الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاهي الشيشة .. إذا بدأ مزاجها اخترب مزاج الشارع

مقاهي الشيشة .. إذا بدأ مزاجها اخترب مزاج الشارع
18 نوفمبر 2007 02:08
يحتلون الأماكن بغير حق، يملأون الشوارع وفوقها الأزقة بسياراتهم، يوقفونها على اليمين واليسار وفي الوسط وعند المفارق، لا يمنعهم شيء من تسلق الأرصفة أو الالتصاق بمستوعبات النفايات أو حتى ''التسكير'' على سيارة أخرى لا حول لصاحبها ولا قوة، وليس بإمكانه سوى انتظار الفرج والعثور على الجاني، بينما يجلسون على مقاعدهم، ينفخون دخان نراجيلهم غير عابئين بالآخرين· إنهم مرتادو المقاهي المنتشرة كالنار في الهشيم بين أحياء أبوظبي، والذين لا تحلو لهم الشيشة إلا تحت المباني السكنية، وعلى الأرصفة التي تتحول في الليل إلى وكر للدخان ورائحة المعسل وعبق الفحم، رغم كل ما قيل ويقال عن مخاطرها الصحية والاجتماعية وما تسببه من ضجيج وإزعاج· المشهد بعد الثامنة مساء موتِّر ويحرق الأعصاب، خصوصا لسكان المناطق الذين شاء طالعهم السيئ أن يكونوا جيران ''دكاكين'' الشيشة؛ فعدا عن الإزعاج والضوضاء ثمة همّ أكبر يشكون منه: العثور على ''باركنج''، فأين يركنون سياراتهم وسط الفوضى العارمة للمواقف؟ ومن يشعر بمعاناتهم بعد يوم طويل من العمل؟ يعودون الى بيوتهم بقصد الراحة فيجدون في انتظارهم رحلة يومية مع العذاب، ويبدأون في اللف والدوران مرة واثنتين وثلاثا حول شارعهم، والشارع المجاور والشارع المقابل بحثا عن موقف تائه نجا صدفة من رواد المقاهي· يبحثون عن أي مساحة فارغة كما يبحث الغريق عن قشة النجاة، وإذا حالفهم الحظ بسيارة خارجة للتو من موقف مناسب يشعرون بانتصار ما بعده انتصار· وإلا ليس أمامهم سوى الانتظار على أعصابهم إلى ما بعد منتصف الليل، وحتى يحلو للمداومين ليلياً على الشيشة أن يفرجوا عن المواقف التي يباشرون باحتكارها بمجرد أن يحل المساء· من يمر بسيارته بالقرب من تجمعات الشيشة تلك، والتي تتمركز على نحو خاص في أحياء الخالدية والنادي السياحي، يمكنه ببساطة متناهية أن يلاحظ أزمة السير التي تتسبب بها· فعدا عن استحالة العثور على باركينج شاغر، فإن عملية الخروج من أي موقف تعني ازدحام الشارع كله بصف من السيارات· والسائق المتجول في تلك الدهاليز يجب أن يكون بارعا في شؤون القيادة ليخرج سالماً بسيارته التي - حتى مع إغلاق المرآة الجانبية - بالكاد ستنجو من الاصطدام يمنة أو يسرة· بصعوبة بالغة تمكنا من ركن السيارة لمعاينة المكان من قرب، ويا لهول ما رأيناه: أرصفة تم احتلالها بالكامل وفرشها بالموكيت المهترئ المتسخ الآخذ بلونه الى السواد· كراسٍ غير منتظمة وكنبات هابطة أخرجت من الداخل لينعم الزبائن بالجو اللطيف في الخارج حتى وإن كان على حساب المارة والمنظر العام للشارع· رواد المقاهي على ما يبدو لا يعانون من أزمة المواقف التي سببوها للآخرين، أحدهم ويدعى أبوعبد الله، كان ممعناً في كركرة شيشته عندما سألناه: كم مرة في الأسبوع تأتي الى هنا؟ فأجاب: لديَّ طاولة محجوزة يوميا أجتمع فيها مع الربع كل مساء بدءا من التاسعة · ولما سألناه: وكيف تجد موقفا لسيارتك؟ جاء رده سريعا وعلى شفتيه ابتسامة لا تخلو من شقاوة: أدفع لصبي الفحم ليحجز لي أقرب موقف أمام المقهى، فيضع كرسياً يبقيه فارغاً لحين وصولي''· أبوعبدالله وجد في ''كرسي الحجز'' حلاً مثالياً لينعم بوقته، لأن البحث عن باركينج في ذلك المحيط يعكر المزاج· أما أشرف مطر فيقصد المقهى قبل أن يزدحم الشارع، ويختار الموقف الأنسب ثم يمضي الى مشواره بالتاكسي ويعود به مساء، وهكذا يضمن أن يرجع الى بيته بعد منتصف الليل بسيارته من دون أن يضيع وقته ويرهق أعصابه بالبحث عن موقف· فكرة أخرى لا تقل ذكاء أخبرنا بها رجل اكتفى بذكر الأحرف الأولى من اسمه، (أ،ق) فهو يركن سيارته صفاً ثانياً ويتركها مفتوحة، وبمجرد أن يزمر له صاحب السيارة المسجونة يمرره ويركن مكانه· وهو بذلك - مثل كثيرين سواه - لا يأبه طبعا بوقت الرجل الآخر ولا بإرباك حركة المرور من خلفه· يبدو أن كل شيء مباح في سبيل ''المزاج''، لكن إلى متى سيبقى الحق العام، الذي ينبغي أن لا يكون مستباحاً، عرضة للانتهاك من هذا أو ذاك؟·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©