نسرين درزي (مسندم) - كثر ممن يعشقون خوض مغامرات الطبيعة واستكشاف الأماكن النائية، تستهويهم الرحلات البعيدة التي يقطعون عبرها الجبال والوديان. وهذه الفئة نفسها غالباً تفضل الوصول إلى هذا النوع من المواقع السياحية بأقل جهد وأسرع وقت. وحبذا لو يتوافر ذلك مع خاصية الاستمتاع بالمناظر في طريقي الذهاب والعودة، سواء كانت وسيلة النقل من البر أو البحر أو حتى من طائرة «مايكرو لايت».
أن تغفو على صوت أمواج البحر وهي تندفع مسرعة باتجاه الشاطئ، وأن تستيقظ على نقر الماعز في الصباح الباكر، شعور تام بالسكون إلى النفس، لا سيما عندما تترافق هذه الأجواء مع تجربة نادرة في العودة إلى الماضي، وسط فيلا فندقية أشبه بكوخ ريفي كل ما فيه صديق للبيئة، وهذا ما تحققه منطقة زيغي الشاطئية المسيجة بسلسلة جبال صخرية في ظلال شبه جزيرة مسندم في سلطنة عُمان. والموقع الذي لا يبعد أكثر من 50 دقيقة بالسيارة من إمارة رأس الخيمة، يشكل لسكان المدن المجاورة في الإمارات الشمالية خياراً سياحياً لا يكبدهم عناء السفر.
يابسة وفضاء
تتميز منطقة زيغي بتاريخ عريق تكشفه القرى السكنية المعدودة هناك التي تتقارب جغرافيا، فيما تفصل بينها المرتفعات الشامخة في مشهد فريد لا يمكن رؤيته إلا من علو، وذلك عبر واحدة من المغامرات الرياضية التي يوفرها منتجع «الحواس الست - زيغي باي» الشاطئي، مثل التحليق الجوي عبر المظلة الهوائية «باراجولا» أو الطائرة المكشوفة «مايكرولايت» بـ 3 عجلات ومولد. أو من خلال التسلق الآمن للقمم الجبلية مع كامل تجهيزات السلامة، وصولاً إلى نقطة الفصل ما بين اليابسة والفضاء. وهناك وسط زرقة لا متناهية تتوارى من خلف خليج ناء عند شاطئ رملي ناصع، ثمة أشياء مثيرة يتلمسها الزائر غير الكلام المعتاد عن الهروب من الضوضاء والاسترخاء، إذ إنه ينعم باستعادة الصحة وتكريس كل وقته للصفاء الذهني وشحن الطاقة واكتشاف مكامن الإرادة ونقاط القوة فيه، ويكون له ذلك بمساعدة أخصائيين يستقبلونه بإجراء استشارة تحليلية لتوقعاته من الرحلة، ليهتموا بعدها ببدء برنامج رعاية شاملة ينسجم مع رغباته، ويمتد من 3 إلى 5 أو 7 أيام، حيث يتضمن كل تفاصيل الوقت ما بين الوجبات الغذائية ومواقيتها، وكذلك الأنشطة الرياضية والنفسية والبدنية. ومما يزيد من التجربة، ثراء وجودها في حضن منتجع تنتشر وحداته على شكل قرية تقليدية تراعي التراث العُماني بحرفيته وأزقته الضيقة، حيث الأجنحة هنا مصممة من الخشب والسعف وخوص النخيل والقش، تجمع بينها سلالم من الحجر الصخري وممرات متشعبة على نواصي طرق رملية تظللها أشجار النخيل في بيئة خالية تماماً من السيارات.
