السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دم يتسرب إلى بياض اللوحة

30 ابريل 2009 00:48
نور الدين فاتحي فنان تشكيلي مغربي من طينة مختلفة، له إيقاعه الخاص الذي بصم به اللوحة بإيقاع مختلف عن الإيقاعات الكثيرة التي بدأت تتشابه في مسرح التشكيل المغربي المعاصر. تخرج الفنان نور الدين فاتحي من معهد الفنون الجميلة العريق في مدينة ديجون الفرنسية وهو المسؤول عن محترف الفنون التشكيلية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابع لجامعة الحسن الثاني في المحمدية، وهو الى جانب كونه أحد أهم الفنانين التشكيليين فهو ناقد تشكيلي معروف على صعيد الساحة النقدية المغربية والعربية وهو عضو اتحاد كتاب المغرب. أقام الفنان نور الدين فاتحي عدة معارض فردية وجماعية في عدد من الدول منها اندونيسيا، ماليزيا، رومانيا، اليونان، ايطاليا، مصر، كندا، اليابان، فرنسا، تايوان. التقينا الفنان نور الدين فاتحي في رواق باب الكبير بالرباط حيث نظمت له وزارة الثقافة المغربية معرضه الفني الذي حمل شعار «وجها لوجه» وأثناء توقيع كتابه الجديد «بيان ما بعد موت الفن : تشكيل الجمال والمعنى»، حيث تحدث عن تجربته الفنية. يقول فاتحي: أنا فنان مغربي أحب وأفتخر بمغربيتي وإسلامي، أشتغل وأبدع من هذه الزاوية، زاوية تنفتح نحو العالم دون خوف من الاختلاف والحوار، بل وحتى المواجهة، مواجهة فكرية حضارية طبعا، تضمن سيرورة البحث والتبادل والإبداع. ويتابع: دراستي الفنية بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بديجون ـ فرنسا بعد حصولي على شهادة الباكالوريا في الآداب المعاصر بالمحمدية ـ المغرب، لم تنسني هويتي وهوايتي ولم تضعني موضع تطرف اتجاه الحضارات الأخرى، فتكويني الأدبي والفلسفي والتشكيلي جعلني انفتح على فنون الإنسانية جمعاء، لكن من موقعي الخاص كي أجسد معنى «الأنا « وأحافظ على معنى «الآخر». وعليه فتحقيق ذات الفنان بالنسبة لي مازالت تمر عبر تحقيق ذات الإنسان لدي فأنا أعيش حياة اجتماعية بعاداتها وطقوسها مع زوجتي وأبنائنا الأربعة. وعن الجمع بين الرسم والنقد يقول: أن تمارس الإنتاج الفني، صباغة، نحت، صباغة فنية... وتكتب في نفس الآن، ليس بالشيء الهين، ليس فقط على مستوى الإبداع، بل وكذلك على مستوى البعد الفكري، الفاصل بين التحفة الفنية كأشكال وألوان وفضاء ومواد وبين إسقاطاتها اللغوية الخاضعة بدورها إلى تراكيب نصية ومفاهيم وتأويل. المسافة الفاصلة بين العمل التشكيلي ونصه المكتوب قد تتسع وقد تضيق، لكنها في آخر المطاف تبقى مسافة تمعن واكتشاف حسب ضوابط ومواقف وآراء، تعكس حركية الثقافة ضمن مجتمع خاص. ولا أخفي إن الكتابة ترهقني وترهبني أما إنتاج العمل الفني، فرغم انه بدوره يرهقني فالطمأنينة التي تمتلكني أثناء الاشتغال تدفعني إلى تناول الأشكال والعناصر في أبعد إمكانياتها التركيبية لتفصح عن مكنونها وتقول قولها. وعن مقصده من عنوان معرضه الأخير «وجها