الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سالم الحتاوي.. الرحيل قبل الأوان

سالم الحتاوي.. الرحيل قبل الأوان
30 ابريل 2009 00:30
هنا أصدقاء الحتاوي يجتمعون في ظلال «الاتحاد الثقافي» ليستذكروا أيامهم معه فناناً وإنساناً وكاتباً. القرقاوي: ذكريات لا تنسى يقول ياسر القرقاوي مدير الفنون الأدائية في هيئة دبي للثقافة والفنون: الحديث عن سالم الحتاوي يعني لي الحديث عن صديق ورفيق أعرفه منذ أكثر من 10 سنوات، كان مرجعي ومعلمي في النصوص، سواء أكانت مسرحية أم أفلاماً قصيرة، وأذكر بأن أول مسرحية جماهيرية اشتغلت فيها بشكل فني كانت مسرحية «دور فيها يالشمالي» وهي من تأليفه ـ رحمه الله ـ وكنت أعمل فيها كمساعد للمخرج وهو الفنان عبدالله صالح، وطبعاً بحكم علاقتنا وارتباطنا في مسرح دبي الشعبي، فقد كنا نتبادل أطراف الحديث بشكل دائم، فكلما نجتمع في المسرح نجده منزوياً منهمكاً في كتابة النصوص الدرامية، إما يكتب مسرحية جديدة أو مسلسلاً تلفزيونياً من روائعه. وأضاف القرقاوي: الحديث عن الراحل الكاتب الفنان سالم الحتاوي يطول ولكنني كلما أذكره؛ أذكر ضحكته الدائمة ووجهه البشوش في وجه الجميع، فقد جمع بين طيبة القلب واللباقة في الكلام والمعاملة الحسنة مع الجميع، مع الكبير والصغير، قبل وعكته الصحية الأخيرة اتصل بي هاتفياً وذلك بعدما نقل إليه أحد الأصدقاء بأنني أنوي التعامل معه في فيلم سينمائي، وأنني كنت أتذمر من كثرة انشغاله وارتباطاته، اتصل بي وقال: «نحن إخوة فلا تتضايق مني، وكل نصوصي تحت أمرك»، فوجئت بما قال، وأوضحت له بأنني لست متذمراً إلا لأنني لم أتعامل مع نصوصه سينمائياً كما تعاملت معها مسرحياً، كعادته ـ رحمه الله ـ يتحدث بسجيته وبرجاحة عقله، يفكر فيما يقول ويشهد له جميع العاملين في الدراما الإماراتية بأنه من الكتاب النادرين الذين يوجدون في مواقع التصوير أو بروفات المسرحيات أو تسجيل الحلقات الإذاعية، فقد كان ـ رحمه الله - حريصاً وغيوراً على ما يقدمه من نصوص أدبية عالية المستوى، يتقبل النقد بصدر رحب وبابتسامة صادقة، فقد كان مستعداً لتعديل أي فقرة أو جملة أو حتى فكرة العمل إن تم إقناعه بشكل عقلاني، وهذا يدل على ملكة الإبداع والفن الأصيل الذي بداخله. ويواصل القرقاوي حديثه: سالم الحتاوي هو كاتب سيعيش معنا بنصوصه على أرض الواقع، وسيصاحبنا بابتسامته ودمه الخفيف ما حيينا، وأقول لمن لا يعرف المرحوم إن سالم الحتاوي بالنسبة للمسرحيين في الإمارات مدرسة في كتابة النصوص الإماراتية، الحتاوي رفع الجوائز في المسابقات الخليجية والمحلية رافعاً معه أسماء جميع الفنانين في الإمارات العربية المتحدة، وفاة الكاتب سالم الحتاوي ومن قبله قاسم محمد وسلطان الشاعر ومحمد الجناحي وجميعهم في فترة قريبة جداً، ما هي إلا أكبر خسارة للساحة الدرامية في الإمارات وبالنسبة لنا فنحن فقدنا أعمدة من أعمدة الثقافة ترتج لها جميع الأرجاء الفنية في الخليج العربي. النعيمي: قراءة بنية المجتمع وقال المخرج المسرحي علاء النعيمي حين سمع خبر وفاة المؤلف المسرحي سالم الحتاوي: لقد صدمت بخبر وفاة الحتاوي كونه صديقاً عزيزاً، وكان آخر لقاء لي معه في مهرجان الخليج السينمائي في دبي. وأضاف لقد مثلت لسالم الحتاوي في مسرحيته «عشوان» عام 