الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوار الهويات

16 نوفمبر 2007 23:18
كان اليونانيون هم أول من صكَّ مفهوم الهوية، إلا أن لفلاسفتنا المسلمين دورهم في الاحتفاء بتعريف مصطلح الهوية ابتداء من الخوارزمي فالكندي، ومن ثم الفارابي فابن سينا، وصولاً إلى ابن رشد والكفوي وبقية فلاسفتنا العظام الذين تمثلوا مفهوم هذا المصطلح وصاغوا مشروعاتهم الفلسفية التي جاءت معبِّرة عن هوية رؤيتهم العربية الإسلامية في الدين والمجتمع والإنسان والتاريخ والمستقبل· تعامل فقهاؤنا القدماء مع الإسلام على أنه الهوية الأصل، فانبروا لاستنباط الأحكام من نصوصه المركزية (القرآن والسُّنة) ليبنوا فروعه، وتعامل فلاسفتنا القدماء مع الإسلام أيضاً على أنه الهوية الأصل فانبروا يقاربون بينه والعقل الإنساني الذي هو أداة الفلسفة ليبنوا فروعاً؛ فهذا الفارابي يضع كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة) كمدينة قرآنية نبوية إنسانية شاملة للعقل البشري فيها منزلة كبرى، وهذا الشيخ الرئيس ابن سينا يضع ثلاث موسوعات كبرى هي: (الشفاء)، و(النجاة)، و(الإشارات والتنبيهات) للتعبير عن الهوية الإسلامية برؤية فلسفية إشراقية، وهذا الغزالي يضع كتابه (إحياء علوم الدين) في محاولة إصلاحية منه لإعادة الاعتبار إلى هوية أصول الدين الحنيف نهاية القرن الخامس الهجري، ولم يكتف بذلك إنما وضع كتابه (تهافت الفلاسفة) في محاولة نقدية منه لتقييم هوية الفكر الفلسفي الإسلامي حتى زمانه، وليأتي ابن رشد بعده ليضع كتابه (تهافت التهافت) في محاولة منه لإعادة الاعتبار إلى هوية التفكير الفلسفي· الهوية مبدأ مجرَّد في علم المنطق، لكنها فكرة جنينية عند المجتمعات التي تطلب من أبنائها التعبير عنها واقعياً بما هو ملموس ومحسوس ومنظور؛ فالفرد هوية، والشخص هوية، والجمال هوية، والحق هوية، والخير هوية، والأسرة هوية، والعشيرة هوية، والقبيلة هوية، والوطن هوية، والأمة هوية، والدولة هوية، والإقليم هوية، والعرق هوية، والمذهب هوية، والطائفة هوية، الخ··· العالم من حولنا عبارة عن هويات متعدِّدة، هويات قائمة بخصوصيتها وكيانها، لكنها هويات تحتاج إلى أهلها ودُعاتها لكي يتم التعبير عنها واقعياً لتكبر وتتسع وتنمو وتؤثر في مجالها الذي تتحرَّك فيه، وأهل الهوية ودعاتها هم الأفراد والأسرة والقبيلة والدولة والمجتمع الذين يساهمون في بناء الهوية من خلال فهمها واللجوء إلى أفضل الوسائل للتعبير عنها وهو ما يسهم في إعادة بنائها وفق ظرفيات الحياة ومتغيراتها· ما هو لافت، أنه لا توجد هوية قائمة برأسها تتحرَّك وتنمو وكأنها الهوية الوحيدة التي لا غيرها هوية، ما يعني أن الهويات تتفاعل وتتداخل، تؤثر وتتأثر، تعطي وتأخذ، ترمي بشباكها وتُرمى لها الشباك· وفي ضوء ذلك، لا تبدو هويات العالم المتعدِّدة جزراً معزولة أو مترامية لوحدها كما لو كانت جميع الطرق إليها مقطوعة عنها وإليها· الهويات أصول تنتظر من البشر وفي كل مكان بناء فروعها على نحو فاعل وخلاق من خلال إثرائهم لأصلها وتكريس فروعها على أرض الواقع، ومن خلال فتحها على بعضها البعض؛ فبناء فروع الهويات يتطلَّب حوار الهويات فيما بينها، ومد أواصره بالتواصل البيني والتراكم التفاعلي، ولعل حوار الحضارات أو حوار الثقافات أو حوار الأديان هو المعادل الموضوعي لما نريد تسميته بـ (حوار الهويات)· رسول محمد رسول rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©