الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيروز أحمد.. حمّال الأسيّة

فيروز أحمد.. حمّال الأسيّة
18 نوفمبر 2007 02:10
معلقة حياته على مشجب الفراق، منذ غادر فيروز أحمد بلدته الصغيرة على رؤوس أصابع القلب، ليس اختباراً لقدرته على فراقها، بل لأن الحياة اختبرته، ووضعت أمامه مجموعة من الظروف، قد لا تختلف عن ظروف أي مجتمع فقير أو أسرة رقيقة الحال، تسعى في الحياة وراء ما يسد الرمق، ويستر الجسد، بعد أن انكشف غطاء الأحلام عما كان أماني جميلة باستكمال التعليم وبناء مستقبل مشرق· هكذا·· وكعادتها، تحول الظروف القاسية - وهي بالمناسبة مجرد صيغة تجميلية لوصف الفقر والعوز والبؤس- دون الفتى وحلمه في أن يصبح مدرساً يحمل العلم للأطفال، لترمي به على قارعة شارع بعيداً عن وطنه، يحمل أمتعة الناس ويسعى لإيصالها إليهم، علّ هذا العمل يدّر عليه بعض الدراهم التي يرسلها بدوره لأسرته· هو لا يحمل فقط أمتعة الناس وأغراضهم ومنقولاتهم، ولا يحمل فقط الأخشاب والمعادن والمفروشات والأدوات الكهربائية، بل يحمل على كاهله مدينة أحزان ومسؤوليات ومشاعر متعددة، يختلط فيها الوجع بالجوع باليأس بالحزن بالتعب··· بالشوق· فعلى الضفة الأخرى، هناك حيث العاصمة دكا النائمة على قناة نهر داليسواري ربما نامت أسرته على جوع، ولعل شقيقته الصغيرة لا تزال مريضة، تسعل طيلة الليل والمرض يقتات على جسدها الهزيل، وربما عقدت والدته العزم على منع شقيقه من الذهاب إلى المدرسة كي يساعدها في تدبير شؤون البيت عبر أي عمل يعود على الأسرة ببعض الـ تاكا عملة بلده بنجلاديش· فيروز أحمد، الشاب الذي يبلغ 28 سنة من عمره، لم يتزوج بعد، وأنّى لمن هو في ظروفه أن يقدم على خطوة الزواج؟ قرر أن يمد كتفه الذي يحمل البضائع، جسراً تعبر عليه أسرته، فأحلامه بالدراسة والحياة المستقرة لم يعد يرجوها له، إنما لأسرته، ولا يزال يمضي في تضحياته تجاهها، ويواصل العطاء قدر المستطاع ولو على حساب مأكله ومشربه· يصحو كل صباح وسط وجوه أخرى تقاسمه غرفة النوم، مكتفياً بما يفترش به الأرض، لأن ما يتبقى من الدراهم يذهب إلى أسرته التي يعيلها وتنتظر نقوده على أحر من الجمر والقهر· شيء واحد يخفف عن فيروز وطأة الغربة وهو أنه يعيش في بلد إسلامي، تتقاطع بعض تقاليده مع بعض التقاليد الاجتماعية في بنجلاديش، خاصة أنه يجيد اللغة العربية، إلى جانب كونه مسلماً يستطيع أن يؤدي فروض إيمانه و دينه اللذين يعزيانه ويمسحان عن قلبه الحزن ويقويان عزيمته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©