2002 ومن إخراج أحمد الأنصاري وكانت شخصيتي في النص أحد الشريرين اللذين كان الحتاوي يرصدهما ضمن محاولته قراءة بنية المجتمع الإماراتي ومعالجة مشاكله وتعريف الناس بالحلول والنتائج التي لابد من أن يروها. وقال: كان الحتاوي يمتلك مفردة شعبية مهمة ومخزوناً ثقافياً تراثياً ومحلياً، وهذا ما حبب الناس فيه وجعله في مقدمة المؤلفين الإماراتيين المحليين الذين اغنوا الساحة المسرحية بأعمال كان لها أثر كبير وبخاصة فوزه المستمر في أيام الشارقة المسرحية التي جعلته أحد الأسماء المهمة. ويكمل النعيمي: لقد قدمت مسلسل «الكفن» وهو من تأليفه وقد عرفني الناس من خلاله، وكان المسلسل تراثياً وشعبياً يعالج الفترة الزمنية ما قبل الاتحاد وهي سلطة الغني على الفقراء الذين لا يملكون شيئاً، وتهريب الذهب إلى الهند وهي جرأة كبيرة من النادر أن تطرح بهذه السهولة، أن الحتاوي يقرأ التاريخ والمجتمع بعين المبصر والواعي. وقال: نحن نؤمن بالقضاء والقدر وأن فقدان الحتاوي مؤثر في المسرح الإماراتي الذي يحتاج إلى أسماء مهمة من مثل سالم الحتاوي الذي استطاع أن يحفر اسمه في التأليف المسرحي المحلي بجدارة واستحقاق وقد فوجئنا برحيله وتألمنا لأنه عزيز علينا. الجابري: الموروث الاجتماعي ساهم الممثل المسرحي الإماراتي علي الجابري في الحديث عن مساهمات سالم الحتاوي في رفد الحركة المسرحية بنصوصه التي تناولت بنية المجتمع الإماراتي فقال: إنني أتذكر سالم الحتاوي بشخصيته البسيطة التي عشت معها حيث الابتسامة لا تفارقه أما النقاء فهو تجسيد له، حيث تراه لؤلؤاً صافياً وتفوح روحه العذبة. وأضاف الجابري: لقد ساهم الحتاوي في اثراء الساحة الإبداعية الإماراتية بتناوله الموروث الاجتماعي والشعبي وقدم عبر محاولته لحل الكثير من المشكلات الاجتماعية وبهذا نالت أعماله استحسان الكثيرين، وهذا ما جعله يحصد الجوائز في المهرجانات الكبرى. وقال: الحتاوي ليس كاتباً فحسب بل هو موجه ثقافي للشباب الذين كانوا يلجأون إليه ليقرأ أعمالهم، حتى على صعيد التمثيل كان يشجع هؤلاء الشباب في تعريفهم بأصول التمثيل وطرائق الإخراج. وأكد أن الحتاوي لم يفارقنا في موته المفاجئ هذا بل يبقى في ذاكرتنا مبدعاً مهماً وكبيراً، خلف لنا تاريخاً إبداعياً مهماً ورائعاً. التميمي: الإنساني والمثقف وقال المسرحي الإماراتي فضل التميمي رئيس مجلس إدارة مسرح زايد للطفولة في أبوظبي: كان سالم الحتاوي صديقاً عزيزاً، اتسم دائماً بسمات الطيبة والتعاون المسرحي إذ أنه يقدم مساعداته واستشاراته الإبداعية في ميدان المسرح لأي فنان مسرحي، إذ كان متعاوناً مع جميع المسرحيين. وأضاف: إن هذا الفقدان الذي فوجئنا به للمسرحي الإماراتي سالم الحتاوي هو خسارة كبيرة لكتاب المسرح، حيث قدم طوال فترة إبداعه إنجازات مهمة في تناول الجانب المحلي ومشاكله، والتراثي بمعالجاته، لقد أبعد سالم الحتاوي حين صور المجتمع الإماراتي بعين فاحصة ودقيقة ومحللة، وأنتج نصوصاً مهمة حازت جوائز عديدة إذ أنه كان يحصد الجوائز في أيام الشارقة المسرحية وهذا دليل واعتراف من الوسط الإبداعي المحلي والعربي على إمكاناته في التأليف. وعن مستوى وطبيعة علاقته بسالم الحتاوي قال فضل التميمي: اعتبره أخاً عزيزاً، لا يبخل علينا باستشارته عندما نطلعه