الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا و«الحرب الطويلة».. خمس «أفكار كبيرة»

17 ابريل 2016 22:59
صياغة سياسة وطنية رشيدة وناجحة تقتضي إيجاد الأفكار العامة الصحيحة. ويغدو تصحيح «الأفكار الكبيرة» هاماً بشكل خاص عندما تضعف وتفند الأحداثُ والتطورات المهمة الأفكارَ التي كانت تقوم عليها السياسة والاستراتيجية السابقة، وهو ما يبدو أنه واقع الحال في أعقاب «الربيع العربي». ولتوضيح هذه النقطة، أشرتُ في أحيان كثيرة إلى أن «الزيادة» الأهم في العراق لم تكن الزيادة في عديد القوات، وإنما الزيادة في الأفكار التي توجِّه الاستراتيجية التي أدت في النهاية إلى تقليص أعمال العنف في البلاد بشكل مهم. وقد شملت أكبر الأفكار المهمة التي وجهت «الزيادة» في العراق إدراكاً للآتي: - إن المجال الحاسم هو المجال البشري وأن تأمين الناس هو ما ينبغي أن يكون مهمتنا الأولى؛ إذ من دون تحقيق تقدم على هذا الصعيد، من غير الممكن تحقيق أي شيء. - وأننا لا نستطيع تأمين الناس إلا من خلال عيشنا معهم، حيث ينبغي أن نضع قواتنا في أحيائهم بدلا من عزلها وتحصينها في قواعد كبيرة، مثلما كنا نفعل خلال العام السابق على «الزيادة». - وإننا لا نستطيع القضاء على حركة التمرد التي كانت تجتاح العراق من خلال القتل والاعتقال، فرغم أن القتل والاعتقال كانا ضروريين، فإننا كنا بحاجة للتفاوض والتصالح مع أكبر عدد ممكن من أتباع هذه الحركة. - وإننا لا نستطيع تطهير المناطق من المتمردين ثم تركها والتخلي عنها بعد تسليم المسؤولية الأمنية عنها لقوات الأمن العراقية. فقد كان علينا القيام بالتطهير والسيطرة، وألا نقوم بنقل المسؤولية عنها إلى العراقيين إلا بعد أن نبلغ وضعاً يستطيعون الحفاظ عليه. اليوم، وبعد مرور تسع سنوات صعبة، هناك خمس أفكار أخذت تتبلور باعتبارها الأفكار التي يجب أن نستخلصها من التطورات التي حدثت خلال العقد الماضي. أولا، من الواضح بشكل متزايد أن الفضاءات غير الخاضعة لحكم الحكومات، من غرب أفريقيا حتى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ستصبح مستغلة من قبل المتطرفين الإسلاميين الذين يريدون إقامة ملاذات يستطيعون فرض نسخهم المتطرفة من الإسلام فيها وشن هجمات إرهابية انطلاقاً منها. ثانياً، من الواضح أيضاً أن هجمات ونشاطات هؤلاء المتطرفين لن تكون مقتصرة على المناطق التي يوجدون فيها. فمثلما هو عليه الحال في سوريا، فإن أعمال التنظيمات المتطرفة ستنتج اضطرابات وتطرفاً وعنفاً ولاجئين، بعيداً جداً عن محيطها وحدودها المباشرة، لتطرح بذلك تحديات صعبة وكبيرة بشكل متزايد بالنسبة لشركائنا في المنطقة وحلفائنا الأوروبيين بل وحتى بلدنا. ثالثاً، من الواضح على نحو متزايد أيضاً أنه من أجل الرد على هذه التحديات لابد من زعامة أميركية، ذلك أنه إذا لم تقم الولايات المتحدة بالقيادة، فإنه لن يقوم أي بلد آخر بذلك على الأرجح. وعلاوة على ذلك، فإنه لا توجد أي مجموعة من البلدان، في الوقت الراهن، تستطيع مضاهاة القدرات الأميركية. هذا لا يعني أن على الولايات المتحدة أن تتحمل عبء جهود كبيرة من أجل التصدي للتنظيمات المتطرفة في كل مرة. بل على العكس، إذ على الولايات المتحدة ألا تقوم إلا بما هو ضروري قطعاً، على أن نقوم بذلك من خلال