أجنحة «سعفية»
ويتحدث آكسل جاروش مدير عام «الحواس الست - زيغي باي» عن الخصوصية التي يوفرها المنتجع لرواده، لا سيما للمقبلين من دولة الإمارات كأقرب نقطة حدودية مع السلطنة عند مدينة دبا. ويذكر أن طبيعة المنطقة التراثية تفرض نوعاً مغايراً للضيافة القائمة على البساطة وشعور الدفء المنزلي والتنقل بين الوحدات الخدماتية من دون تكلف. ويقول إن المنتجع يضم مرسى خاصاً محاطاً بالجبال العالية، فيما تطل واجهته الأمامية على شاطئ رملي فسيح على امتداد 1,6 كلم، أما التصاميم الهندسية التي تغطيه، فهي تراعي البيئة البحرية لسكان الخليج ومعظمهم من الصيادين، وقد اختيرت بعناية فائقة، حيث تم تجهيز الفلل الفندقية وجلسات المطاعم الداخلية والخارجية بأثاث تقليدي يعكس الثقافة المحلية بعيداً عن الملامح العصرية وكل ما يمت إليها بصلة. ويشير آكسل جاروش إلى أن توزيع الأجنحة «السعفية» على اختلاف أحجامها، يأتي ضمن تقطيع فني يعزل الواحدة عن الأخرى في إطلالة مباشرة على الشاطئ، الأمر الذي يضمن المزيد من الخصوصية والسكون، وتحديداً للرواد من مجلس التعاون الخليجي الذين ينشدون الاستمتاع بالأجواء الطبيعية والشعور بالرفاهية في إقليم منفصل عن حركة السياح عموماً. ويؤكد أن أكثر ما يجذب الضيوف إلى الموقع، احترامه لمعايير الاستدامة ودخوله في أكثر من نشاط لحماية البيئة، إضافة إلى احتوائه الكثير من الأدوات والتفاصيل التي من غير المعتاد وجودها في المنشآت السياحية المماثلة، مثل أجواء المسطبة الشعبية، وشكل البيت الصيفي التقليدي مع المجلس الخارجي الذي يقع في الظل، وكذلك المكيفات المخفية من وراء ساتر القش التي غالباً يستعاض عنها بالمراوح القابلة للتحكم.
الحواس الست
تشكل جبال الحجر الوعرة خلفية مذهلة لقرية «زيغي باي» السياحية بامتياز، وهي بشموخها الأزلي تمنح الزائر إحساساً تلقائياً بالرجوع إلى زمن الأقدمين، وما يعزز هذا الشعور منذ لحظة الوصول إلى الموقع، حفاوة الاستقبال التي يضفيها فريق العاملين الذين يغمرون الضيف بابتساماتهم وترحيبهم في كل مرة يصادفونه ماراً من هنا أو عابراً من هناك. ومع المسطحات الرملية التي تغطي أرضيات المنتجع كافة، يتنقل معظم الرواد حفاة، حيث ينعمون بملامسة الأرض كمصدر إضافي إلى الطاقة الإيجابية.
وتقول مونيكا ماجورس مسؤولة العلاقات العامة في «زيغي باي»، إن الهدف الأساسي للمجتمع الحريص على تلبية مفهوم مجموعة «الحواس الست»، هو تحسين الحياة وتحقيق السعادة عبر تحفيز الحواس. وتوضح أنه تحقيقاً لذلك، يعمل فريق مختص باللياقة البدنية والخصائص العلاجية، على الاستفادة من الموارد الموجودة في البيئة المحيطة لتقديم سلسلة من البرامج الصحية للنزلاء. وتلفت إلى أن هذه البرامج تشمل تحليل نمط العيش وتقديم المحفزات الغذائية والرياضية اللازمة مع مجموعة منوعة من أنشطة اللياقة والرشاقة. وتذكر مونيكا ماجورس، أن فريق الخبراء داخل «زيغي باي» يعمل وفق جدول زمني يعتمد على المداورة ويضم متخصصين في العلاجات البديلة. ومن أولى مهامهم المساعدة على تخليص الجسم من السموم والتخفيف من الضغط النفسي، سعياً إلى تحقيق التوازن ما بين الجسم والعقل. وتشير إلى وجود خدمات إضافية تساعد على الاسترخاء، منها تنظيم رحلة بالزورق السريع أو الوصول قفزاً بالمظلة أو رحلة في البحر عند المغيب مع حفلة شواء خاصة وحصة يوغا يومية مع مدرب شخصي. وتضيف مسؤولة العلاقات العامة، أن مطاعم الفندق تتمتع بقوائم صحية تساعد على مبدأ التواصل مع الطبيعة كما هي الحال في كل من «سبايس ماركت» بمطبخه الطيني التقليدي، و»سامر هاوس» بجوار حوض السباحة وسط إطلالة على الوادي. وتتحدث عن تجربة الضيافة في «سنس أون ذي أدج» الذي يقع على بعد 10 دقائق من «زيغي باي» ويرتفع 293 متراً عن سطح البحر على قمة الجبل، وهو يكشف مشهداً بانورامياً لخليج عُمان، ويقدم قائمة أطباق بتوقيع نجوم «ميشلين». وهو يحتل نقطة استراتيجية كونه يقع في محاذاة الباحة التي تنطلق منها المظلات الهوائية في طريقها نحو مغامرة لا تتوافر في أي موقع سياحي في المنطقة.