على نصوصنا المسرحية وعلى أعمالنا المنجزة التي نريد تقديمها في المهرجانات، وكنا نرى في تقييماته ونصائحه واستشاراته دليلاً على عمق إنسانيته وبساطته وعمق تعاونه معنا، هذا بالإضافة إلى اهتمامه بالمحلية والمواطنة إذ رفد الفرق المحلية بنصوص قوية ساهمت في تقدم المسرح الإماراتي خلال الفترة السابقة، وعندما سمعنا بخبر رحيله فوجئنا وتألمنا كثيراً لفقدان مثل هذا الكاتب المتعاون والإنساني والمثقف والبسيط أيضاً. الدرمكي: إرث ثقافي وإبداعي من جانب آخر قال المخرج الإماراتي فيصل الدرمكي: أولاً لابد لنا أن نقول إن سالم الحتاوي وقبل أن يكون فناناً وزميلاً فهو أخ بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فلم يبخل يوماً علينا بالمشورة في الأعمال التي قدمتها له. وأضاف: يؤسفني أنني لم أتعاون معه بشكل مباشر وإنما تم التعامل معه من خلال فرقة مسرح كلباء في عملين جميلين وهي تجربة مهمة وهما «بعدكم ما شفتو شي» ومسرحية للأطفال بعنوان «زهور والمنظرة المسحورة». وأكد أن سالم الحتاوي لم يرحل عنا فهو باقٍ في قلوب فناني الإمارات وكيف لا وقد ترك لنا إرثاً أدبياً مسرحياً متميزاً تناول فيه بنية المجتمع الإماراتي وحكاياته وموروثه واستطاع أن يقرأ مكونات ومشاكل وواقع المجتمع الإماراتي بكل براعة، حيث صاغ كل هذا الموروث أو جزءاً منه فقدمه بثوب جديد في إطار مسرحي خلاق. وأضاف: إن أهم سمات شخصية سالم الحتاوي إنه كان فناناً محترماً وخلوقاً ومحبوباً في الوسط المسرحي والثقافي فهو دائماً ما كان يحب أن يساعد المخرجين المغمورين باعطائهم نصوصه بدون أي مقابل، حيث كان هدفه الأساسي أن يقف مع الشباب في خطواتهم الأولى. وقال الدرمكي: لقد قدم سالم الحتاوي أعمالاً كبيرة وجديرة بالاحترام على المستوى المحلي والخليجي والعربي وبهذا حظي باحترام الجميع، والدليل على ذلك الجوائز التي كان يحصدها محلياً وخليجياً. وأضاف: ان عزاء جميع المبدعين في دولة الإمارات في الراحل هو وجود إرث ثقافي وابداعي يمكن أن نستلهمه في أعمالنا القادمة. الجسمي: نص جديد ويقول الفنان الكبير أحمد الجسمي والذي يعمل حالياً على إنتاج آخر الأعمال الدرامية للراحل سالم الحتاوي، وهو العمل الذي يحمل عنوان: «فريج الضغاية» وسيعرض في شهر رمضان القادم: «قدم لي الراحل سالم الحتاوي آخر حلقة من المسلسل المحلي «فريج الضغاية» قبل أسبوعين من وفاته، وسأحاول كلمسة وفاء وتكريس لاسم هذا الراحل الجميل أن يكون العمل ناجحاً وقادراً على إرضاء أكبر شريحة من الجمهور المحلي خاصة أن ما قدمه الحتاوي في هذا المسلسل قريب جداً من هموم الناس ومن نبض الشارع المحلي، وعلى الرغم من طابعه الكوميدي إلا أن المسلسل يتوافر أيضاً على جوانب إنسانية متشعبة تدخل في تفاصيل حياتنا اليومية وقضايانا المغيبة، وهذا التوجه الذي اختاره الحتاوي في جل أعماله المسرحية والدرامية هو الذي صنع اسمه كمؤلف صاحب رؤية وموقف، ولذلك حظيت أعماله المنفذة على الخشبة والشاشة باهتمام الجمهور والنقاد على السواء». ويضيف الجسمي: «إن غياب الحتاوي ككاتب صاحب بصمة وأسلوب في صياغة العوالم المسرحية والقوالب الدرامية هو غياب يعمق من حجم الخسارة الإنسانية والأدبية، لأننا نفتقد في الإمارات لعنصر مهم في أي حركة فنية وهي