الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منحياة ستالين حافلة بالمفارقات والمداورات والانقلاب على المفاهيم والتحالفات

30 ابريل 2009 00:51
صدر كتاب «ستالين: القيصر الأحمر يعود» مؤخّرا بهذا العنوان لمؤلّفه أحمد ناصيف عن دار الكتاب العربيّ، فجاء على مزيج من المعلومات والتّساؤلات، كما حاول مؤلّفه أن يقدّمه؛ لأنّ حياة الزّعيم الرّوسيّ تقلّبت في حقبة زمنيّة قصيرة، وحفلت بمواقف مليئة بالمفارقات، والمداورات، تبلغ حدّ التّغيير الجذريّ للمفاهيم والتّحالفات. فمن «دارس لعلوم الدّين الى داع للاشتراكيّة ومعاداة الدّين، ومن طالب نجيب الى قاطع طريق، ومن عدوّ للقياصرة الى قيصر جديد، ومن صديق للينين الى عدوّ له، ومن حليف لهتلر الى حليف للرّأسماليّة». والتّقلّبات في الكتاب تنقلنا الى أسئلة كثيرة يحاول الاجابة عنها من قبيل: هل كان ستالين سببا في إلقاء القنبلة الذّرّيّة على اليابان؟ وهل تسبّب في أزمة الاقتصاد العالميّ، وهزيمة بلاده في الحرب العالميّة الثّانية؟ وهل عادى اليهود حقّا؟ وما قصّته مع الفنّانين والأدباء؟ وكيف فتك بأخلص أصدقائه حتى بصقوا عليه عند وفاته؟ تفكيك الألغاز في مائة وثمانين صفحة من القطع المتوسّط، عمل المؤلّف على فكّ ألغاز هذه الشّخصيّة المثيرة للجدل في ستّ وعشرين مقالة وملحق صور. وبينما لقي ستالين التّنديد من خلفه الرّئيس نيكيتا خروتشوف بوصفه مرتكبا لحملات التّطهير الدّمويّة بين الثّلاثينيّات والأربعينيّات من القرن العشرين؛ قرّر الرّئيس الرّوسيّ السّابق بوتين اعادة النّظر في تاريخ روسيا، ودعا المدرّسين الى مراجعة حقبة ستالين بكثير من الموضوعيّة، معلنا أنّه لم يكن حاكما سيّئا كما صوّره خروتشوف، وعلى الفور طلبت أكاديميّة التّربية إجراء مراجعة كاملة لكتب التّاريخ المدرسيّة، فخلصت الى التّقليل من شأن المجازر والفظائع التي ارتكبها بوساطة وزيره بيريّا. وبعد فترة قصيرة ـ كما قال المؤلّف ـ «صدرت مؤلّفات جديدة عن ستالين تصنّفه واحدا من أعظم قادة الاتّحاد السّوفييتيّ، في حين تهاجم مرحلة يلتسين الذي اتّهم بالضّعف والولاء للغرب. ومن دواعي الدّهشة أنّ خروتشوف كان جزءا من العمليّات القمعيّة التي نفّذها يتالين؛ وفي الوقت عينه لم يكن على علم بنصف ما كان يجري آنذاك، «فقد صعق على سبيل المثال حين اكتشف أنّ 70 بالمائة من أعضاء الحزب قد أبيدوا خلال فترة الثّلاثينيّات والأربعينيّات. وظلّ الصّمت مخيّما حتى العام 1961 حين سمح خروتشوف بإفشاء بعض الأسرار الجديدة عن جرائم ستالين، ولقد طرحت هذه الجرائم للحوار على شاشات التّلفاز، وعلى موجات الإذاعة؛ بعد ذلك تمّ نقل جثمان ستالين من الميدان الأحمر وجرى تدمير تماثيله، واستعادة المدن أسماءها الأصليّة. في الميدان الدولي يورد مؤلّف الكتاب تفاصيل تظهر رغبة ستالين في إشعال حرب عالميّة ثانية لإشغال الدّول الرّأسماليّة واستنزافها، تمهيدا لضربة قاسية من جانب الاتّحاد السّوفييتي... فكانت معاهدة الصّداقة مع ألمانيا النّازيّة مناورة ماكرة، إذ رأى ستالين فرصته الذهبية