السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان...والتحولات الاجتماعية

15 نوفمبر 2007 02:09
من يطالع عناوين صحف الخرطوم الرئيسية سيخرج بانطباع، أن هذا البلد الكبير يعيش أزمات مصيرية متعددة، وأنه حقا يقف على حافة الهاوية، كما عبر عن ذلك أحد كبار الصحفيين السودانيين فى مقالة رصينة ومؤسسة كانت أشبه بجرس الإنذار المنذر بحريق هائل قادم سيأكل اليابس والأخضر كما قال· فمن أزمة شريكي الحكم المتصاعدة إعلاميا في الداخل والخارج، إلى أزمة دارفور التي كلما تصور الناس إنها على بداية طريق الحل وفقا لقرارات ''الشرعية الدولية''، ظهر لهم فجأة، فصيل متمرد على كل الفصائل، ومشكلة في كل الجهات الإقليمية والدولية، متهما الجميع بعدم الحياد، والانحياز إلى جانب خصومه الآخرين؛ إلى أزمة لقمة العيش والارتفاع الهائل في أسعار الخبز الذي عجزت الحكومة أن تجد له مخرجا يوائم بين مصالح المنتجين والمستهلكين، حتى بات الناس يخشون أن يصبحوا وقد عادت طوابير الخبز إلى سيرتها القديمة؛ إلى أزمة حمى الوادي المتصدع التي أصابت الماشية في ولاية النيل الأبيض، وانتقلت لإصابة البشر؛ إلى الأزمة التي نشبت بين مدينتين إحداهما شمالية والأخرى جنوبية، وأدت إلى تعطيل وإغلاق المجرى الملاحي وتعطيل التجارة بين الشمال والجنوب لفترة من الوقت، ظلت هذه الأزمة تطفو على عناوين الصحف الرئيسية؛ إلى أزمة المركبات الداخلية في الخرطوم، التي أثارها قرار خاطئ للسلطات، اضطرت إلى التراجع عنه عندما لاحت في الأفق آثاره الصعبة على حركة السكان وتنقلاتهم داخل مدينتهم، مما دعا المجلس التشريعي للولاية إلى رفضه، واضطرت السلطة إلى سحبه والتراجع عنه في خطوات غير منتظمة· بين الأزمات المتضجرة بالصوت العالي، والأزمات المكبوتة، يلحظ المرء التغيير السلبي الهائل الذي بدأ في سلوك عامة النــاس الذين كانـــوا يوصفون عند القريب والبعيد بأنهم الشعب الطيب المضياف الحلو المعشر والعشرة؛ لقد نفد صبر الناس، وأصبح ''نفسهم ضيقا'' -كما يقول التعبير الدارج السوداني- مثلما حياتهم ومعيشتهم، هذا التغيير السلبي الهائل الذي يلحظه المرء بدون كبير عناء، هو من أخطر التحولات السلبية التي أصابت النسيج السوداني في الصميم· وهو خطير لأن التحولات السلبية في السياسة وفي الاقتصاد يمكن معالجتها عندما تتوفر للبلد شروط الإصلاح الاقتصادي والسياسي السليمة والصحيحة، وعندما تتوفر القيادة الرشيدة مصحوبة بعزم صادق على التغيير للأفضل، لكن التحول الاجتماعي السلبي أمر معالجته صعبة ويحتاج إلى جهود أكبر وأعظم على كل الجهات حتى يسترد المجتمع عافيته الاجتماعية· ولكن أخطر من ذلك أن لا ينتبه القادة السياسيون إلى هذه الحالة الاجتماعية، وهم في خضم مغامراتهم وأزماتهم السياسية، وأن يفقدوا الإحساس، وبالتالي التعامل معها باعتبارها أزمة مجتمعية تصيب الجميع، وتؤثر على كيان السودان المهدد أصلا بالتمزق والتشرذم· بعض الأصوات النادرة العاقلة تنبه وتحذر من أخطار تراها محدقة بالبلد وتدعو إلى الانتباه لهذا الخطر الذي يهدد المجتمع بأسره، لكن من يستمع ويستجب في مراكز السلطة والقرار السياسي المؤثر أصبح أقل من القليل في زمان السودان هذا الحافل بكل جليل وخطير، والذي افتقد فيه عامة الناس حكمة الحكماء وتعقل العقلاء الذين كانوا منارة السودان وأوتاد البلد الذين حموه من الانزلاق فوق الهاوية التي ليس لها قرار· لكن المطلوب الآن فوق الأصوات العالية التي تدعو للتشدد والتحدي المستفز بين فرقاء السياسة السودانية، أن يرتفع صوت الأغلبية الشعبية التي تكتوي بنيران الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي دائما وقودها هم هؤلاء المساكين والبسطاء والمقهورون·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©