عنصر التأليف، وكتاب الدراما المحليين يعدون على أصابع اليد، وبالتالي يصعب تعويض غيابهم». وعن ذكرياته الشخصية مع الراحل يقول الجسمي: «إن الانطباع الشخصي الذي الذي كونته عن الحتاوي أتى من تواصلي الفني معه، فهو من الأشخاص الذين لا يمكن أن تختلف معهم على القضايا الشخصية أو الدنيوية، وحتى الملاحظات الفنية حول العمل المسرحي أو التلفزيوني كان يتقبلها بكل رحابة صدر وتفهم للنواحي الموضوعية والإنتاجية المرافقة لهذا العمل، لقد كان الحتاوي يتصف بالطيبة والشفافية في تعامله مع الآخرين، وكان صادقا مع نفسه ومع المحيطين به، ويؤثر الصمت والعمل بهدوء بعيدا عن الإثارة الإعلامية التي عادة ما يلجأ إليها الآخرون كي يحققوا دعاية مسبقة لأعمالهم، وكان يحتفظ بقضاياه وهمومه الشخصية في داخله، ولذلك لم نشعر بمرضه، فرحل بشكل مفاجئ وصادم وترك لنا فراغاً كبيراً وشاغراً وموهبة تأليفية لا يمكن تكرارها». أبورحيمة: الاستقاء من التراث ويقول الكاتب المسرحي ومدير مهرجان أيام الشارقة المسرحية أحمد أبو رحيمة: «كان الحتاوي من أكثر الناس صدقاً في تعامله مع فنه ومع المحيطين به، وكان من الأشخاص النادرين في الساحة المسرحية والذي اشتهر بالدأب والإصرار في شغله الكتابي وكان يسعى دائما ومنذ بداياته المبكرة إلى تطوير موهبته والوصول بها إلى درجة الاحتراف والتفرغ وهو ما تحقق بالفعل ولكن للأسف قبل رحيله بأشهر، وهذا الرحيل المبكر والمفاجئ سوف يحرم الساحة المسرحية والدرامية من مشاريع كثيرة كان الراحل يسعى إلى ترجمتها على الورق، ولكنْ عزاؤنا الآن فيما قدمه الراحل في منتوجه السابق والغزير والذي يمكن أن يقدم مرة أخرى برؤى وصيغ إخراجية مختلفة ومتجاوزة لما تم تقديمه سابقاً». وعن الفوارق التي تميز الحتاوي عن كتاب المسرح والدراما في الإمارات يقول أبو رحيمة: «تميز الحتاوي بانشغاله البحثي في التراث وكانت معظم أعماله مستقاة من هذا المعين الذي لا ينضب ولكنه يحتاج لمن يستغله ويوظفه دراميا، وكان الحتاوي من أمهر وأكثر المؤلفين توفيقا في التواصل مع الموروث فأعماله تميزت بالأصالة في الشكل والمحتوى مع بعض الإسقاطات والرموز التي تفسر إشكاليات الحاضر وتتداخل مع أسئلته وتحدياته الراهنة». عبدالله: تكريم الراحل وأما الإعلامي والمسرحي محمد عبدالله فيقترح تكريم وتخليد اسم الحتاوي ويقول في هذا السياق: «الحتاوي هو إحدى العلامات المشهودة في الساحة المسرحية والفنية في الإمارات، ولا يمكن لهذا الاسم أن ينمحي بسهولة من ذاكرة الفن في المكان، لأنه كان مبدعا متوهجا في مجال النص المسرحي الذي أراه حجر الزاوية في تطوير ونماء المسرح، والحتاوي بالنسبة للمسرحيين في الإمارات هو بمثابة العملة النادرة وعندما نفقد هذه العملة فإن فقداننا أكبر وأكثر فداحة من فقدان ما هو شائع وما هو قابل للتعويض، أما خسارتنا الإنسانية فحدث ولا حرج فسالم كان صديق الجميع وكان حبيب الجميع، وكان يمد جسور المحبة والتعاون مع كل الفاعلين في المسرح والدراما في الإمارات وبمختلف أطيافهم وتخصصاتهم، وكان الحتاوي من الأشخاص القليلين الذين يتقبلون النقد والرأي الآخر لتحقيق المصلحة العامة للعمل الفني ومن دون مكابرة أو عناد، كما يحصل مع بعض الكتاب الذين لا يحبذون التدخل في نصوصهم الأصلية، ولذلك