ابان انشغال هتلر بالحرب على بريطانيا، «وخلال اجتماع سرّي مع مساعديه المقرّبين أعلن أنّ الشيوعية تحتاج الى حرب عالمية لغزو العالم، وقال ستالين: إنّ على الاتّحاد السّوفييتي مساعدة هتلر على القتال ضد بريطانيا وفرنسا، واجبار الولايات المتّحدة على دخول الحرب لانقاذ بريطانيا». ومن جهة ثانية يبيّن المؤلّف أنّ أطماع ستالين في اليابان والدّول الآسيويّة الشّرقيّة كانت سببا من ثلاثة أدّى الى اسقاط قنبلتين نوويّتين على هيروشيما ونكازاكي لانتزاع استسلام سريع من اليابان، ذلك «أنّ ترومان كان يأمل في أن ينهي الحرب على جبهة المحيط الهادئ قبل أن يدخل الاتّحاد السّوفييتيّ معركته ضدّ اليابانيّين، وهو تطوّر كان يمكن أن يسمح لستالين بأن يحتلّ أراض في آسيا، أو أن يطالب بدور في احتلال أميركا لليابان، في فترة ما بعد الحرب» والسّباق كان بين القنبلة الذّرّيّة وبين دخول السّوفييت الى الحرب، فأراد ترومان (الرّئيس الأميركي) تحجيم الطّموحات السّوفييتيّة في شرق آسيا. الخصومات والانتقامات انّ شخصيّة ستالين فرضت نفسها بقوّة القمع على أقرب المقرّبين لثلاثة عقود «من الحكم والطّغيان، وكان لابدّ للطّاغية أن يموت كما يموت أيّ كائن حيّ» حتى انّ أقرب مساعديه وأصدقائه بيريّا رئيس الاستخبارات والأمن الدّاخليّ، بصق في وجهه بينما كان ينازع، ثمّ قام خليفته خروتشوف «بفضح جرائمه في كلّ أنحاء العالم» فكانت له مواقف غريبة وحشيّة، اذ يحاول دائما الانتقام من النّساء على طريقة شهريار في ألف ليلة وليلة. وبطشه لا يستثني أحدا، ولا يتعلّق بجنس الضّحيّة ذكرا أم أنثى، والمرء يذهل كما يقول المؤلّف «أمام وصف واقعي ومدهش لجنون السّلطة الذي يترافق مع مواكب من ملايين القتلى، ويقشعرّ البدن لهول ما فعله الطّاغية الرّوسي، وكأنّه فقد كلّ المشاعر الانسانيّة، وانقلب وحشا آدميّا يتلذّذ بالدّماء وآلام البشر» وقد اصطدم بالمبدعين أمثال مكسيم غوركي، والمؤلّف الموسيقيّ البارع ديمتري شوستاكوفيتش، وعلى وحشيّته وتقلّباته، اختلفت النّظرة اليه داخل الاتّحاد السّوفييتي وخارجه، فهناك «من يدافعون عنه ويؤمنون به كزعيم اشتراكيّ وقائد عالميّ عمل لصالح بلاده وصالح الحركة الشّيوعيّة في العالم أجمع فهم يبرّرون فظائعه ويطرون انجازاته، وفي المقابل يذكر المؤلّف أنّ بعض المؤرّخين ظلّوا يصفونه بالدّيكتاتور المجرم الذي قتل أبناء شعبه، الى ينتهي الكتاب الى القول: «هل نستطيع أن نصبغ مفهوم العظمة بأيّ شكل من الأشكال على مجمل حياة ستالين؟» ويؤكّد أنّ «عدم ارتقاء ستالين الى العظمة عائد الى كونه عسكريّا أكثر من أن يكون رجلا خلاقا». واذا كنّا لا ننكر البصمات التي تركها هذا الدّيكتاتور في مسار الحركة الشّيوعيّة والأحداث الانسانيّة الكبرى، فنحن نشكّ في أن تنجح أيّة حملة ثقافيّة في تلميع صورته، وتقديمه نموذجا وطنيّا، لأجيال الطّلبة الرّوس، لأنّ سفك الدّماء البريئة وازهاق النّفوس لعنة لا تمحى بسهولة، وبناء عليه فالقيصر الأحمر من الصّعب أن يعود
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©