لوجه أو النظر بعين الآخر» يقول: هذا المعرض يأتي ضمن سلسلة من المعارض التي بدأتها بمعرض «الخيال التاريخي» سنة 1986، «الزمن والأرض» سنة 1987 «وادي المخزن» سنة 1999، وكما تلاحظ كلها معارض تحاور الخيال ضمن سيرورة تاريخية، تضع الأنظمة والثقافات موضع تساؤل وإبداع، ليطلع علينا معرض «وجها لوجه، أو النظر بعين الآخر» في هذه المرحلة الموسومة بتغيرات في القوى والأنظمة والأفكار، وكذلك بتشكيل علاقة الأنا بالآخر، علاقة غير سليمة ولا مسالمة في كثير من الأحيان، تتجسد في الدين والاقتصاد والسياسة وتتصف بالمواجهة والتطاحن، إلا أنني أرى أن النظر بعين الآخر من زاويته، قد يجعلنا نتفهم بعضنا البعض وبالتالي نتقبل بعضنا البعض مع الحفاظ على اختلافاتنا دون السقوط في خلافات لا تسفر إلا عن عداء و تطرف. وطبعا «فوجها لوجه» يجسد كذلك علاقة التحفة بالمشاهد وإسقاطاتها على تغيير نظرته إلى الحياة وموقفه اتجاه العالم. وعن الجسد والمقدس في لوحاته يقول: سفر الجسد عبر تاريخ الفن، عرف محطات مختلفة، نلخصها في الجسد الديني، الجسد القبلي، الجسد الاجتماعي، الجسد النظامي، الجسد الأداة، الجسد المقدس... محطات تجسد حركية التاريخ اللولبية. تعرف مرحلتنا الحالية طرح أسئلة حول الدين والنظام وتطور الحضارات، ضمن هذه الأسئلة استعاد الجسد رمزيته الروحية، تجاوز إشكالية التقسيم بين المشخص والمجرد، كما تلخص من موقفه السلبي اتجاه الجمال والمعنى والتأويل. إن المقدس لا يعني السكوت أو التحريم أو الاجتناب بل تناول مجال أبعد لفترة طويلة تحت طائلة الفصل. ولماذا يستحضر في لوحاته صراعات الإنسان البدائي في قالب أسطوري؟ يجيب: أستحضر الإنسان في أعمالي لأنه بؤرة الخليقة، ومركز الكون، فأنا أرى أن الكون يدور، يتحرك ضمن نظام خاص تمتد مسافته إلى ذهنية الإنسان الواعية وغير الواعية، من هنا فالتعامل مع قضايا الإنسان لا يمكن أن تكون إلا في إطار شمولي، منذ البدايات ومرورا بالأحقاب التي فرزتها الصراعات والاكتشافات والفتوحات، وطبعا فهذه الحركية التاريخية اتخذت صورتها من الأفكار والتخيلات الفنية كما وجدت تركيباتها فيها، إما ضمن نسق خرافي أو أسطوري أو ضمن خيال علمي، وأنا في تجربتي الفنية لا أقيم حدا بين ماض أو مستقبل ما دام الحاضر هو الذي يهمني، والحاضر بالنسبة لي هو استحضار لهما. وعن ثنائيات الضوء والظلام، الجسد والطبيعة والسماء، وبقع الدم في لوحاته، يقول: أن تمنح السمو للظلام إلى جانب الضوء، هذا يعني أن الظلام ليس بعالم شياطين، بل هو وجه آخر للضوء، أو قل فكرته المختلفة والمكملة. من ثمة ارتأيت أن أجعل من الأحمر والأخضر لغة أخرى تقوم مقام الأسود والأبيض، لكن دون الانجراف إلى حد التطرف. فالأحمر هو الدم، هو الإنسان، هو الوطن، أما الأخضر فهو رحيق الطبيعة وهو الوطن أيضا. وهما معا يمثلان الحياة، ففي اختلافهما ومواجهتهما تتشكل معنى الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©