التعاون مع أكبر عدد ممكن من الشركاء. وقد كان تشرشل محقاً إذ قال: «هناك شيء واحد فقط أسوء من القتال مع الحلفاء، وهو القتال بدونهم». على أنه إذا أراد أحد هؤلاء الشركاء أخذ المبادرة وتقلد الزعامة -على غرار ما فعلت فرنسا في مالي– فعلينا أن ندعمه ونسانده، مع إدراكنا أننا قد نضطر إلى المساهمة في ذلك الجهد. بيد أن الشركاء من العالم الإسلامي يكتسون أهمية خاصة. ذلك أن لديهم حوافز ودوافع كبيرة للانخراط والمشاركة، نظراً لأن الصراعات الحالية، بشكل عام، ليست صدامات بين الحضارات، فما نشاهده حالياً هو في الحقيقة أقرب إلى صدام داخل حضارة واحدة، حضارة العالم الإسلامي، منه إلى أي شيء آخر. والزعماء الذين لديهم أكثر الأشياء ليخسروها إذا ما اكتسب التطرف زخماً وقوة هم زعماء الدول الإسلامية. رابعاً: الطريق الذي تنهجه الولايات المتحدة وشركاؤها في الائتلاف ينبغي أن يكون شاملاً وليس مجرد مقاربة ضيقة لمحاربة الإرهاب. فمن الواضح على نحو متزايد أن المطلوب يتعدى مجرد ضربات دقيقة وغارات لقوات العمليات الخاصة. هذا لا يعني أن على الولايات المتحدة القيام بقوم بتوفير قوات برية تقليدية أو القيام بعنصر المصالحة السياسية أو النهوض بمهام بناء الدول الضرورية في مثل هذه الحالات. ففي العراق حالياً، على سبيل المثال، من الواضح أن على العراقيين ألا يقوموا بتوفير هذه العناصر فحسب، ولكن أيضاً أن يقوموا بذلك حتى تظل النتائج التي يتم تحقيقها –بمساعدة مهمة من الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة– مستمرة ومستديمة. خامساً، وأخيراً، من الواضح أن الجهد الذي تقوده الولايات المتحدة يجب أن يكون مستديماً ويستمر، لما قد يكون فترة ممتدة من الزمن، وأن خفض مستوى جهودنا ينبغي أن يكون مرهوناً بالظروف الميدانية وليس بالجداول الزمنية الثابتة. فلئن كانت الجداول الزمنية الطموحة لتقليص جهودنا لا تخلو من مزايا وفوائد، فإنه من الواضح من تجاربنا السابقة تحت حكم إدارات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر أن العمليات الانتقالية المبكرة وعمليات خفض القوات أو سحبها السابقة للأوان، يمكن أن تؤدي إلى الانتكاس وخسارة التقدم الذي قدّمنا في سبيله تضحيات جسام، كما يمكن أن يؤدي إلى اضطرارنا للعودة إلى بلد من البلدان قصد تلافي انتكاسة للمصالح الأميركية هناك. والأكيد أن لا شيء سهل بخصوص الأشياء التي ذكرتُها. ذلك أن النجاح في كل هذه الجهود سيتطلب التزاماً طويلا ومستديماً، ليس من قبل قواتنا العسكرية فحسب، ولكن أيضاً من قبل قدرات وزارات ووكالات أخرى. والأكيد أيضاً أن مقاربة شاملة ليست سهلة ولا رخيصة. غير أن ذلك ينسحب أيضاً على الأعمال التي سنضطر للقيام بها إذا ما أصبحت الفضاءات غير المحكومة بشكل كاف من قبل الحكومات، غير خاضعة لحكمها كلياً بل مستغَلة من قبل المتطرفين العابرين للبلدان. إن «الحرب الطويلة» ستكون ماراثوناً طويلا جداً، وقد آن لنا أن نقر بذلك. غير أننا وحلفاءنا نمتلك القدرات للرد بطريقة معقولة وحذرة، مسترشدين بالأفكار الكبيرة التي ذكرتُها، أما دون ذلك، فلن يكون كافياً لدحر التطرف. *جنرال أميركي متقاعد قاد قوات التحالف في العراق وأفغانستان، ومدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©