الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خالد الصديق: تجارب السينما الخليجية جيدة.. وكارثية

خالد الصديق: تجارب السينما الخليجية جيدة.. وكارثية
30 ابريل 2009 00:48
بدأ الحديث مع المخرج خالد الصديق، المقل في لقاءاته الإعلامية، عن بدايات هذه السينما من خلال ما قدمه هو منذ مطلع السبعينات، وما إذا كانت الأجيال اللاحقة استطاعت مواصلة تلك البدايات والبناء عليها وتطويرها، فقال: يشرفني اعتبار أفلامي من الأفلام الرائدة التي تركت تأثيراً كبيراً في التجارب اللاحقة التي ما زلنا نشاهدها حتى اليوم، وربما نشاهد في هذا المهرجان نتاج التواصل بين الأجيال، فقد فاجأني كثير من المخرجين الشباب الذين أعلنوا تأثرهم بتجربتي. وبالنسبة إلى تجربتي تحديدا فقد بدأت كما هو معلوم بفيلم «بس يا بحر» الذي نال تسع جوائز عالمية، ثم «عرس الزين» الذي نال ست جوائز، أما فيلم «شاهين» فهو مشروع فيلم يتناول الخليج في عصر النهضة في أواخر العصور الوسطى، وأنه لم يظهر بظهور النفط، بل كان له حضوره منذ ذلك التاريخ، لكن المشروع كان فرديا ولم يجد الدعم المؤسسي، كما أنه لم ير النور حتى اليوم، إذ تعرض للضياع أثناء الغزو ضمن ما تعرض من استوديوهات ومعامل تصوير وغيرها، وهناك نسخة نيجاتيف ناقصة (تمثل حوالي ثمانين في المائة من الفيلم) أعمل الآن على استكمالها، لكن هناك مشكلة ما تزال عالقة مع لجنة التعويضات عن خسائر الحرب، فهي حتى الآن لم تستطع تقدير قيمة ما تم صرفه على إنتاج الفيلم. الإخراج والكتابة وكون تجربة الصديق تتوزع بين الإخراج والكتابة الدرامية، كان لا بد من تناول هذه الكتابة بعيدا عن الإخراج، وكيف ينظر إليها، فقال: متعتي الحقيقية ليست في الإخراج، بل في الكتابة لأنها بالنسبة لي أصل الإبداع، فقد كتبت الكثير من السيناريوات، خصوصا أثناء فترة الاحتلال التي افتقدت فيها إمكانية الإخراج، فهناك ما يقارب 15 سيناريو لأفلام طويلة وقصيرة، بعضها أحتفظ به إلى حين توافر إمكانية أن أقوم بإخراجها بنفسي لأنني لا أثق أن أحدا يمكن أن يخرجها كما أريد، وبعضها الآخر أشعر أنها لا تمثلني فأقوم ببيعها لجهات منتجة يمكن أن تتصرف بها بعد منحي حقوقي، لذا لا أعرف ما تم تقديمه أو لم يتم. ومن موقعه في السينما الخليجية كان لا بد من التوقف معه عند ما يقارب أربعة عقود من الإنتاج السينمائي الخليجي، وما أنجزته هذه السينما، وأية ملامح وسمات ميزتها، حيث يرى الصديق أن هذه المدة شهدت ظهور تجارب مهمة على كافة الأصعدة، سواء من حيث الفيلم الروائي أو الوثائقي والتسجيلي. وعما شاهده في المهرجان من تجارب يقول: هناك تجارب جيدة يمكن تقديرها، لكن هناك تجارب كارثية ليس المخرج فقط من يتحمل مسؤوليتها بل بشكل أساسي من يمولها خصوصا في ظل التطور الذي شهدته السينما العربية وبعض التجارب الخليجية أيضا. وهناك بدايات مبشرة في حقل الفيلم القصير، فمن جهتي قبل فيلمي «بس يا بحر» كنت قدمت عدداً من الأفلام القصيرة التي كانت مقدمات وتمارين للفيلم الروائي، وكانت بدايتي مع فيلم عن تاريخ صيد