الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في مجلس الشيخ زايد: هلله بالخير

في مجلس الشيخ زايد: هلله بالخير
30 ابريل 2009 00:52
كان أكثر ما أثار انتباهي وأنا أبدأ حياة اجتماعية جديدة بوصولي الى مدينة أبوظبي في يناير 1971، هو اللقاء بالمسؤولين.. بدءاً من الموظف العادي وانتهاء بالمدير العام أو وكيل الدائرة أو حتى رئيس الدائرة والوزير فيما بعد. وعلى ما أذكر احتجت في الشهر الثاني من وصولي الى أبوظبي أن ألتقي برئيس قسم الإقامة، وكان يشغل هذا المنصب في ذلك الوقت المرحوم خلفان السويدي.. وقد أصبح فيما بعد المدير العام للجوازات والجنسية والإقامة. فوجئت به يستقبلني دون موعد، ويحل مشكلتي في لحظة ويوقع على طلبي بالموافقة. حتى عندما ترقى الى درجة المدير العام، لم يكن للسكرتير عمل حجب الناس عنه، بل كان عمله تنفيذ تعليماته بحل المشاكل. كنت كغيري من المواطنين والوافدين ندخل عليه بغير مواعيد، ونجلس في مكتبه المليء بالمراجعين.. فيصغي الى طلبات الجميع ويلبي ما هو قانوني ويعتذر عما هو خارج التعليمات والقوانين. حتى الوزراء لم نكن نحتاج الى مواعيد مسبقة للقائهم، بل كان يكفي أن نطلب من السكرتير أو مدير المكتب مقابلة الوزير فيطلب منا الانتظار حتى ينتهي معاليه من مقابلة من سبقنا ثم ندخل عليه بشكل عادي ودون أي تعقيدات فنطرح على معالي الوزير مشكلتنا فيأمر بحلها. وأعتقد أن هذه الظاهرة نشأت عن عادات وتقاليد عربية موروثة وكان القائد زايد رحمه الله هو الذي أعطى القدوة والمثال.. حيث كان مجلسه مفتوحاً أمام الجميع، فلا حجاب ولا حراس يُدخلون فلاناً ويمنعون علاناً.. الكل يدخلون ويسلمون ويطرحون على القائد مشاكلهم واحتياجاتهم والقائد يلبيها بأريحية غير مسبوقة في تاريخنا العربي المعاصر. حضرت العديد من هذه المجالس.. وأصغيت الى طلبات العديد من المواطنين والذين كانوا يدخلون ويسلمون بقولهم بصوت مرتفع فيه العزة والمحبة: ـ هلله بالخير يا زايد. فيرد زايد: ـ هلله بالخير. وكان في كثير من الأحيان ينطق اسم المواطن الذي ألقى السلام فيقول: ـ هلله بالخير يا مبارك.. هلله بالخير يا سالم... ولاحظت أنه يكاد يعرف الجميع ويتذكر أسماءهم. فإذا كان زايد القائد والزعيم ورئيس الدولة يفعل ذلك، فالوزراء والمسؤولون يسيرون على النهج نفسه ولا يجعلون من مكاتبهم أبراجاً عالية يصعب الوصول إليها وإليهم. حينما أصيب ولدي جهاد عام 1972 بحادثة في المصعد في العمارة التي أسكن فيها، وكان سمو الشيخ سيف بن محمد آل نهيان وزيراً للصحة، أسرعت الى مكتبه بدون سابق موعد، وطلبت كغيري من المراجعين مقابلته.. تمكنت بعد انتظار أقل من خمس دقائق من مقابلته والحصول على موافقته بإرسال ابني الى لبنان للعلاج، وقد تم ذلك وأنا فعلاً أدين بفضل إنقاذ ابني له ولسياسة الحكومة الرشيدة والكريمة والتي كانت تسير على نهج القائد المعطاء. في هذه الأيام لا يتمكن المقيم وحتى المواطن من مقابلة رئيس قسم أو موظف بسيط إلا بموعد مسبق وبعد تقديم (عرض حال) للقضية أو المشكلة التي يريد بحثها ومناقشتها. طبعاً العذر المقبول والذي لا يمكن استهجانه هو أن وقت الموظف ملك للناس.. وحتى لا يضيع هذا الوقت في مقابلة من هب ودب فلابد من النظام، والنظام أساس النجاح وتوفير وقت المسؤول والمراجع. هذا صحيح.. ولكن مع عدم اعتراضي على ما يجري حالياً فقد كان ذلك الزمن جميلاً بالفعل، وكنت من خلال البرامج الإذاعية والتليفزيونية التي أقدمها على صداقة ومعرفة بجميع المسؤولين في ذلك الوقت. وكم أكبرت تلك اللفتة الكريمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عندما قام بنفسه بتحطيم الحواجز الزجاجية التي كانت تفصل الموظفين عن المراجعين في دبي وذلك قبل أكثر من خمس عشرة سنة. في ذلك