الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المثقف المقموع

المثقف المقموع
30 ابريل 2009 00:48
الطريف أنني عندما أسترجع في ذاكرتي مسرحيات صلاح عبد الصبور التي جاءت بعد مأساة الحلاج، أجد أن كلها تدور حول دور المثقف بوجه عام، والشاعر بوجه خاص، فمسرحياته بطلها دائما مثقف بمعنى أو آخر، وهو مثقف صاحب موقف إيجابي، يتحدى التسلط والديكتاتورية، ويقاوم القمع بكل أشكاله وتجلياته، مؤمنا بدور الكلمة في إصلاح العالم، ومواجهة الطغاة كأنها سيف، وإحياء الأرواح الميتة كأنها الدواء. والمثقف المقاوم في كل هذه المسرحيات، كالشاعر، ينطوي على شهوة إصلاح العالم، والرغبة في استبدال الحرية بشروط الضرورة والحرية والعدل هما النجمان المضيئان دائما في عالم هذا المثقف البطل الذي يؤمن إيمانا عميقا بقيمة الصدق، ويسعى دائما لتحقيق قيم العدل والحرية، بوصفها القيم التي لا معنى للحياة إلا بها، ولا اكتمال للوجود إلا بازدهارها في عالم البشر الذي هو عالم لا يخلو من الاستبداد في كل الأحوال. هكذا كانت «مأساة الحلاج» مأساة مفكر، رأى أن الشر استولى في ملكوت الله، فخلع عن نفسه خرقة الصوفية التي تعني عزلته عن الناس، وقرر أن يعيش وسط الناس، ساعيا إلى أن يدلهم على طريق الحقيقة، طريق العدل والحرية والصدق، غير عابئ بما يمكن أن يناله في سبيل دعواه، فتكون النتيجة اصطدامه بأعداء العدل والحرية والصدق، فلا يروعه السجن، ولا يرده عن دعواه، وتكون النتيجة محاكمته والحكم بالموت عليه، لكنه ظل يدرك أنه إن مات فإن كلماته لن تموت، وإنما ستتحول إلى بذور للثورة والمستقبل، تحملها الريح السواحة في كل مكان وزمان، تروي القلوب العطشى، والنفوس المتطلعة إلى العدل. وتأتي «مسافر ليل» لكي تضع المثقف في صورة مسافر مجهول في مواجهة المستبد، والنتيجة هي السؤال الذي يطرحه المثقف المقموع تحت قناع المسافر: ماذا أفعل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©