الصقور، وهو فيلم ما يزال مطلوبا حتى اليوم. وهذا ما أقوله عادة للشباب إن عليهم البدء بالأفلام القصيرة ليطوروا معارفهم ووعيهم وأدواتهم من تعامل مع الكاميرا والممثل وكل عناصر العمل الفني، فمن يفشل في تجربة سينمائية روائية أولى يؤثر فشله على تجربته كلها. خصوصا بما يتوافر للجيل الجديد من إمكانيات وتقنيات لم تكن تتوافر لنا. الأفلام القصيرة وفي سياق التطرق إلى الأفلام القصيرة الوثائقية والتسجيلية التي تطغى على ما عداها، كان التساؤل حول طغيان هذه الظاهرة ليس لدى الشباب المبتدئين فقط بل حتى لدى بعض أصحاب التجارب المعروفة، فيأتي التفسير من خالد الصديق على هذا النحو: هناك تجارب عالمية تقوم على تركيب عدد من الأفلام القصيرة في فيلم طويل، وهي تجارب قام بها عدد من كبار مخرجي العالم مثل بازوليني وتروفو، لكنني لا أومن بها. والسبب في ذلك غالبا ما يكون موضوعياً يتعلق بطرقة تناول فكرة معينة من زوايا مختلفة. ثم كان الوقوف على ظروف السينما في الكويت خصوصا، وما استطاعت تقديمه في سبيل الوصول إلى صناعة سينمائية متقدمة، فقال الصديق: ليس هناك صناعة سينمائية بالمعنى الكامل للكلمة، فالصناعة تعني الوصول إلى سينما تجارية قادرة على أن تدر ربحاً ويتم تصديرها، أما ما يتم تقديمه حاليا فهو أنه جرى انقطاع بين ما قدمته أنا من أفلام روائية وما يقدم اليوم، مع أن هناك محاولات متقطعة، ولا ترسم ملامح خاصة بالسينما الكويتية رغم المحاولات التجريبية التي تفتقد الدعم والتمويل. وقد حاولنا في 2001 من خلال أول جمعية خليجية للسينمائيين التي انتخبت رئيساً لها احتضان التجارب الشابة وتقديم الدعم لها عبر المؤسسات المختصة، ولكن الجمعية لم تزل لم يتم إشهارها حسب قوانين دولة البحرين، الأمر الذي جعلها معطلة. ويلح سؤال دائم حول عدم قدرة السينمائيين الخليجيين على إنتاج سينما روائية متميزة رغم إمكانياتها كلها، في حين استطاعت دول عربية لا تملك هذه الإمكانيات أن تصنع تجارب سينمائية ذات سمات مميزة، قال الصديق: السب هو إداري في الأساس، وحسب تجربتي الطويلة فإن الكثيرين من المسؤولين لا يمتلكون الوعي بأهمية السينما قياسا إلى التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، فالسينما تعتمد التسويق وشباك التذاكر بينما التلفزيون يدخل البيوت بسهولة. ثم هناك فكرة لدى كثيرين أن كل فيلم خليجي يحمل رائحة النفط، وقد حدث لدى عرض «عرس الزين» في مهرجان كان أن سمعت شخصا غربيا يقول لصديقه «هذا فيلم تفوح منه رائحة النفط» فالتفت إليه غاضبا وقلت «بل تفوح منه رائحة عرقي وفلوسي الخاصة ومجهودي الفردي». وفي مجال الحديث عن الكثير من الأفلام التي يتم إنتاجها عربياً وخليجياً يلمس المتابع أنها ذات سمة نخبوية وخاصة بالمهرجانات وتصعب مشاهدتها خارج هذا الإطار، يقول خالد الصديق: أنا ألوم الشباب الذين يقدمون أعمالا تجريبية تتعالى على المشاهد ويقدم رؤية يعتبرها فلسفية بينما لا يستطيع أحد غيره استيعابها، وأعتقد أن على الفنان أن يذهب إلى الجمهور ليرفعه معه لا أن يتعالى عليه، فالمخرج