الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أما بعد»

18 مارس 2010 20:07
لدى حضوري إحدى الندوات الثقافية، لاحظت أن أغلبية الحضور كانوا بين من يغط في نوم عميق، ومن يتثاءب، مللاً، وعلى الرغم من أن الحضور حضروا بإرادتهم، إلا أن المتحدث (لم يستطع إيصال أفكاره التي كانت في منتهى الأهمية)، ولكن طريقة الإلقاء كانت فاترة، مملّة لا تناسب الموضوع. الخطابة فن من فنون الكلام، والخطيب الناجح يؤثر في المستمعين، بتوظيفه الكلام توظيفاً يناسب المناسبة التي يتحدث فيها، ويتلاءم مع حال وماهية المستمع (المتلقي)، ومستواه الثقافي والتعليمي، وحالته النفسية، ولا يكتفي بالكلام إنما يوظف جميع حواسه، في سبيل التأثير في المتلقي، ويلجأ إلى الإشارة عندما يتطلب الموقف ذلك. وسواء أكان المتحدث (الخطيب) مثقفاً، أو سياسياً، أو عالماً، أو فقيهاً، لابد له من مراعاة حال المخاطب. منذ القدم العرب أهل خطابة، حيث كانت حياتهم القبلية تتطلب إتقان الخطابة، لحاجتهم إليها في التحريض على القتال، والتحكيم في الخصومات، وإصلاح ذات البين، وفي المفاخرات والمنافرات، والوصايا وغير ذلك. وبسبب اعتماد الخطيب على صوته فقط كان الخطيب يقف في مكان مرتفع أو على ظهر راحلة، ليصل الصوت ولتظهر ملامحه وحركات جوارحه، ولا غنى للخطيب عن عصب العمامة والاعتماد على عصا أو قناة أو قوس وربما أشار بإحداها. وخطباء العرب كثيرون، من أقدمهم كعب بن لؤي وكان ذا نفوذ عظيم في قومه، ومنهم أيضاً قيس بن خارجة بن سنان خطيب داحس والغبراء وخويلد بن عمرو الغطفاني خطيب يوم الفجار، وقس بن ساعدة الإيادي، خطيب عكاظ، وهو خطيب العرب قاطبة ويضرب به المثل في البلاغة والحكمة، كان يدين بالبعث، والتوحيد، ويؤمن بالبعث، ويدعو العرب إلى نبذ العكوف على الأوثان، ويرشدهم إلى عبادة الخالق، ويقال إنه أول من خطب على شَرَف، وأول من قال: «أما بعد» وأول من اتكأ على سيف أو عصا في خطابته وكان الناس يتحاكمون إليه «وهو القائل» البينة على من ادعى واليمين على من أنكر». وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يخطب في عكاظ، فأثنى عليه، وعُمرّ قس طويلا، ومات قبيل البعثة. من خطبه خطبته في سوق عكاظ: أيها الناس: اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات وكل ما هو آتٍ آت، ليلٌ داج، ونهار ساج، وسماءٌ ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مُرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مُجراة، إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تُرِكوا هناك فناموا؟ يقسم قسٌ بالله قسماً لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضى لكم وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً ويروى أن قساً أنشأ بعد ذلك يقول: في الذاهـبين الأوليـــ ـــن من القرون لنا بصائرْ لمــا رأيـــت مــــوارداً للمــوت ليس لها مصـادرْ ورأيـتُ قومــي نحوهـا تمضــي الأكابـر والأصاغـرْ لا يرجـع المـاضي إلينا ولا مـــــن الباقيــن غابـرْ أيقنــت أنــي لا محــا لة حيث صـار القـوم صائرْ إسماعيل ديب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©