الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الهوية التركية الملتبسة·· بين الأنا والآخر

الهوية التركية الملتبسة·· بين الأنا والآخر
16 نوفمبر 2007 23:22
تعتبر رواية القلعة البيضاء ، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ سلسلة الجوائز، ترجمة ايزابيل كمال، واحدة من الأعمال التي جلبت الشهرة إلى الروائي التركي أورهان باموق الحائز على جائزة نوبل، ومن أكثر أعماله شهرة، وأكثر أعماله ترجمة· ويبدو أن هذا العمل يستمد هذه المكانة لأنه يعالج علاقة التركي مع أوروبا في فترة من أكثر الفترات توتراً بين الطرفين· فزمن الرواية هو القرن السابع عشر، وهو من أكثر الفترات صداماً بين الدولة العثمانية وبين الغرب الأوروبي، ففي الفترة التي بدأت تشهد ضعف هذه الدولة وتراجعها، هو الوقت الذي أخذت أوروبا فيه تصعد، ولأن تركيا هي الحدود الواصلة بين الشرق والغرب، وهي المناطق التي شهدت أوسع الصدامات التاريخية بين الشرق والغرب على مدى تاريخ العلاقة بين الطرفين، فهي تشكل موقع الالتباس في الهوية· والرواية في مستوى من مستوياتها يمكن اعتبارها تجسيداً لالتباس هوية تركيا الأوروبية ـ الشرقية، وتجسيدا لعلاقة التماهي والرفض بين كل من الهويتين التي لم تستطع تركيا إلى اليوم حسمها رغم التوجه التركي إلى الغرب اليوم· الراوي المفترض تروي القلعة البيضاء مخطوطا يكتشفه الراوي المفترض، يروي فيه عالم ايطالي شاب سيرته الشخصية، منذ خرج في رحلة بحرية عادية من مدينة فينيسيا إلى مدينة نابولي ووقوعه بالأسر في قبضة العثمانيين· يدخل إلى السجن، وبحكم إمكانياته العلمية يستطيع أن يجد له مكانة مختلفة في السجن· ويصل صيته إلى حاكم الولاية التي يسجن فيها، حيث يستعين به لحل المشكلات التي يواجهها· ولخدماته التي يقدرها الحاكم يحاول إطلاق سراحه، ولكن هذا الإطلاق يحتاج منه أن يتخلى عن مسيحيته ويعتنق الإسلام، ولكن الأسير الايطالي يرفض هذه الحل· وهذا ما يجعل الحاكم تقديراً للإمكانات نفسها التي اختبرها يحاول مساعدته، من خلال تهديده بالإعدام إذا لم يعتنق الإسلام، ولكنه في النهاية يعفو عنه، ويمنحه كعبد إلى عالم تركي يشبهه تماماً· تأخذ العلاقة بين العالِمين أشكالاً متباينة من أقصى الانسجام إلى أقصى العدائية، من قبول الأفكار المطلق إلى الرفض المطلق لأفكار الآخر· وإذا كانت العلاقة بين الطرفين هي علاقة عبد وسيده من ناحية الشكل، لكن التأثير ليس باتجاه واحد من السيد إلى العبد، بل هو تأثير باتجاهين، في كثير من الأحيان تأثير العبد على السيد أقوى بكثير من التأثير المعاكس· يعيش العالمان في ذات المنزل، فالعالم التركي لم يتزوج، وهو بحكم شغفه بالعلم، يطلب من العالم الإيطالي أن يطلعه على كل ما يعرفه، ويحصل على هذه المعرفة ويتعلم حتى الايطالية· وفي الوقت نفسه يتعلم الايطالي التركية، ويتعرف على المجتمع التركي وآليات التفكير ويعيش دواخله· وفي مرحلة من مراحل الرواية، يطلب التركي من الايطالي أن يطلعه على كل ما له صلة بعلاقاته الشخصية، بحيث يصبح قادراً على تقمص شخصيته وأداء دوره أمام أمه وخطيبته· شبيهان يتماهيان تتوتر العلاقة بين الطرفين إلى حدها الأقصى، عندما يضرب مرض الطاعون البلاد· ويطلب السلطان من العالم التركي أن يتنبأ له بوقت انتهاء هذا المرض، يساعد العالم الايطالي شبيهه التركي بالطلب من السلطان اتخاذ مجموعة من الإجراءات لوقف الوباء، ويوزعون من يحصون لهم عدد المرضى في كل مكان وبناء على هذه الإحصاءات يتنبأ بتراجع المرض خلال فترة محددة وينجح التنبؤ· كل ذلك دون أن يظهر العالم الإيطالي في الصورة· وهذا النجاح يجعل العالم التركي المنجم الرئيسي للسلطان· في لحظات الطاعون القصوى يصاب ''العالم التركي'' ببعض البثور، ويعتقد أنه أصيب بالطاعون، يخاف العالم الإيطالي خوفاً مرعباً، عندما يحاول التركي نقل المرض إليه من خلال ملامسته· تمضي محنة الطاعون، ويبقى الشبيهان يتماهيان، ويصبحان أكثر قرباً من بعضهما البعض، ويصبحان أكثر شبهاً ليس بمعنى الشكل الخارجي، ولكن حتى بالمعنى الداخلي· وهذا التماهي النهائي يكاد يجعلهما شخصاً واحداً، وفي النهاية تلتبس الرواية بين الإيطالي الذي يمارس حياة التركي بدلاً عنه، والتركي الذي يلتبس مصيره· وكأن الرواية هي تجسيد لواقع تركيا الملتبس، التباس المجتمع المسلم الذي يريد أن يصبح غربياً·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©