أتمنى أن تقوم المهرجانات والهيئات المسرحية والأدبية والفنية في الدولة بتكريس عطاءاته، كما أتمنى من جهات مثل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ودائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وهيئة الثقافة بدبي أن تخصص جائزة تحمل اسم الحتاوي في مجال التأليف المسرحي، أو أن تقوم هذه الجهات بإقامة فعالية سنوية أو موسمية تعيد تذكيرنا به، وتمنح المميزين والمبدعين في الدولة ما يستحقونه من تقدير وإجلال حتى بعد رحيلهم». غلوم: خسارة مضاعفة ويقول الدكتور حبيب غلوم مدير الشؤون الفنية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع: «لقد فقدنا كمسرحيين أخا وإنسانا كان يتمتع بروح جميلة وأخلاق عالية، حيث كان الحتاوي ينأى بنفسه عن جو التحولات والصراعات الفنية، وخسارة كاتب بحجم الحتاوي هي خسارة مضاعفة لأننا خسرناه كصديق ثم خسرناه كمبدع وكاتب مميز وذلك بسبب ندرة كتاب الدراما في الإمارات، حيث كان الراحل من أهم أربعة كتاب محليين على مستوى الدولة ممن ساهموا في إثراء وتكوين بنية المسرح والدراما في المكان». صالح: همّ المسرح أما الفنان عبدالله صالح فيقول: «كان الحتاوي بمثابة توأمي الروحي والفني، وكانت لقاءاتنا شبه يومية حيث كنا نتناقش حول مشاريعه وأفكاره المسرحية والدرامية القادمة، وأعتبر رحيله بمثابة خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها خصوصا وأن الراحل كان من الأشخاص المهمومين بالكتابة المسرحية للخروج من حالة الشح في النصوص المحلية الموجهة للخشبة وللشاشة الفضية». ويضيف: «كنا في المهرجانات نتشارك الغرفة نفسها، وكنت أضع الأفكار واللمسات على أعماله ومشاريعه بلا أي حساسية أو نفور من قبله، بل بالعكس كان الحتاوي يصر على وضع إسمي وأسماء الأشخاص الآخرين الذين كانوا يضيئون له طريق الكتابة والاسترسال في السيناريوهات والنصوص المسرحية من خلال القصص التي يرونها له، ولكنهم لا يملكون موهبة تفريغها على الطريق بالشكل الذي يمكن ترجمته على خشبة المسرح أو شاشة التلفزيون». سعيد: أخلاقيات عالية ويقول الفنان محمد سعيد الذي رافق الحتاوي في بعض أعماله المسرحية والدرامية: «رحيل الحتاوي خسارة مؤلمة لنا جميعا كمسرحيين وفنانين، وهي خسارة تضاعف من شعورنا باستحالة تعويض هذه المواهب الفاعلة والمؤثرة والتي كانت تملك وتخزن الكثير من المشاريع القادرة على تشكيل ملامح المسرح الهادف والرصين». وأضاف سعيد: «كان الراحل يتمتع بأخلاقيات عالية وكان محبوباً من الجميع، ولم يدخل أبداً في مناوشات وصدامات مع المحيطين به في الوسط الفني، بل بالعكس من ذلك كان يساهم كثيراً في التخفيف من حدة الخلافات والتوترات التي عادة ما تنشأ بين الفنانين في ظل الحماس الزائد عند الدخول في الأجواء الفعلية للعمل المسرحي أو التلفزيوني». مريم ملا: عين وقلب وقدر وتقول الروائية السورية مريم محيي الدين ملا: عين وقلب وقدر.. هو عنوان دونه سالم الحتاوي بخط يده على ورقة بيضاء تشبه لون قلبه، دفع بها إلي قائلاً: مريم اسمعي أمامك عشرة أيام فقط لا أكثر لكتابة القصة، وهذا عنوانها وإليك الفكرة. استمعت إليه حتى سكب كل ما يدور بذهنه عن القصة، تناقشنا كثيراً عنها، واعترضت واعترض هو، لساعات عديدة ثم حملني