الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عرسال» اللبنانية... وتداعيات الثورة السورية

«عرسال» اللبنانية... وتداعيات الثورة السورية
12 فبراير 2013 23:48
أدت المعارك التي اندلعت بين بلدة لبنانية على الحدود مع سوريا تدعى عرسال والجيش اللبناني إلى توتير العلاقات الطائفية والسياسية المضطربة أصلاً في لبنان نتيجة ما يجري من تطورات في سوريا المجاورة وتداعياته على الداخل اللبناني. فقد تسببت المعركة التي اندلعت في الأول من فبراير الجاري وخلفت مقتل مسلح سني ينتمي إلى البلدة وجنديين في الجيش اللبناني، إلى تصاعد حدة التوتر إلى درجة خطيرة في المنطقة الشمالية الشرقية المحاذية لسوريا، باعتبارها إحدى مواقع الدعم الأساسية للثوار الذين يقاتلون نظام الأسد، هذا بالإضافة إلى أن لبنان عموماً فيه «حزب الله» الذي يؤيد النظام ويعد أحد أوثق حلفائه. وهكذا برز وضع يطغى عليه الكثير من الاحتقان بين الجيش اللبناني ومعه الحكومة من جهة، وسكان بلدة عرسال السنية من جهة أخرى، حيث طوقت قوات الجيش اللبناني البلدة مطالبة بتسليم المسلحين، الذين قاتلوا أفراد الجيش، فيما يرفض أهالي البلدة تسليمهم حتى يتم إجراء تحقيق مستقل في الحادثة، وهذا ما يوضحه، علي هجيري، عمدة البلدة، قائلاً: «نحن لدينا مشكلة مع مطالب الجيش، فهناك ما بين 200 و 300 شخص متورطون في قتال الجيش، ولا نستطيع تسليمهم كلهم، لأن الحكومة لا تتعامل بإنصاف وعدل مع الجميع». وما زالت تفاصيل ما جرى في بلدة عرسال غير واضحة وتتضارب بشأنها الروايات، ففي الأسبوع الماضي عقد العميد الركن إدموند فاضل، مدير الاستخبارات العسكرية اللبنانية، مؤتمراً صحفياً نادراً لتوضيح رواية الجيش للحدث. وقد صرح بأن خالد حميد، البالغ من العمر 43 عاماً وهو أحد سكان عرسال، لعب دوراً في اختطاف سبعة من السياح الإستونيين في عام 2011 وأنه عضو في «جبهة النصرة»، وهي حركة متشددة تقاتل نظام الأسد وقد صنفتها الولايات المتحدة باعتبارها منظمة إرهابية. وأضاف مدير الاستخبارات العسكرية، أنه في الأول من فبراير الجاري عندما دخلت قوة من الجيش إلى البلدة لاعتقال حميد اندلعت مواجهة مسلحة لمقاومة عملية الاعتقال، وعندما أرادت القوة الخروج من البلدة علقت في الثلوج والتضاريس الجبلية الوعرة. وفي هذه الأثناء كانت أنباء المواجهة قد انتشرت في البلدة ليلاحق حوالي 300 شخص الجنود العالقين، وبعد وصولهم إلى المكان طُوقوا مع آلياتهم وفُتحت عليهم النار ليقتل ضابط في الجيش اللبناني ورقيب، بالإضافة إلى جرح آخرين، فيما استطاع آخرون الفرار. وأفادت بعض التقارير اللاحقة أنه تم التمثيل بجثث الجنديين اللذين قتلا، وفصل رأس أحدهما عن بدنه! وعن هذا الموضوع قال العميد فاضل في المؤتمر الصحفي نفسه: «نحن نعرف من قام بهذا، ولدينا أسماء حوالي ثمانين شخصاً متورطين في الجريمة... نحن لسنا عشيرة نسعى للانتقام، ولكن كل من يتجرأ على مهاجمة مؤسسة الجيش لن نتجاهل أمره وسنعتقله في النهاية». هذا ويعتبر الجيش أحد المؤسسات التي تحظى باحترام في لبنان، لما تضمنه من أمن واستقلال، وهي لذلك نادراً ما تتعرض لانتقادات علنية. وفي الأيام اللاحقة على الحادثة أصدر السياسيون بيانات تشيد بالجيش، كما سُيرت عدة تظاهرات في مختلف أنحاء البلاد مؤيدة له، بل إن سكان بلدة عرسال أنفسهم يواصلون إعلان دعمهم للجيش اللبناني باعتباره مؤسسة وطنية حتى في ظل إغلاق البلدة من قبل كتيبة القوات الجوية، حيث أقام الجنود