الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد ملسهول الذي أصبح ياسمينة خضرا

محمد ملسهول الذي أصبح ياسمينة خضرا
30 ابريل 2009 00:47
أن وراء الاسم النسائي يختفي رجل وأديب وروائي جزائري شهير طبّقت شهرته الآفاق خاصة في أوروبا، وقد تمّ ترجمة رواياته إلى 33 لغة، وهو اليوم يطوف العالم من كندا إلى هونج كونج، وتمّ تكريمه في كل الدول الأوروبية التي حاضر بها ونُظّمت له بها حلقات نقاش وتحصل على جائزة «الفكر والأدب» في الكويت لمساهمته في التعريف بصورة مشرقة في أدبه عن العالم العربي. تقدير للمرأة والروائي ياسمينة خضراء اسمه الحقيقي محمد ملسهول، ولد في 10 يناير 1955، في الصحراء الجزائرية من أمّ بدوية رحّالة وأب امتهنَ التمريض، وعمل ضابطا في الجيش الجزائري طيلة فترة شبابه ثم تفرغ بعد ذلك للكتابة، وبعد مغادرته الجزائر اثر انتهاء فترة عمله في الجيش عام 2001 عاش فترة زمنية قصيرة مع زوجته وأبنائه الثلاثة في المكسيك، ثمّ استقر نهائياً بمدينة (آكس أن بروفنس) بجنوب فرنسا. وقد اضطر في البداية للكتابة باسم مستعار، لأنه أراد أن يبقى في الخفاء، واختياره لهذا الاسم النسائي، وهو اسم زوجته، يفسّره بحبّه الكبير واحترامه لها، والتقدير الكبير الذي يكنّه للنساء عموماً وخاصة منهن الجزائريات اللاتي يمثلن بالنسبة اليه الأمل والشعلة في بلد ممزّق، وهو يرى في المرأة الخلاص والمستقبل. جدل ولمّا نشر الكاتب أولى رواياته باسم امرأة جزائريّة لاقت استقبالاً إيجابياً لدى النقاد والقرّاء، ثمّ قرر بعد سنوات في حديث أدلى به لجريدة «لوموند» الفرنسية أن يرفع القناع عن اسمه الحقيقي، وهو ما أثار خيبة أمل لدى الكثيرين، والبعض منهم أراد أن يجعل من مسألة الاسم المستعار قضية وفضيحة، وممّا زاد الطين بلة أنّ الكاتب هو ضابط سابق في الجيش الجزائري في وقت كانت فيه سمعة الضباط الجزائريين سيّئة بسبب ما نسب اليهم من ضلوع في المجازر التي حصلت في الحرب الأهلية التي مزقت أوصال الجزائر وخلفت مئات الآلاف من الضحايا. وقد نفى ياسمينة خضرا أي مسؤولية للجيش في المآسي التي حصلت في الجزائر وبرّأ زملاءه من كل التهم الموجهة اليهم، وهو يجزم بأنّ كلّ ما يقال ويكتب عن ضلوع الجيش الجزائري في المجازر هو، حسب تعبيره، «نسيج من الكذب»، مضيفاً: «كنتُ ضابطاً في الجيش ولم أرَ ولم أشاهد أيّة جريمة ارتكبها المنتسبون إليه، وإني لا أكذب لأني لو فعلت ذلك فسأفقد مصداقيتي ككاتب»، علماً وأنّ كتباً عديدة صدرت في فرنسا من تأليف ضبّاط آخرين سابقين في الجيش الجزائري هاجروا الى الخارج وكشفوا في كتب صدرت لهم عن جرائم كثيرة ارتكبها أعضاء من الجيش ونسبوها إلى المتطرفين الإسلاميّين، قصد تشويههم وتوجيه أصابع الاتهام إليهم. كاتب حر إن ما يميّز الروائي ياسمينة خضرا هو أسلوبه، وطريقته المفردة في السرد، ومعالجته للمواضيع التي يتطرق إليها، وهو يعترف بقوله: «إني حافظت في أسلوبي على بداوتي»، مضيفاً: «لا أدّعي أن لي رسالة، ولكنّي رجل أراد إطلاق صفارة إنذار أمام عالم أراه يجري نحو الهاوية. إني أسعى لأغذي مشاعر الأمل لدى الناس