محفظة يدي واوصلني حتى باب سيارتي، على أن اكتب، ونلتقي بعد عشرة أيام تماماً لأنه كان سيسافر حاملاً القصة معه فكتبت بسرعة غريبة لم اعهدها بنفسي أبداً فأنا اكتب سنوات لانهي العمل. في اليوم التاسع انهيت ما اراد واتصلت به، فجاء راكضاً بكل حماس، فاعتذرت له بأنها (القصة) بخط يدي ولم استطع طباعتها، فشكرني ووعدني أن يقرأها ويتصل بي بعد سفره بأيام، ولكنه لم يتصل بل أرسل رسالة قصيرة يشكرني على ما أبدعت وأخبرني بتاريخ عودته وتواعدنا على اللقاء بمكاننا المعهود بمقهى لاماركيز الكائنة بشارع الشيخ زايد، الذي كثيراً ما التقينا بها وشهدت جلساتنا ونقاشاتنا ووعدني يومها بأنه سيبدأ بكتابة السيناريو فقلت له أمامك عشرة أيام فقط لاغير كما فعلت بي فضحك من قلبه بصوت عالٍ، وقال: حاضر حاضر لا تقلقي وقبل أن نغادر طاولتنا المعهودة، سألته: لماذا أطلقت على القصة هذا الاسم «عين وقلب وقدر»؟ فأجاب: لا أدري هل لديك اسم آخر؟ فقلت له لا أبداً كما تشاء. افترفنا يومها ولم نلتق بعدها بل كان يتصل بي هاتفياً يسألني عن بعض الكلمات غير الواضحة لأنها بقيت بخط يدي فكنت اتابع معه بالنسخة التي صورتها واخبره حتى انقطع عني لعدة أيام فاتصلت به ضاحكة قائلة: لم تعد بحاجة إلي أليس كذلك؟ جاءني صوته المميز ضعيفا واهنا وقال انا متعب جدا وانوي دخول المستشفى وحين شعر بقلقي قال بروحه المرحة اعطيني اكثر من عشرة ايام وسأنهي السيناريو تأكدي من ذلك واقفل الخط مودعا. ماكنت ادري هي المرة الاخيرة التي اسمع بها صوته وما كنت افهم لماذا كان يصر على ان يكون الموت هو الحدث الاكبر في القصة ولا استوعب لماذا كان يلح علي كلما انهينا نقاشات العمل ونحن نحتسي القهوة بعيدا عن الاوراق ان اخبره عن علاقتي ومحبتي لابي رحمه الله كان يستمع بحب وشغف كبيرين وكنت أخبره عن تعاستي بفقدانه فكانت عيناه تحزن وتحزن الى مالا نهاية. رحم الله سالم الحتاوي الانسان العطوف والفنان والاديب الذي رحل وابقى على فكرته معي واخذ معه كلماتي ورحل. جمال: التواضع والشفافية أما الممثل ومهندس الإضاءة محمد جمال فيقول: «لقد فقدنا كاتبا مسرحيا مميزا وثريا في نتاجه سواء في مسرح الكبار أو الأطفال أو في الدراما التلفزيونية، ومن الآخر الأعمال التي جمعتني بالراحل هي مسرحية «ياسمين والمارد الشرير» التي كتبها لمهرجان مسرح الطفل الذي أقيم مؤخرا، وتلمست تواضع وشفافية الحتاوي وحسه الإنساني العالي عندما توجه إلي بعد انتهاء العرض وعانقني بقوة وهنأني على إيصال فكرة العمل من خلال الإضاءة والمؤثرات البصرية التي اشتغلت عليها، ولا شك في أن رحيل الحتاوي سيترك فراغاً مسرحياً وإنسانياً وثقافياً كبيراً يصعب تعويضه». رجب: نقاشات جادة يقول المخرج حسن رجب، رئيس قسم السينما والمسرح في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع: في البداية لا بد من القول إنه غياب فاجع ومفاجئ ومبكر، لكنه أمر الله الذي لا يمكن الاعتراض عليه والقدر الذي ليس له ما يرده، وأنا أقول عن سالم اليوم إنه الجميل الذي رحل، وقد رحل وكانت ما تزال لديه مشاريع فنية كثيرة يعد لإنجازها، وكانت بيننا أفكار نناقشها واتصالات دائمة من أجل عمل جديد، لكن القدر أنهى حياته وهو في قمة عطائه، ونحن في غاية الحاجة إلى هذا العطاء الذي