الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تشريح لجذور العنف الدموي بالجزائر

تشريح لجذور العنف الدموي بالجزائر
18 نوفمبر 2007 00:03
صدر للروائي الجزائري محمد ساري رواية جديدة بعنوان ''الغيث''، وهي من منشورات دار البرزخ، وتقع في 259 صفحة من الحجم المتوسط· والرواية محاولة لتشريح جذور ودوافع أزمة العنف الدموي الذي ضرب الجزائر في التسعينات من خلال العودة إلى الماضي، انطلاقا من فترة ما بعد الاستقلال في الستينات، حيث تفرغ المجاهدون لجمع ''الغنائم''· المتن الحكائي يقدم الروائي شخصية ''عمر حلموش'' أنموذجاً، ويستأثر جيل الثورة بالسلطة والثروة، بينما يشب جيل ما بعد الاستقلال فقيراً محروماً، فيجنح بعضه إلى اعتناق الشيوعية أو الغلو في التدين كرد فعل، حيث يمثل ''الزنديق'' موسى الطرف الأول، ويمثل ''المهدي'' الطرف الثاني؛ ويقدم الروائي تحليلاً وافياً لشخصيته انطلاقاً من طفولته التي عاش فيها فقرا ماديا وحرمانا عاطفيا كبيرا بسبب بؤس أبيه وقسوته الشديدة في نفس الوقت؛ فهو لا يتورع عن ضرب أمه أمامه كل يوم وكذا طرده ليقضي لياليه خارج البيت يعاني الجوع والبرد والخوف، وبمرور الأيام، تمل الأم ''نايلة'' الوضع وتطلب الطلاق وتتخلى عن صغيرها ''المهدي'' الذي يتضاعف بذلك حرمانه العاطفي، فيشب مضطرباً عنيفاً، فيدفعه ذلك إلى النقمة على كل شيء، فيلجأ لاشعورياً إلى اعتناق مفاهيم تدميرية للتعويض وإيجاد مبرر ''شرعي'' لتفجير نقمته وتبرير عنفه ضد المجتمع، ويحاول إصلاحه بالقوة بعد أن يكسب، بخطبه ومواعظه، أنصاراً وأتباعاً يتزايدون يوماً بعد يوم وهم يشبهونه في عنفه وفقره، وبدأت أولى مؤشرات تمردهم على السلطة بعد أن قاموا بطرد الإمام والاستيلاء على المسجد وتنصيب المهدي إماماً جديداً، فيستنجد الإمام المقال بالأمن، لكنه يتلكأ في التدخل لأن السلطة ارتأت أن ترخي الحبل للمتطرفين لمواجهة المد الشيوعي المتصاعد في الجزائر· نفس سردي بعدها تبدأ المواجهات الحتمية بين جماعة المهدي والشيوعيين في الجامعات والحدائق التي يرتادها العشاق والشوارع· ولا يتردد في استعمال القوة والعنف ضد هؤلاء بدعوى مكافحة ''الزندقة والرذائل'' وبذلك ينقل لنا الكاتب الجو العام للجزائر في أواخر السبعينات وعشرية الثمانينات، حيث تحتدم المواجهات الجسدية بين الطرفين في أكثر من موقع، كما تشتد المناظرات الفكرية والملاسنات التي مرر بها الروائي وجهات نظره الرافضة للأفكار التدميرية· في هذه الرواية، برهن ساري عن امتلاكه نفسا سرديا طويلاً فهو ينتقل بنا من مشهد إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى بلغة جميلة سلسة برع بها الكاتب في وصف الأحداث والمشاهد والشخصيات، كما استطاع الاحتفاظ بعنصر التشويق إلى آخر صفحة، حيث يدرك البطل ''المهدي'' أن المعجزة التي طالما انتظر أن يؤيده الله بها لإقناع المجتمع بصلاحه، لم تكن إلا وهماً وسراباً· الرواية تعمقت في تشخيص أسباب أزمة الجزائر وجذورها النفسية والاجتماعية انطلاقاً من الستينات، ودون أن ينزلق الكاتب إلى فترة الإرهاب في التسعينات خوفا من أن يُحسب على الأدب الاستعجالي الذي يرفضه، لكن الرواية قد تجلب له متاعب جمة مع الجهات المختلفة إذا قرأوها خاصة وأنها أمعنت في السخرية من أفكارهم·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©