الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضفــــــاف حول الموت والزمن والغياب

ضفــــــاف حول الموت والزمن والغياب
30 ابريل 2009 00:48
ما يبعث على الدوار والإرتباك والتشّظي، هو ذلك التعاطي أو التفكير في الموضوعات الأكثر حِديّة وواقعيّة ـ رغم غيبيّتها ـ وتدميراً، كالزمن والموت والغياب في المجهول القادم لا محال، والإمحّاء والفناء. يضطرب المرء حدّ تغيير الوجهة وتكريس الوقت لنسيانها وتجاوزها المؤقت بالضرورة، فكأنما الحياة بضجيجها وسعيها، بحبها وكرهها وشرورها الكثيرة؛ بكل ما تفصح عنه وتختزنه من حركة ودأب وطموح، ليس إلا نسيان تلك الواقعة الرهيبة، واقعة الموت والزمن والفناء.. تتراكم الغيابات والجروح في أعماقنا جرّاء الحركة والسعي في دروب الحياة، وعبر الصمت والفراغ، تتراكم وتتشعّب كأنها مقدّمات أولى، تمارين الممثل على الخشبة، قبل أن ندلف في الغياب الأبدي الذي حملنا وشم حتميّته الصارمة منذ صرخة الولادة وربما قبلها بقرون. كل شيء يذكرّنا بهذا الغياب القاهر، بالتغيّر وعلاماته التي نستشعرها ونرقبها على أجسادنا التي تنحدر نحو الضعف والوهن، نرقب التغيّر ونحاول التكيّف معه لأننا لا نملك شيئاً تجاه هذه القدريّة العمياء. نرقب ونلاحظ التغيّر في مرآة الآخر الذي عرفناه ذات يوم ضاجاً بالحيّوية والمرح، وإذا به مليئا بالندوب الجسديّة والروحية، بالتجاعيد وعلامات الإنحدار نحو الغروب الأكيد، حتى ممثلي السينما الذين شاهدناهم في مطلع العمر، وهم كانوا كذلك، نشاهدهم الآن، ليس لملاحظة أدائهم التمثيلي وإنما إلى ما فعل الزمن بوجوههم وأجسادهم رغم كل المساحيق والحيل التي يحاولون بها، تغطية هذا الفعل التدميري؛ وماذا فعل بنا؟ كل شيء يذكرّنا بالزمن والغياب في هذه المناطق المداريّة التي تلتهم الفصول كما يلتهم الوحش فريسته، كما يلتهم الموت ضحاياه بشهيّة شبقة لا تنتهي؛ من السُحب العابرة، فوق سماوات مقفرة بحيواناتها وأطيافها التي لا تلبث أن تضمحل وتتلاشى. إلى الجبال الغامضة التي من فرط قدمها وصلابتها يمكنك أن ترى أساطير الخَلْق تلهث على أديمها كالوعول الهرِمة، بحثا عن أزلها في خضمّ الأزمنة. كل شيء يذكرنا بالموت ويلح ويستحوذ على مشاعرنا وتفكيرنا، خاصة في هذه البرهة التي نعيش من التاريخ، حيث استعراضات الفناء الأكثر تطوراً وبذخاً، حيث آلة الدمار والحرب البالغة السطوة والفتك، حيث العنف احتل مسرح الحياة كاملاً، من أناشيد الأطفال ولعبهم وإعلانات التلفزيون وأدوات الاستخدام اليومي، إلى عويل الحيوانات والطيور في أقفاصها التكنولوجيّة. حتى الأزرار الالكترونية التي بضغط الإصبع الأصغر، يمكنها أن تبيد الكون عدة مرات. يشعر الكائن الحديث أنه محاصر بآلة الموت، وأكثر ضعفاً وهزالاً من سلفه البدائي في مواجهة تلك القوى الخارقة للسيطرة والسحَق. لم يكن الأسلاف البدائيون يقيناً، يحتلهم الذعر والهواجس من غموض قوى الطبيعة وبطشها، مثلما عليه الآن، أمام سطوة القوة ولهب الجحيم الذي صنعه البشر بعبقريّتهم، حتى استحال العالم إلى صرخة احتضار طويلة، التي ربما سيختصرها بطلقة الرحمة أحد قادة هذا التاريخ ومعتوهيه.. يحار المرء ويهرب ما استطاع الهرب من أكثر الحقائق واقعيّة وصدقاً، الحقيقة التي تندحر أمامها جميع الوقائع والصيرورات التي تبدو بالغة النسبيّة أمام جبروتها وكمالها المطلق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©