كان في الفترة الأخيرة قد ازداد أكثر من العادة. وبالنسبة لي كمخرج كان سالم أول كاتب تعاملت معه في عمل مسرحي وقد جرى بيننا الكثير من التعاون فعملنا في «جنون البشر» و»الكفن» وغيرهما من الأعمال الدرامية والمسرحية، وكانت تجمعنا به (مرعي الحليان وأنا) علاقة روحية قوية حيث النقاشات الجادة والنقد والسخرية والمرح وحب التنافس الشريف الذي يفتقر الكثير من الفنانين إليه، فقد كان سالم من النمط المسالم الذي لا يعادي ولا يخاصم، فإذا غضب قد ينسحب ولكن من النادر ما يرفع صوته. وبخصوص العلاقة العملية، فهو حين يسلم نصه إلى مخرج يكون قد وثق به وبقدرته على تنفيذه فتجده لا يتدخل في التنفيذ أو أن تدخله قليل جدا وعند الضرورة القصوى فقط. وأذكر عملنا في مسلسل «الكفن» الذي جاء في وقت كانت الدراما الإماراتية ضعيفة جدا، وقد اعتبر العمل في حينها دافعا للفضائيات لتتنافس في الإقبال على الأعمال الدرامية المحلية. وبالنسبة إلى أفضل أعمال سالم الحتاوي فأنا أعتقد أنه منذ بدأ الكتابة للمسرح والتلفزيون وحتى رحيله كانت أعماله قوية كلها، لكن هناك أعمالا قد تكون أخذت أصداء أقوى من غيرها مثل «عرج السواحل» والشبريش» على سبيل المثال. ولعل أهم ما يميز عمل صديقنا الراحل هو أسلوبه الجميل في معالجة الموروث والبيئة الشعبية التي خرج منها، فهو خير من عبر عن هموم هذه البيئة ومشكلاتها. الهنوف: يريد أن يكتب أكثر وتقول الشاعرة الهنوف محمد: أولا كان سالم بالنسبة لي أعز صديق وأخ حيث ربطتنا علاقة إنسانية وفكرية عميقة وطويلة بدأت بالمسرح والكتابة وامتدت إلى الجوانب الإنسانية، فقد كانت بيننا باستمرار نقاشات في كل ما هو مشترك، في الشعر والمسرح والحياة عموما، نقاشات تطاول أدق التفاصيل والخصوصيات، فهو من المبدعين القلائل الذين يخلصون لإبداعهم ويمنحونه حياتهم وجهدهم كله، بحيث يتفرغ كليا لعمله، ويقوم به بوصفه كاتبا محترفا وليس هاويا، لذلك أعطى نفسه تفرغا للكتابة حين تخلص من التزاماته المالية التي كانت تفرض عليه الوظيفة، ولم يكن يكف عن العمل نهائيا، وأنا أعتقد أنه كان يشعر باقتراب النهاية، فقد كان في آخر لقاء لنا في مطلع شهر نيسان يبدو مختلفا ويريد أن يكتب أكثر، وربما يكون أرهق نفسه زيادة، فجاءته الوعكة القاتلة لتحرمنا من أبرز علامات المسرح في الإمارات. ومن بين ما يميز عمل سالم قدرته العالية على بناء شخصياته وتحليلها، وهو يعنى أكثر ما يعنى بالبسطاء من البشر ممن نلتقي بهم في حياتنا اليومية، لكنه قادر على خلق شخصيات فنية غنية بالتفاصيل وحيوية. كما تتميز كتابته بقدر من الشاعرية التي نجدها في شخصيته أيضا، فهو شاعر في حياته وحواراته ونصوصه. وثمة اهتمام كبير بالجودة التي يجب أن يتمتع بها النص. كما كان كاتبا شاملا، ورغم أنه عرف بعمله المسرحي واشتهر به، إلا أنه كتب للتلفزيون نصوصا درامية وبرامج فنية وكتب للسينما كذلك. ومن أهم أعماله في اعتقادي مسرحية «الخلخال» وهي نص لم يظهر على خشبة المسرح لما فيه من جرأة في التناول والتحليل. وهناك أهمية لكل ما كتب، وقد كان كثيرا ما يعرض نصوصه للمناقشة معي ومع سواي بالتأكيد، وكان يستمع باهتمام إلى ما يقال له من آراء. لهذا كله فإن غيابه يشكل خسارة فادحة فهو يترك فراغا كبيرا لن يملأه غيره. سميرة