آلاف فلسطيني عادوا مؤخراً إلى بيوتهم المهدمة في المنطقة الساحلية من لبنان التي تحتضن مخيم ''نهر البارد'' الفلسطيني، وهو المخيم الذي كان يأوي أكثر من 40 ألف فلسطيني قبل اندلاع المعارك العنيفة في شهر مايو الماضي، بين الجيش اللبناني وعناصر ''فتح الإسلام'' التابعة لتنظيم ''القاعدة''· كانت تلك المواجهات الدامية التي دامت 106 أيام، وتعتبر أسوأ صراع لبناني داخلي منذ نهاية الحرب الأهلية بين 1975 و،1990 قد أسفرت عن مقتل 168 جنديا، وأكثر من 200 مقاتل، فضلا عن العشرات من مدنيي مخيم ''نهر البارد'' الذي تحول إلى أرض يباب وسويت بناياته أرضاً· وحتى البيوت التي مازالت واقفة، انتزعت أبوابها وهشمت نوافذها كما سقطت السقوف بسبب القصف المكثف للمدفعية· ومع أن الحكومة اللبنانية استطاعت تأمين وعود في شهر سبتمبر الماضي بالحصول على 22 مليون دولار من المانحين الدوليين لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من ديارهم، إلا أن ذلك لا يرقى إلى الاحتياجات الحقيقية والمقدرة بحوالي 382,5 مليون دولار لإعادة إعمار مخيم ''نهر البارد''، ومساعدة سكانه على استئناف حياتهم· سبق للحكومة اللبنانية أن أعلنت عن نيتها تولي إعادة بناء المخيم، لكنها لم تعطِ تفاصيل إضافية، كما أنها لم تضع موعداً محدداً لذلك؛ ومع استمرار الأزمة السياسية التي تعصف بالبلد وتهدد استقرارها الهش، على خلفية الانتخابات الرئاسية، تراجع موضوع اللاجئين إلى مرتبة متدنية في الأجندة الحكومية المنشغلة أكثر بالاستحقاقات الرئاسية· وقد بدأ الفلسطينيون في العودة مجدداً إلى منازلهم في العاشر من شهر أكتوبر الماضي، أي بعد شهر على نهاية المعارك ليستقروا في المنطقة التي باتت تعرف ''بالمخيم الجديد''، وهي جزء من المنطقة المخصصة للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا إلى لبنان بعد عام ·1948 أما ''المخيم القديم'' الذي تعرض لدمار واسع بسبب القصف المكثف وتحصن مقاتلي ''فتح الإسلام'' بداخله، فلم يدخله الجيش اللبناني بعد، وبرغم الظروف السيئة داخل مخيم ''نهر البارد'' وانعدام الشروط الضرورية للاستقرار وسط الدمار المحيط بالمكان، يقول الفلسطينيون إنهم سيرجعون إلى ديارهم أولا، لأن المخيم يضم بيوتهم، وثانياً، لأن الكثير منهم لا يستطيع مواكبة أسعار الإيجارات في مخيم ''البداوي'' بعدما ارتفعت بشكل صاروخي في الفترة الأخيرة· وإذا كان المخيم الأخير استوعب العديد من اللاجئين الهاربين من ''نهر البارد'' بعد اندلاع المواجهات بين الجيش اللبناني وعناصر ''فتح الإسلام''، إلا أن الطلب المتزايد على السكن دفع بالإيجارات إلى عنان السماء، حيث ارتفع من 25 دولارا في الشهر إلى 200 دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة للاجئين الفقراء· يعبر عن ذلك الأمر ''أبو محمود''، أحد قاطني ''نهر البارد'' الذي عاد إليه مؤخراً بقوله: ''قبل اندلاع القتال في المخيم كان إيجار بيت من ثلاث غرف في البداوي لا يتعدى 100 دولار في الشهر''· ورغم استقبال ''نهر البارد'' للاجئين العائدين، إلا أنه مازال خاضعاً لرقابة الجيش اللبناني، حيث يمنع الصحافيون من دخول المخيم ويسمح فقط للمنظمات غير الحكومية، والوكالة الأممية المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين لمساعدة العائدين· لكن التضييق المفروض على دخول المخيم يزيد من الإشاعات التي يطلقها اللاجئون الفلسطينيون العائدون إلى ديارهم، من أن الجنود اللبنانيين نهبوا ديارهم وأحرقوا البعض منها حتى بعد انتهاء المواجهات مع عناصر ''فتح الإسلام''، حيث امتلأت بعض جدران المخيم بشعارات وطنية، وأخرى مسيئة للفلسطينيين· في بيت ''أبي محمود'' وجد أكياس الدقيق والأرز المخبأة للمؤونة مفتوحة ومسكوبة على الأرض، وتم إضرام النار في الغرفتين اللتين يتكون منهما المنزل، يضيف ''أبو محمود'' قائلا: ''لقد حُطم جهاز التلفزيون كما سُرق آخر، بالإضافة إلى ثلاثة أجهزة راديو، فضلا عن مبلغ ثمانية آلاف دولار، وعندما غادر الجنود تركوا وراءهم ورقة كتبوا فيها أن المال يعود إليهم وليس إلينا''· في هذا السيـــاق دعت منظمة العفو الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان الحكومة اللبنانية خلال الأسبوع الماضي، إلى فتح تحقيق في مزاعم النهب وإضرام النار التي يرددهـــا سكان مخيم ''نهر البارد''؛ وفي ردها على تلك الادعاءات أصدرت الحكومة اللبنانية بيانــاً أكدت فيه بأنها ''لا تقبل أي انتهاك للقانون، أو حقوق الإنسان، لا سيما الانتهاكات التي قد تطال إخواننا اللاجئين الفلسطينيين''· وقد رفض متحدث باسم الجيش اللبناني التعليق على الموضوع، معتبراً القضية جزءا من الشؤون الداخلية للجيش· اللافت أن الإشاعات لم تجد صدى كبيراً في وسائل الإعلام اللبنانية، حيث حظي الجيش اللبناني بالثناء والاحترام مقابل الجهود التي بذلها في المواجهات الدامية مع عناصر ''فتح الإسلام''؛ ومن شأن نشر ادعاءات حول بعض التجاوزات التي قد يكون الجيش اللبناني تورط فيها أن يشوه الصورة اللامعة للجيش ويلطخ سمعته· وفي السياق ذاته أكد أحد كبار ضباط الجيش اللبناني، أنه لم يكن أمام الجنود سوى اتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة المقاتلين، موضحاً ذلك بقوله: ''لقد عمد الإرهابيون إلى تفخيخ المباني بالمتفجرات، ولم يكن أمام الجنود من خيار سوى إضرام النار لتفجيرها بطريقة آمنة''· ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©