والقرّاء لدفعهم نحو مزيد من الحبّ والحياة، وإنّ أكبر شرف لي هو أنّ كبار الأدباء في العالم يقدّرون رواياتي ككاتب عربي. إني كاتب لا أتملق احدا، ولا أتزلّف لأي نظام، ولا أتوسّل لنيل رضا سلطة ما، أنا كاتب حرّ، وشرف لي أنه لا سند لي إلا مؤلفاتي، وقد نجحت في الوصول إلى مئات الآلاف من القراء في القارات الخمس.. فقط من خلال كتبي». وعن سؤال وجّه إليه مفاده: «لماذا تكتب بالفرنسية وليس بالعربيّة؟»، أجاب: «لم أخترْ اللغة التي أكتب بها، وكانت رغبتي هي أن أكتب بأيّة لغة مهما كانت حتى الروسية أو الصينية، وأذكر أني لما كنت تلميذاً كنتُ أكتب باللغة العربية ولكنّ أستاذ العربية لم يعرني أهميّة، في حين أنّ أستاذ اللغة الفرنسية شجّعني». خطاف كابول في كتابه «الكاتب» (L’écrivain) يكشف ياسمينة خضراء عن ولادة الرغبة الجامحة لديه في التأليف منذ كان طالباً في مدرسة عسكرية، وقد ألف في الأعوام الأخيرة العديد من الروايات البوليسية الشيقة والتي يمتزج فيها الرعب بالشاعرية والسخرية، وهي روايات رفعته إلى طبقة كبار الكتاب واكتسب بها على مرور الأيام شهرة عالمية.. ومن أشهر رواياته «خطاف كابول»، و»بماذا تحلم الذئاب»، و»زهرة مدينة بليدا»، و»خراف السيّد» و»حورية»، كما ألف «الكاتب» وتحدث فيه عن طفولته وشذرات من حياته. وقد اشترى الأميركيون حقوق الكثير من رواياته لتحويلها إلى أفلام سينمائية، من بينها روايته «خطاف كابول» التي لاقت نجاحاً باهراً في الولايات المتحدة وكندا، وصدرت في سلسلة كتب الجيب، وسجّلت رقماً قياسياً في مبيعاتها.. الأدب والمدفع إن الكتابة بالنسبة لياسمينة خضرا هي حسب تعبيره موهبة من السماء، فأمّه وهي بدوية من الصحراء الجزائرية كانت ـ حسب شهادته ـ لها قدرة عجيبة على سرد الحكايات في قبيلتها، والكاتب يرى أنه ورث موهبة الكتابة عنها، ويعترف بأنه تأثر في كتاباته بألبير كامو، وكاتب ياسين، وناظم حكمت، ونيتشه، ودوستوفسكي، وشتاينباك، وغوركي، وهو يعتبرهم منارة له ومراجع ونماذج، ولكنه في الآن نفسه يعترف بأنه وجد لنفسه طريقاً خاصّة به للكتابة، وأنّ مصادره هي ذكرياته وتجربته الشخصية في الحياة. يقول: «أردتُ أن يكون في رواياتي صوت الأدب أقوى من صوت المدافع، وإني أعلم أنّ المهمة صعبة، ولكن هذا هو السبيل الوحيد وليس هناك خيار آخر». آخر رواياته وياسمينة خضرا الذي يعدّه النقاد أحد أهم الكتّاب الفرنكفونيين تلاقي رواياته نجاحاً كبيراً، وقد تحصل على العديد من الجوائز وباع من كلّ رواية له 150 ألف نسخة، وروايته الجديدة الصادرة هذه الأيّام وعنوانها «ما يدين به النهار لليل» Ce que le jour doit à la nuit تمّ سحب الطبعة الأولى منها في خمسة وأربعين (45) ألف نسخة، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من توزيعها نفدت وتم إصدار طبعات أخرى متتالية منها، وكانت من بين الروايات المرشحة لنيل جائزة غونكور الشهيرة للعام الماضي، والتي آلت في نهاية الأمر الى عتيق رحيمي وهو كاتب أفغاني مقيم في فرنسا منذ عشرين عاماً كلاجئ سياسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©