الزمن الجميل الذي أتحدث عنه لم يكن هناك حواجز زجاجية ولا حتى خشبية تفصل المراجعين عن الموظفين. كانت المحبة تجمع الجميع، وكانت الأمور تسير بشكل سلس مثير للدهشة والانتباه. أذكر أننا كنا في الإذاعة من خلال البرامج التي نعدها ونقدمها نبحث عن أي أثر للبيروقراطية في مكاتب الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية، وعندما يصل الى علمنا أن وزارة ما أو جهة حكومية بدأت تعاني من البيروقراطية وأن هناك مراجعين يعانون من هذه البيروقراطية كنا نسرع بالتقاط الشكوى ورفعها الى أعلى المستويات ونشعر بالارتياح عندما يتم التحقق من صحة الشكوى وتتخذ إجراءات حاسمة للقضاء على أي محاولات جر العمل الحكومي الى البيروقراطية. وإذا طلب مني إجراء مقارنة عادلة بين العمل الحكومي في ذلك الزمن الجميل وهذا الزمن، فيمكنني أن أقول بصراحة ودون تردد: الذي تغير اليوم هو الموظف وليس المسؤول، فالتقليد الذي أرسى دعائمه القائد الراحل، طيب الله ثراه، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ما زال موجوداً.. مجلس رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ما زال مفتوحاً.. وما زال المواطنون يفدون الى ذلك المجلس فيلقاهم سموه بوجهه الباسم واهتمامه الصادق ولا يخرجون إلا بفرحة الفوز بتحقيق الطلب ونيل المبتغى. كذلك مجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي والذي يستقبل مئات المواطنين والمقيمين في أبوظبي.. ما زال مثالاً واضحاً على عمق الالتحام بين القيادة والشعب. بل إن عادة فتح مجالس الشيوخ والمسؤولين من وجهة نظري هي أجمل تراث حافظنا عليه بعد التطور الكبير الذي عاشته دولة الإمارات وأصبح من المستحيل أو شبه المستحيل فتح مكاتب المسؤولين للجميع وبدون مواعيد مسبقة. لأن ما لا يحل في المكاتب يمكن حله في المجالس، وما لا يمكن أن يلبيه الموظف البسيط يمكن أن يأمر به المسؤول الكبير.. وهكذا تظل الصلة قائمة ولا تحدث فجوة أو هوة بين المواطن والمسؤول. وأعتقد أن هذا التراث يتفوق حتى على النظام الديمقراطي الذي تكون فيه الأمور محددة ومقننة ومبرمجة بشكل لا يسمح للعواطف أن تتدخل.. لأن العاطفة بعيدة عن العدل أحياناً.. ولكن أليست الرحمة مطلوبة قبل العدل والجود والندى قبل الاستحقاق. إن هذه المجالس المفتوحة أكثر أهمية للشعب من البرلمان ومجالس الشورى.. ولو أنها لا تلغيها ولا تنوب عنها.. ولكن من خلال هذه المجالس يمكن للحاكم أن يجس نبض الشعب ويمكن للشعب أن يتواصل مع الحاكم ويقول له ما يشعر به وما يحتاج إليه. وكم من القرارات الهامة أصدرها المغفور له بإذنه تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بعد إصغائه لآراء ووجهات نظر مواطنين عاديين جاءوا للسلام عليه وتبادل الحديث معه في أمور تخص حياتهم ومستقبل أبنائهم. لا أخفي شعوري بالأسى الآن.. حينما أطلب لقاء بعض المسؤولين أو المدراء فأسمع السكرتيرة أو مديرة المكتب تقول: ـ الأستاذ غير موجود في مكتبه.. سنتصل بك عندما يحضر. وأنتظر طويلاً.. ولا يتصل بي أحد.. وحتى حينما أتصل مرة أخرى لا أسمع إلا الإجابة نفسها. لو حدث ذلك في الزمن الجميل.. لكان ذلك المسؤول موضوعاً غنياً لحلقة من حلقات برنامجي «في خدمة المواطن» أو برنامج «يعجبني ولا يعجبني» الذي كان يقدمه المرحوم الفنان محمد الجناحي رحمه الله. فهل لي أن أقرع بلطف جرس التنبيه وأطلب من المسؤولين وخاصة النشطاء منهم والذي يتعلق بنشاطهم بشكل عام بالآخرين أن يخصصوا جزءاً من وقتهم الثمين للالتقاء بالآخرين فلعل لديهم ما يفيد وما يدعم المسيرة المباركة لدولتنا العظيمة ووطننا الحبيب.. أقول لهم بحب: عودوا إلى الجذور عودوا إلى التراث فهو حقيقة جميل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©