نقطة تفتيش على الطريق الإسفلتي الوحيد المؤدي إلى البلدة. ولكن من ناحية أخرى هناك رواية مختلفة للأحداث يتبناها أيضاً الأهالي، ويقولون إنها قادت إلى المواجهات العنيفة، وهم يؤكدون أن التهم الموجهة لخالد حميد غير صحيحة، ولم تكن هناك أي محاولة لاعتقاله قبل أن يُقتل. وفي هذا السياق يقول عبدالله حميد، والد خالد: «إن السبب الحقيقي الذي تعرض من أجله للقتل هو مساندته للثورة السورية، لقد اختلقوا سيناريو بأنه مجرم، والحال أنه لم تصدر في حقه أية مذكرة اعتقال، ونحن فخورون به، لقد كانت تحركاته مشكلة بالنسبة للنظام في سوريا، وأصبح عبئاً على لبنان. وأنا لن أكذب هنا لقد ساند بقوة الثوار لذا تمت مراقبته ورصده ثم قتله لاحقاً»، وأضاف والد الفقيد، أنه قد قتل في سيارته عندما كان متوجهاً لأداء صلاة الجمعة. وحتى الآن ما زالت آثار إطلاق النار بادية على سيارته المهملة على جانب الطريق، فيما علامات الدماء واضحة عليها. هذا بالإضافة إلى أن الأهالي يقولون، إن عدد القتلى في المواجهة كانوا أكثر من اثنين كما يدعي الجيش، حيث قال أحد السكان رفض ذكر اسمه «لقد جئنا بست جثث إلى البلدة، فيما ذكر الجيش أن القتلى هم اثنان فقط». ويعتقد العديد من سكان البلدة أن الرجال الأربعة الذين سقطوا في المواجهات كانوا أعضاء في «حزب الله» يتهمونهم بمرافقة أفراد الجيش داخل عرسال لاعتقال حميد. وهم يتساءلون لماذا اختار الجنود دخول البلدة عبر ممر غير معروف بدل سلوك الطريق الرسمي، لو كانوا فعلا في مهمة رسمية؟ حيث جرى استخدام طريق جانبي غير معبد يمر عبر الجبال ومن خلال القرى التي يقطنها الشيعة ويمتلك فيها «حزب الله» نفوذاً كبيراً. وهو ما يشير إليه عمدة البلدة، السيد هجيري، قائلاً: «لقد اتصلت بالجيش والاستخبارات العسكرية وبالشرطة أيضاً بعد إطلاق النار، ولم يكونوا يعرفون شيئاً عن عملية اعتقال حميد» في إحالة إلى أن العملية لم يكن مرخصاً لها. لكن الجيش اللبناني و«حزب الله» أنكرا أن تكون عناصر أخرى من خارج الجيش شاركت في العملية، حيث وصف نواف ساهلي، وهو عضو في البرلمان اللبناني عن «حزب الله»، هذه الاتهامات «بغير الصحيحة والبعيدة عن الواقع»، قائلاً: «هناك البعض ممن يشير إلى طرف ثالث في حادث عرسال بهدف تأجيج الصراع الطائفي». وتعتبر بلدة عرسال بعدد سكانها البالغ 48 ألف نسمة والواقعة على سلسلة من التلال التي تفصلها عن باقي لبنان الجبال، ما يزيد عزلتها، إحدى المناطق المعروفة بعنادها وعدم خضوعها للسلطة. ففي العقود الماضية انضم العديد من أبنائها إلى الفصائل الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وفي العامين الماضيين تحولت عرسال إلى معقل لمساندة الثوار السوريين، ومكان لتسلل المقاتلين السوريين واللبنانيين من وإلى البلدين. وفي هذا السياق يقول خالد، وهو أحد سكان القرى المجاورة لعرسال «يريد حزب الله تحييد عرسال لأنها تساند الثورة السورية»، ولكن منطقة البقاع الشمالي الذي توجد فيه البلدة تضم بالإضافة إلى المقاتلين السنة الموالين للثورة أفراد «حزب الله»، حيث تدور معارك بينهما في القرى والبلدات السورية على الطرف الآخر من الحدود وحتى في حمص، وإلى حد الآن امتنع الطرفان عن نقل المعارك إلى داخل لبنان، خوفاً من تفجير التوازن الهش بين الطوائف المختلفة، وإشعال الصراع في البلاد لأنها في غنى أصلاً عن حرب أهلية جديدة. نيكولاس بلاندفورد لبنان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©