العالمي إنغمار بيرجمان صنع سينما فلسفية لكنها مفهومة. ولهذا فأنا مثلا أقدم العمل السينمائي على التلفزيوني فهذا الأخير يمر فيه ما هب ودب، بينما السينما باروميتر لنجاح الفيلم أو فشله حيث الإقبال أو عدمه هما المعيار. وأذكر أن الكويت في السبعينات كانت تشهد عرض أي فيلم مهما كانت أهميته لمدة أسبوع فقط، وحين عرض «بس يا بحر» استمر شهرا كاملا، ما يعني الإقبال الكبير الذي شجعني على الاستمرار آنذاك. وقد قال لي الأمير السابق للكويت المرحوم الشيخ جابر الأحمد إن هناك من كان يحضر المرضى من المستشفيات لحضور الفيلم. وقد رأيت بالفعل سيارات الإسعاف تحضر المرضى لدار العرض. بداية تلفزيونية ويعود خالد الصديق إلى حديث السينما والتلفزيون فيقول إنه اشتغل للتلفزيون عدداً من الأعمال قبل دخول السينما، بل يكتشف معنا أنه كان رائدا في إنجاز المسلسل التلفزيوني كما كان رائدا في الفيلم الروائي الطويل خليجيا، فيقول: لقد أنجزت مسلسلا من سبع حلقات بعنوان «قاتل أخيه»، لكن حبي هو للسينما، ولا أحب التشتت. وحين لا أكون أصنع فيلما، تراني أخطط لإنجاز فيلم. والآن لدي مشاريع، وأنا صعب في الاختيار على كل الصعد. وعلى صعيد القضية التي تشغل خالد الصديق، في ظل القضايا الكثيرة التي تشغل الإنسان العربي، اختار الصديق الحديث عن القضية الخليجية الأكثر إلحاحاً وهي قضية تتعلق بتأثيرات الثروة النفطية على الإنسان الخليجي، فقد ترك النفط آثاراً سلبية كثيرة على المبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد، والصورة سوداوية إلى حد ما، ولكن ليست هناك فكرة محددة. وقد رأيت في هذا المهرجان أفلاماً تعالج قضايا اجتماعية مهمة، لكن كما قلت هناك أفلام مملة لا تستطيع جذب الجمهور، وهذه أفلام فاشلة. وأذكر أنني حين عرضت «بس يا بحر» للمرة الأولى لمست تململا لدى الجمهور في الدقائق الأولى، فقمت بشطب بعض المشاهد في العروض التالية. وبخصوص ما جلب اهتمامه من أفلام الجيل الجديد، والقضايا التي يطرحها هذا الجيل، والتقنيات التي يستخدمها، يقول الصديق إنه لمس توجها أساسيا إلى معالجة قضايا مثل الكبت الجنسي والعلاقة بين الجنسين من خلال أفلام قصيرة ذات قدرة على استخدام التقنية ولكن القليل من ينجح في توظيف هذه التقنيات لتقديم رؤية ناضجة. ولا بد من تشجيع التجارب الناضجة. وهنا يذكر أن أهم ما أنجزته السينما الخليجية خلال مسيرتها هو هذه المواهب المستمرة التي تتطلب الدعم وتحتاج هامشاً أوسع من الحرية بعيدا عن الرقابة الصارمة الكارثية المفروضة على الفيلم الخليجي تحديدا. وفي موضوع الرقابة تحديدا يذكر الصديق أنه في بدايته كان يقدم نصه للرقابة قبل تنفيذه سينمائياً، لكنه فيما بعد صار ينفذ فيلمه دون عودة للرقيب، وأنه حين قدم فيلمه «عرس الزين» رفضه الرقيب بحجة أنه ضد الإسلام، فاضطر إلى وضع الآية «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله» في مقدمة الفيلم دون أي تغيير فوافقت عليه الرقابة. ما يدل على مدى جهل الرقباء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©