الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا: مصادقة توافقية على الموازنة

12 فبراير 2013 23:49
بعد ليلة من المساومات السياسية الشاقة والعسيرة، تمكن القادة الأوروبيون المجتمعون في بروكسل من التغلب على ما بدا لأول وهلة وكأنه اختلافات يستحيل حلها، ليصادقوا يوم الجمعة الماضي على موازنة الاتحاد الأوروبي، التي تمتد لسبع سنوات بقيمة 960 مليار «يورو»، يستفيد منها أعضاء الاتحاد السبعة والعشرون. بيد أن الاتفاق وإن كان صيغ بطريقة تتيح لكل من القادة الأوروبيين إعلان النصر، وأنهم حققوا ما كانوا يطالبون به لربح الرهان السياسي في الداخل، تظل معه القيمة الاقتصادية للموازنة الممتدة مابين عامي 2014 و2020، متواضعة مقارنة بأهميتها السياسية للأطراف المشاركة في صياغتها. وحتى على الصعيد العملي ما زال إقرار الموازنة يواجه صعوبات بالنظر إلى حاجة البرلمانات المحلية للمصادقة عليها واحتمال الاعتراض عليها وإسقاطها. وخلال النقاشات التي جرت لإقرار الموازنة الأوروبية، طفت على السطح أوجه الاختلاف التقليدية بين الكتلة التي تقودها فرنسا، وتدعمها كل من إيطاليا وإسبانيا، المطالبة بمزيد من الأموال لتحفيز النمو الاقتصادي والخروج من حالة الركود، مقابل الكتلة الأخرى التي تقودها بريطانيا، وتساندها البلدان الأوروبية الشمالية والصغيرة الأكثر غنى، التي تريد المزيد من سياسات التقشف وخفض النفقات والحد مما تعتبره بيروقراطية أوروبية مترهلة. وبالطبع كان الطرف الأهم الذي حسم النقاش هو ألمانيا بقيادة ميركل، التي دعمت من جهة ترشيد النفقات، ولكنها أيضاً أعطت الأولوية للتوصل إلى اتفاق، مهما كلف الأمر، لتفادي كشف الاتحاد الأوروبي أمام العالم ككتلة اقتصادية متعطلة وغير قادرة على التوافق على سياسات مشتركة، وهو السيناريو الذي كان سيضعف مصداقية الاتحاد فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية الرامية إلى التعافي والخروج من الأزمة. وفي الأخير اتفق جميع الأطراف على خفض الموازنة بحوالي 45 مليار «يورو»، وخصم ما يناهز 12 مليار يورو من تلك التي عرضت في شهر نوفمبر الماضي وفشل الاتحاد في إقرارها بسبب معارضة بعض الدول مثل بريطانيا وحلفائها، الأمر الذي أثار وقتها مخاوف من احتمال الفشل مرة أخرى في التوصل إلى اتفاق لإقرار الموازنة الأوروبية. ولكن يبدو أن القادة الأوروبيين اتفقوا على خفض متواضع للموازنة يمس قطاعات بعينها في مجال النقل والطاقة. وتعليقاً على النجاح المتحقق قال رئيس الاتحاد الأوروبي، هيرمان فان رومبي، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «لقد توصلنا إلى اتفاق، لم نستطع تجاهل الحقائق الاقتصادية الصعبة في عموم أوروبا، ولذا كان لابد من اعتماد موازنة صغيرة». والحقيقة أن المواقف غير المتوافقة في ظاهرها التي قسمت الاتحاد الأوروبي وجعلت أعضاءه يفشلون في المرة الأولى عند التصويت على الموازنة، كانت تحركها عوامل السياسة الداخلية، فضلاً عن الرؤى المختلفة حول ما يجب أن يكون عليه الاتحاد الأوروبي، والوجهة التي يتعين عليه سلوكها في المستقبل. ولم يكن من السهل التوافق على تلك النقاط جميعاً في ظل الموافقة بالإجماع التي تنص عليها القوانين الأوروبية، فيما يتعلق بالمصادقة على الموازنة العامة للاتحاد. وفي هذا الإطار لعبت المحددات السياسية دوراً أكبر من الأرقام والتقديرات العملية في تمرير الموازنة، دون أن ننسى قدرة البرلمانات الأوروبية المختلفة على الإطاحة بالموازنة وإعادتها إلى المربع الأول، ولكن الرئيس هيرمان فان رومبي المسؤول عن اقتراح نقاط تسوية قادرة على التقريب بين وجهات النظر، بلور موازنة سمحت لجميع المشاركين الأساسيين بإعلان النصر أمام الرأي العام الداخلي. يُذكر أن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي هدد في أكثر من مرة برفض الموازنة، استجابة منه لمخاوف قطاعات واسعة في الشارع البريطاني متشككة في مجمل مشروع الاتحاد الأوروبي، نجح في انتزاع التقشف الرمزي الذي تضمنته الموازنة، فيما قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند إنه نجح هو أيضاً في التخفيف من التقشف الذي طالب به البعض حتى يقنع مواطنيه بأنه حريص على الدفاع عن المصالح الفرنسية. وفي النهاية يبدو أن الجميع يمكنه إعلان النصر، فالمملكة المتحدة يمكنها القول إلى الاتحاد الأوروبي استسلم لمطالبها، ويمكن للدنمارك القول إنها حصلت على الاقتطاعات من الموازنة العامة التي كانت تصر عليها، فيما عززت ألمانيا من قيادتها للمجموعة الأوروبية. أما فرنسا فلن تخسر الدعم الزارعي، ولم يحصل أي تغيير تقريباً في الحصص التي تحصل عليها إسبانيا وإيطاليا من أموال الاتحاد، وإن كانت إسبانيا ستكون المستفيد الأكبر بحصولها على ستة مليارات «يورو» مخصصة لدعم تشغيل الشباب. ولكن على رغم الأهمية السياسية للموازنة تبقى فائدتها العملية محدودة للغاية، وذلك لأن موازنة الاتحاد غير مخصصة أصلاً لتمويل النفقات الحكومية لبلدان الاتحاد الأوروبي، فكل دولة مطالبة بالمساهمة في الموازنة العامة حسب وزنها الديموغرافي والاقتصادي، ولكن جميع الدول أيضاً تحصل في المقابل على اقتطاعات من حصتها توجه إلى سياسات بعينها مثل الدعم الزراعي والتنمية الريفية ومشاريع البنية التحتية التي تستفيد منها في النهاية بلدان مثل فرنسا وبولندا وإسبانيا وإيطاليا وأوروبا الشرقية، لتبقى الصورة أن بلدان أوروبا الشمالية الغنية بالإضافة إلى فرنسا هي المساهمة الأساسية، فيما دول جنوب أوروبا وشرقها هي المستفيدة. والحقيقة أنه لا أحد من بلدان الاتحاد الأوروبي يعتمد على الموازنة المشتركة، ذلك أن نسبة الموازنة الأوروبية من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد لا تتجاوز 1 في المئة، كما حصة الاستفادة لكل دولة تبقى ضئيلة جداً مقارنة بإجمالي النفقات الحكومية. أندريس كالا مدريد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©