ركوب الكاياك
عن تجربة «رحلة الحواس» في ربوع منطقة زيغي، يتحدث المعالج بالطاقة ستيف هارفي، مشيراً إلى أن المنتجع الصحي يركز على الرفاه وبرامج تجديد النشاط، وذلك مع التشجيع على ممارسة الأنشطة غير التقليدية، مثل الرياضات المائية غير الميكانيكية مثل السباحة بأنبوب التنفس وركوب الكياك، إضافة إلى التزلج على الماء وركوب المزلاج المائي والاستفادة من مركز الغطس. ويقول ستيف هارفي، إن عملية تخليص الجسم من السموم تعمل بنظام آليات العلاج الطبيعي وتشجع على التجدد، الأمر الذي يأتي بالتوازي مع الحميات الغذائية الخيارية التي يتم تصميمها خصيصاً لتحسين عملية الهضم وتنشيط الجهاز المناعي. ويوضح أنه من المهم جداً التخلص من الضغط النفسي عبر برنامج شامل يجمع بين العلاجات والأنشطة البدنية التي تهدف إلى استعادة الطاقة والتخلص من التوتر. ويعتبر المعالج بالطاقة ستيف هارفي أن مفهوم السياحة الترفيهية على جزيرة مفعمة بالحياة البيئية التي يمثلها منتجع «زيغي باي»، لا بد أن يكون مغايراً، إذ إن النزلاء هنا لا ينشدون الاستمتاع وحسب، وإنما الاستفادة من الوقت في تقديم الغذاء اللازم إلى الروح وإعادة الرونق إلى الذهن وأدوات الخيال.
روح المغامرة
هو برنامج توفره الخدمات السياحية في «زيغي باي»، مفيد للمغامرين الذين يودون التخلص من الضغط النفسي من خلال الأنشطة. ويستغل البرنامج المحيط الجبلي لإعادة التوازن إلى الجسم وتعزيز الاتصال بالطبيعة. ويتضمن جلسات خاصة من القفز بالمظلة والمشي بالطبيعة وركوب الدراجة الهوائية على الجبال وتمارين المخيمات والتجديف، وذلك لاستعادة الرشاقة والاستمتاع في آن.
نرويج الشرق
مسندم، إقليم تابع لسلطنة عُمان معزول عن بقية أراضيها، حيث ترتفع الجبال المحيطة بها إلى 2100 متر عن سطح البحر. ويصل امتداد مسندم إلى مضيق هرمز، حيث يطلق عليها تسمية «نرويج الشرق الأوسط» مع خلجانها الوعرة، وهي تبعد 100 كلم بالسيارة عن مطار دبي الدولي.
طريقة الوصول
للوصول إلى «زيغي باي» يمكن للضيوف الاختيار بين 3 تجارب للتنقل، إما ركوب الزورق السريع لمدة 15 دقيقة من ميناء دبا أو استقلال سيارة رباعية الدفع عبر رأس التلة المطلة على الخليج أو مرافقة طيار مظلي محترف خاص.
شايكاز
وجود الأطفال والمراهقين ضمن أجواء آمنة، يساعد الأهل على الاستمتاع إلى أقصى حد بالأنشطة الترفيهية المخصصة للكبار. وهذا ما يوفره نادي «شايكاز» للأطفال، وكذلك نادي الفتيان، عبر تقديم كل ما يمكن أن يشغل هذه الفئات العمرية ويملأ وقتهم بالحركة. وتهتم مجموعة من المرشدين بإعداد برامج منوعة للأبناء، مع تنسيق المسابقات التنافسية المحفزة التي تنقسم ما بين الأنشطة الداخلية، مثل جلسات تحضير البيتزا والألعاب الالكترونية، وبين رياضات كرة السلة وكرة المضرب وكرة الطائرة وسواها، وهنالك دائماً خيارات يمكن لأفراد الأسرة الاستمتاع بها معاً، مثل التنزه داخل الحديقة العضوية التي تمتد على مساحة 2500 متر مربع، والاستماع إلى الشرح الذي يترافق مع الجولة للاطلاع على جانب من المشروع البيئي الذي تلتزم به القرية السياحية.
عدد اليوم
