قبل أيام قليلة كنت ألملم أوراقي في فندق ''الشام'' حيث انتهى مهرجان ''دمشق'' في دورته الخامسة عشرة·· وفي نهاية الشهر الماضي كنت أحضر مهرجان ''أبوظبي'' في دورته الأولى، وبعد أيام قليلة يتجه عشاق الفن إلى مصر لحضور مهرجان ''القاهرة'' في دورته رقم ،31 ولن تمضي سوى 48 ساعة فقط على انتهاء مهرجان القاهرة لتنطلق الدورة الرابعة لمهرجان ''دبي''·
المهرجانات تتلاحق وأنا أترك نفسي نهباً لها فاتحاً دائماً ذراعي لإرادة المهرجانات·· جداولها هي جداول حياتي· أصحو طبقاً لعرض أول فيلم وأنام بعد مشاهدة الفيلم الأخير· مواعيد المهرجانات هي دستوري الدائم الذي لا أستطيع أن أخالفه مهما كانت الأسباب؛ فأنا مثلاً على مدى 16 عاماً لم أتخلف دورة واحدة عن حضور مهرجان ''كان'' رغم ما أتكبده من نفقات يزداد معدلها عاماً بعد عام بسبب قوة ''اليورو'' مقارنة بالدولار والجنيه المصري اللذين لا أتعامل إلا بهما وأترحم دائماً على أيام الفرنك الفرنسي الطيب المتواضع·
في المهرجانات أتابع الأفلام والندوات وأيضاً الوجوه·· وجوه البشر أرى كيف يرسم الزمن بصماته التي لا تمحى على وجوه زملائي وأقول من المؤكد أنهم يشاهدون الزمن وهو ينطق بل يصرخ على ملامحي ولكني أقول لنفسي ربما يكون الزمن كريماً معي·· ربما!!
في العادة نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات وحتى الكواليس بكل تفاصيلها لكننا لا نكتب عن أنفسنا وعما نشعر به لأننا لسنا آلات تذهب لتغطية المهرجانات·· إننا بشر وأعترف لكم أن أسوأ مشاهدة للأعمال الفنية هي تلك التي نجد أنفسنا مضطرين لحضورها في المهرجانات·· لأننا متخمون بكثرة الأفلام التي تتدفق علينا·· قد تصل أحياناً في اليوم الواحد إلى خمسة أفلام هل هذه عدالة؟!
بالطبع لا· نحن نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم الأفلام·· لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغي أن تعايشه ليشاهدك الفيلم ويتعايش معك ولكن كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من فيلم إلى آخر؟ ثم بعد أن تعود من السفر ينبغي أن تستعيد نفسك قليلاً قبل أن تشد الرحال إلى مدينة أخرى ومهرجان آخر ووجوه تلتقي بها كثيراً ووجوه تشاهدها لأول مرة·
نعم المهرجان يعني عيداً وفرحة وبهجة، وهو بالنسبة لي يحقق كل ذلك إلا أنه أيضاً يخصم من أعمارنا فأشعر بمرارة الأيام والسنوات المسروقة·· يقول عبد الوهاب أنا من ضيع في الأوهام عمره·· أما أنا فأقول·· أنا من ضيع في المهرجانات عمره!!
عدد اليوم
