الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دعا الفنانين العرب في أوراقه الخاصة لاستثمار كنزهم الموسيقي

30 ابريل 2009 00:51
حفل كتاب محمد عبد الوهاب «رحلتي ـ الأوراق الخاصة جدا» الذي أعده وقدم له الشاعر فاروق جويدة بآراء جوهرية غاية في الأهمية خاصة بالموسيقى وعلاقة عبد الوهاب بها والجهود التي بذلها في تجديدها وتطويرها فهو أول من فك سجن الجملة اللحنية من قيود الإيقاع الواضح الذي «غالبا ما يحرك في المستمع الحس المادي أكثر من الوجدان الروحي»، وهو أول من خالف قاعدة هامة من قواعد التلحين الشرقي والتي تقول: إذا ما لحن قصيدة أو توشيحا أو دورا أو أغنية أو طقطوقة وابتداء من نغمة ومن مقام عليه أن ينتهي بنفس النغمة وعلي نفس المقام، «وقد كسرت هذه القاعدة في «جارة الوادي» فقد بدأت من نغمة البياتي على مقام الدوكا وانتهيت بها بمقام البياتي أيضا ولكن على مقام العشيران.. أي ابتدأت ببياتي على «الري» وانتهيت إلى بياتي على «اللا» وهذا مخالفة صريحة للمقام». ومن القضايا الموسيقية المهمة التي يطرحها عبد الوهاب في مذكراته قضية الهارموني حيث يقول: «إن الهارموني لم يستطع حتى الآن تغطية جميع النغمات العربية، فالموسيقى العربية تتقابل مع الموسيقى الغربية في نغمات كثيرة كالنهوند والحجاز وتختلف في بعض المقامات الأخرى في أنغام الموسيقى الأوروبية كالبياتي والرست والصبا والسيفاه والحجاز. فنحن نتقابل مع الغرب في بعض مقامات من هذه الأنغام ثم نفاجأ بمقامات في نفس النغمة بها ربع مقام، ومن غير المعقول أن نضع هارموني لبعض مقامات من النغمة ثم يتوقف الهارموني عند المقام الذي به الربع مقام فنصبح أمام أسلوبين مختلفين». إذن ماذا نفعل؟ يجيب عبدالوهاب: إن الهارموني علم رياضي يقوم على أسس السلامة والتوافق السليم ولا يمكن لسليم أن يتفق مع غير سليم. ويطرح عبدالوهاب تساؤلات/ معضلات فيقول: ماذا نفعل؟ هل نضع هارموني بصرف النظر عن الناحية الرياضية العلمية والجمالية أيضا، نترك الاستساغة «للإلحاح»، لأن نصف الاستساغة تقوم على «الاعتياد».. فهل نترك هذا للاعتياد؟ أم نلغي الربع من موسيقانا الرسمية ونحرم أنفسنا وموسيقانا من جمال حسي، ونحرم أنفسنا من القفلة «الحراقة» التي ستختفي بدخول الهارموني اختفاء خفيفا، لأنه لا يمكن وضع هارموني للقفلة التي تخضع لنبرات وإحساس وكفاءة كل مطرب على حدة. فهل نقدم على هذا وفي سبيل اكتسابنا لشيء نترك شيئا وتصبح المقامات التي بها ربع مقام موسيقي محلية موروثة من تاريخ سحيق وتصبح كالبطل الشعبي؟ لا أدري، إنها مشكلة ومشكلة جديرة بالبحث والحوار، مع العلم والتاريخ والذوق والجمال. حكاية نشيد وعن مشكلة التوزيع الموسيقي في العالم العربي ومصر قال عبدالوهاب: لا يزال التوزيع الموسيقي في مصر عاجزا عن مهمته المثلى، فهنا نعتبر ان التوزيع تحلية للحن الأصلي، وليس جزءا منه، وأنا اعتبر أن التوزيع السليم جزء من اللحن، بحيث إذا حذف هذا التوزيع أشعر بأن هناك نقصا ما، وأن اللحن لم يتم بصورة كاملة، وفي مصر يعتبرون اللحن مثل الشقة والتوزيع عبارة عن كرسي هنا وكرسي هناك، وفازة هنا وفازة هناك، وستارة دانتيل على الشباك، وربما صارت الشقة أجمل لو أننا لم نحشر هذه الحليات في هذه الأماكن، ولذلك أريد أن يكون التوزيع عضو من أعضاء جسم اللحن كجسم الإنسان. ومن الأمثلة التي يضربها عبد الوهاب على تجديده الموسيقي قوله حول نشيد «بلادي بلادي» وهو السلام الوطني لمصر والذي كان أغنية لسيد درويش: فكرت كثيرا ماذا أفعل في نشيد بلادي، توصلت الى الآتي: أن أبطئ التأدية بطئا شديدا حتى ولو كان في ذلك صدمة لآذان من استمعوا إلى النشيد قبل ذلك.. بعد ان أبطأت النشيد هذا البطء الكبير ظهرت أمامي مشكلة.. فقد وضحت أمامي ثغرات، أي سكتات، كانت مختفية عندما كان يؤدى بالسرعة المذهلة التي كان يؤدى بها.. عند ذلك كان عليّ أن أسد هذه السكتات بتأليف جسور (لزم) تبتدئ بانتهاء الجملة الأولى وتنتهي بابتداء الجملة