الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سـيهطل علينا المطـر

سـيهطل علينا المطـر
16 نوفمبر 2007 01:16
الآن يمكن للأطفال، أطفال المستقبل غير القريب بالذات، أن ينتجوا أشكالاً أخرى لخيالاتهم· فمثلاً ونحن صغار، لم نكن نعرف أن السحب في السماء هي قوى إنتاج مختلفة القيمة، بحيث كنا نستغرب أنها تمطر في مكان، وفي مكان يبعد عنه عشرة أمتار لا تمطر، بل مرات وفي نفس المكان الذي تمطر فيه نجد بقعة لم يمسها المطر، كان خيالنا وقتها يقول إن السحابة مثقوبة، أو إن السماء لم توزع السحب بالتساوي على الأرض، ولم نكن نعرف لماذا تلك السحابة وردية اللون، وأخرى قاتمة· لم يكن المطر وقتها غير خيال متسع باتساع السماء، بحيث إذا أمطرت عندنا فمعناه أنها تمطر في الأرض كلها، بل في الكون كله، وفي الغرفة المجاورة لغرفتنا· فقوانين تجمُّع البخار، والمناطق الدافئة، والباردة، والرياح المحركة، ورحلات السحب، وكيف تتكون، ومن أين تأتي لتذهب، ··· كل ذلك لم يكن في قواميس خيالاتنا الأولى سوى كونه فلاحا يحصد أرضه الذي زرعها وليس بإمكانه التعدي على زرع غيره· وإذا كانت تقنية استمطار السحب الآن ممكنة، فلا نعرف ما الذي سيؤول إليه ''الوضع السُحُبِي'' في الصراعات العالمية فيما بعد· إن شيئاً ما يتغير في طبيعة العلاقات التي كانت مستقرة منذ مئات السنين، والتحول الجذري حدث تحديداً منذ تطور الميكنة الصناعية، مُلغية بذلك تعداد اليد العاملة المرهِق لرأس المال، وبالتالي ''الخيال العامل'' أيضاً· بدأ شيء ما، شيء لا يشبه أجدادنا في الأساطير والحواديت والرحلات البرية والبحرية القديمة، وشكل الاكتشافات والمغامرات القديمة، أجدادنا وحركتهم البطيئة المتآلفة مع جغرافيا الإنتاج التقني المريح للروح، عكساً لما يسمى الآن بالدولة، فالمَدَنية، فالعولمة، وبرغم ما يوجد من دمار وتخريب في الحكايا القديمة، إلا أنه لا يقارن مع سرعة وحجم الدمار الذي يحدث الآن، لم تكن الحروب مأساوية ولا رأسمالية إلى ذلك الحد، إذ أن الحروب الآن لا تبيد البشر فقط، بل تقلَّص العالم إلى محتوىً هائج لمفهوم غير أخلاقي، ولا ديني لرأس المال، الذي تحوَّل بدوره إلى عقل بلا عقل· لقد تحوَّل واقعنا نفسه إلى واقع افتراضي، متجاوزاُ بذلك جميع الوقائع الافتراضية المصطنعة، كالكمبيوتر والأسلحة والمركزيات الدينية والعِرقية والشركات العملاقة والتفسير الصهيوني للتوراة والمسيحية، ومن قبل كل ذلك الأحلام، تلك التي كانت مجرَّد سحابة تمطر فتُبلل وتنعش حبَّا مُراهِقاً · إن ما يعاد إنتاجه في عصرنا هذا ليس سوى إحدى المغامرات لاكتشاف أشكال أخرى لسؤال كيف سينتهي العالم، كما النبوءات القديمة، أكانت سماوية أم غير سماوية؟، ولأن القانون الفيزيائي للمادة هو شكل لبداية وشكل لانتهاء من خلال تحولات عدَّة، فلسنا بحاجة إلى عمل مقارنات معقدة لكي نرى هرمية التحولات الإنسانية والحيوانية والنباتية من خلال أقدم الحفريات وصولاً لما نحن عليه الآن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©