أحمد: مسيرة عمر وتقول الفنانة سميرة أحمد، نائبة رئيس قسم المسرح في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع تقول: كان سالم أخا وصديقا جميلا قضينا معا مسيرة العمر الفنية واشتغلنا معا العديد من أفضل الأعمال التي قدمتها مثل «الكفن» و»ليلة زفاف» و»بنت الشمار»، وكان آخر عمل لي معه «وجه آخر». لذلك أعتبر رحيله المفاجئ فاجعة وخسارة للفن والمسرح والدراما عموما في الإمارات وفي الخليج حتى، وبرحيله نخسر كاتبا وإنسانا كان غاية في الجمال والحساسية، وسيترك رحيله فراغا كبيرا على المستويين الفني والإنساني أيضا. وذلك كله لما كان له من بصمة واضحة ومكانة مهمة في الكتابة المسرحية والدرامية في وقت كانت الساحة تفتقر إلى الكتاب والنصوص، فجاء هو ليثري الساحة والحركتين الدرامية والمسرحية بنصوصه المتميزة التي نالت الكثير من الإعجاب والجوائز محليا وخارجيا. ومن أهم ما يميز أعماله البساطة التي كان هو يتميز بها، وهي بساطة عميقة ولا تعني السطحية أبدا. وإضافة إلى ذلك فهو من أهم من تناولوا البيئة الشعبية من مكان ومفردات، فتجد لديه الفريج وعوالمه وشخوصه، لذا فقد كان قريبا من الناس وكانت أعماله تصل بحب إلى المتلقي. وأخيرا فسالم الحتاوي كان في حياته كما في عمله قليل الكلام ولا تكاد تسمع صوته، وفي أثناء العمل معه كان يبدي قدرا من المرونة والانفتاح في مناقشة الكيفية التي يتم بها تنفيذ نصوصه، فلم يكن متعصبا أو عصبيا، لذا كان مريحا للمخرج وللممثل والفنيين في تعامله مع الجميع. الأنصاري: الشؤون الجوهرية ويقول المخرج أحمد الأنصاري: أعتبر غياب الحتاوي غيابا لصديق وكاتب من أهم كتاب المسرح والدراما في الإمارات والخليج عشت وعملت معه فترة طويلة، حيث أخرجت أكثر من خمسة نصوص من نصوصه، وكنا متفاهمين باستمرار فهو شخص شديد المرونة في التعامل ويتقبل الاختلاف في الرأي ببساطة، لكنه في المقابل شديد التدقيق في ما يتعلق ببعض التفاصيل أثناء تنفيذ عمله مثل الاهتمام باللهجة المحلية وجرسها مثلا، فهو يحرص بشدة على حضور البروفات وتقديم الملاحظات. كما كان منفتحا للنقاشات التي تتناول نصه. وقد كنا دائما في مثل هذا النقاش، خصوصا حين أفكر بتقديم عمل له، وهو ما كان يحدث مؤخرا حيث كنا نفكر في عمل مشترك. بالنسبة إلى تجربتي مع الحتاوي فقد كانت غنية، وعملنا معا وقدمنا الكثير، ومما لا يمكن أن ننساه مسرحية «عرج السواحل» التي قدمناها أواخر التسعينات (أيام الشارقة المسرحية 1998)، ونالت جوائز كثيرة، وأذكر أنها في مهرجان للمسرح الخليجي حازت ثماني جوائز من جوائز المهرجان من بينها جائزة أفضل عمل متكامل وجائزة أفضل نص وسواهما. وهو مثل بقية نصوص الحتاوي ليس مرتبطا بزمان ويمكن تقديمه في أي وقت لأنه يعالج شؤونا جوهرية لا طارئة. لذا تعتبر أعماله نقطة تحول أساسية في الكتابة المسرحية محليا وخليجيا، حيث يعاني المسرح من ندرة النصوص، وحين بدأ سالم مسيرته مع المسرح في التسعينات كانت الساحة تفتقر إلى النص بشكل أساسي، وجاء هو ليضع الأساس لنمط جديد من الكتابة الاحترافية، والتناول العميق للواقع وربطه بالماضي والموروث بشكل عام، واستخدام أشكال وعناصر من التراث وتوظيف ذلك كله لخدمة العمل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©