الثانية، وقد فعلت هذا وكان ذلك في جملة الكوبليه في النشيد الأصلي، فكرت في أن هذا النشيد ستعزفه فرقة عسكرية على آلات نحاس وخشب، هل سيعزف كله بهاتين الفصيلتين من أوله لآخره أم يجب أن يكون فيه حوار.. وأين يكون هذا الحوار.. فجعلت النحاس يدخل بالنشيد ويستمر حتى أول الكوبليه، فيبدأ الحوار بأن يعزف الخشب الكوبليه، وقبل أن ينتهي الكوبليه يدخل النحاس ليكمله مع الخشب ثم يستمر النحاس في إعادة الكوبليه الأول أي أن يعيد النحاس ما بدأ به. ويرى عبد الوهاب أن التراث الموسيقي العربي ليس واحدا، ويقول: يتصور البعض أن التراث العربي واحد في كل أنحاء البلاد العربية من تواشيح وأدوار وفولكلور وطقاطيق إلى آخره، وأنا أقول إن هذا غير صحيح لأن التأثر بالجوار أمر محتوم، فالتأثر واقع والأخذ والعطاء في الفن محتوم. فمثلا بلد كالمغرب بجوار أسبانيا لابد أن ألحانها تأثرت بالألحان الأوروبية كما تأثر الأسبان ببعض الألحان العربية. ومثلا بلد كالعراق بجوار إيران لابد أنها تأثرت بالألحان الإيرانية، كما تأثرت الجزيرة العربية ببعض الإيقاعات الأفريقية. وعلى هذا لا يمكن أن تكون الألوان التلحينية متشابهة في كل البلاد العربية بسبب تأثر كل بلد بجارتها، ولذلك نجد أننا في مصر نجاور بلاد الشام أي الأردن ولبنان وسوريا، فنحن نتفق كثيرا في «نوتاتنا» وحتى في تطور الأغنية عندهم يأخذون عنا لهجتنا التلحينية ونحن ينساب فينا شيء من لهجتهم التلحينية. الموسيقى والبترول ويضيف عبد الوهاب في لفتة مهمة إلى أهمية استثمار الموسيقي العربية كما استثمر البترول ويقول: أنا دائما أقول إن للعرب كنزين، هما كنز البترول وكنز الموسيقى، أو بمعنى أدق الألحان العربية، وقد تنبه الغرب إلى كنز البترول فاستثمروه وعصروه وسيعصرونه.. وللآن لم ينتبه الغرب إلى كنز الألحان العربية، ولكنه تنبه إلى الإيقاعات الإفريقية والألحان الآسيوية، والرومانسية في ألحان أميركا اللاتينية وعصروها واستثمروها. وهم الآن يبحثون عن كنوز موسيقية أخرى، وسوف يجيء دورنا وينتبه الغرب إلى كنز الموسيقى العربية وسيستثمرونها ويعصرونها كما عصروا البترول. فتنبه أيها الفنان العربي واستثمرها أنت قبل الغرب، وهذا لن يكون إلا بالفن والحس العربي الصافي الطروب الذي تشبع وعاش في البيئة العربية، وفي الوقت ذاته تعلم الموسيقى الأوروبية لتستخلص منها ما يثري هذا الكنز، تنبه أيها الفنان العربي.. وتنبهي أيتها الدول.. تنبهوا قبل أن ينتبه الغرب ويستثمر موسيقانا كما استثمر بترولنا. ويتحدث عبد الوهاب عن فن الغناء في العالم والأصوات الغنائية ثم الغناء في مصر ويتساءل عن أسباب «النغمة المرذولة» هذا مصري وهذا غير مصري؟ ويقول: إن وجود الفنانين العرب هنا وانصهارهم في المصرية السمحة وإحساسهم بأن ليس هناك تفرقة تجعلهم دائما لا يفكرون في العودة إلى بلادهم.. إن في ذلك مكسبا لمصر.. فالفن سيقوى ويشتد لأن الفن اخذ وعطاء، سيأخذون منا شهرة وانتشارا، وسنأخذ منهم دما جديدا وقوة تبعث دائما الحياة في فننا، لماذا نخيف الفنان العربي الوافد عندما نجعله حذرا قلقا من مصر، وأهل مصر، وصحافة مصر، ليحضروا، سنقوى بهم وسينتشرون بنا ولتصبح مصر أميركا الفن في الشرق، ونحن كمصريين أليس أغلب أمهاتنا تركيات أو شركسيات أو سوريات أو ليبيات أو حبشيات أو سودانيات، وأجدادنا أليس فيهم التركي والشركسي والسوري، فلماذا لم يشعروا بالذي نشعر به الآن؟ لأنه لم تكن هذه النغمة موجودة في ذلك الوقت، وعلى سبيل المثال أليس نجيب الريحاني عراقيا، وجورج ابيض لبنانيا، وروز اليوسف لبنانية، وأنور وجدي سوريا، ونجاة سورية، ومع ذلك لم تكن توجد هذه النغمة الممجوجة، عاشوا مصريين وماتوا مصريين، علينا بدل أن يقيم الفنانون في مصر بفكرة احتمال العودة إلى بلدهم ويرسلون ما يكسبونه من أموال إلى بلادهم رسميا أو تهريبا، علينا أن نجعلهم يعيشون في مصر وتظل أموالهم التي كسبوها من مصر في مصر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©